ذي قار (العراق) – قال مسؤول حكومي في محافظة ذي قار جنوبي العراق، الخميس، إن سكان 25 قرية شرقي المحافظة هجروا قراهم خلال صيف العام الحالي جراء الجفاف الذي تعاني منه مناطقهم.
وأضاف علي رداد قائممقام قضاء الإصلاح (شرق مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار) في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “القضاء سجل هجرة سكان 25 قرية زراعية صيف العام الحالي، جراء تفاقم أزمة شح المياه”، مشيرا إلى أن “القضاء يسجل يوميا هجرة العوائل من القرى الزراعية إلى المناطق الحضرية”.
وأوضح المسؤول العراقي أن “استمرار الهجرة الجماعية من القرى بسبب شح المياه ترك آثارا سلبية على الصحة العامة والثروة الحيوانية”.
وانخفض المخزون المائي في العراق خلال العام الحالي بواقع 4 مليارات متر مكعب جراء قلة إيرادات مياه الأنهار، حسب تصريح مصدر مسؤول بوزارة الموارد المائية.
ويبلغ إجمالي الخزين المائي في العراق حاليا نحو 17 مليار قدم مكعب.
وقال مستشار وزارة الموارد المائية ظافر عبدالله، إنه “رغم الانخفاض بواقع 4 مليارات متر مكعب من المياه المخزّنة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي 2017، فإن المياه المخصصة للشرب متوفرة”.
ويعاني العراق منذ سنوات من انخفاض متواصل في الإيرادات المائية عبر نهري دجلة والفرات جراء تدني كمية الأمطار المتساقطة في موسم الشتاء وإنشاء سدود تركية وإيرانية تحول دون حصول العراق على حصة كافية من المياه.
ودفعت أزمة المياه العراق إلى تقليص مساحة الأراضي الزراعية في موسم الشتاء بنسبة 55 في المئة، بعد أن حظر في الصيف زراعة 8 محاصيل من بينها الأرز والقطن والذرة.
وقال مسؤول في وزارة الزراعة العراقية إن المساحات المزروعة في البلاد انخفضت إلى النصف مقارنة بالعام الماضي إثر موجة الجفاف وانخفاض منسوب نهري دجلة والفرات.
وكانت الوزارة أعلنت حظر زراعة الأرز والذرة وبعض المحاصيل الأخرى التي تحتاج إلى الكثير من المياه بسبب الجفاف الشديد العام الحالي.
وقال مهدي القيسي وكيل وزير الزراعة “إذا أردنا مقارنة المساحات المزروعة هذا العام مع العام الماضي يصل حجم الضرر إلى خمسين بالمئة”.
وأضاف أن “الخطة المائية استثنت بعض الخضار بسبب عدم وجود مياه كافية لتغطية الخطة الصيفية”.
وإلى جانب حظر زراعة الأرز والذرة، منعت السلطات زراعة الدخان والسمسم وزهرة الشمس والقطن.
وبحسب السلطات، فإن الخسائر التي سيتكبدها العاملون في زراعة الأرز تبلغ 34 مليون يورو هذا العام. كما تتأثر بالجفاف الثروة الحيوانية بسبب نفوق الآلاف من جواميس تعيش في الأهوار نتيجة العطش.
وفي مدينة الناصرية، نزحت أكثر من 400 عائلة من قراها لتستقر في مناطق لديها مصادر مياه أفضل من أجل قطعانها، وفقا لمسوؤلين محليين.
وقال الباحث في التاريخ رشيد الخيون، إن مدينة الناصرية وريفها “عاشت طول تاريخها على الماء، من الفرات وفروعه، فإذا جف الماء زالت الحياة التي اعتادها الإنسان هناك منذ مئات القرون، ومثلما كان الماء سببا في الهجرة إلى هذا المكان، غدا فقده سببا في الهجرة منها”.
وأضاف الخيون، الذي ينحدر من الناصرية، “من المعلوم أن الحياة الاقتصادية، من الرعي والزراعة ستنتهي بهذا الجفاف، وليست هناك استعدادات لمواجهته، يُضاف إلى ذلك انحسار الثقافة والأدب والغناء، والحياة الروحية بشكل عام، وهي المرتبطة من الأساس بحياة النهر”.
وتوقع الخيون أن “يتحول المكان إلى أرض قاحلة لا حياة فيها، ناهيك عما سيسببه هذا للمدينة، وبغداد ومدن العتبات الدينية التي يقصدها عادة أهالي تلك القرى، من أزمة اكتظاظ للسكان والبطالة الموجودة فيها من الأساس″.
وبعيدا عن قلة الأمطار، يبقى السبب الرئيسي للجفاف، بحسب الخبراء، تحويل وقطع الأنهار التي تصب في دجلة والفرات من قبل تركيا وإيران.
وباشرت تركيا مؤخرا بتشغيل سد “أليسو” على نهر دجلة ما يشكل ضربة للزراعة في العراق ستظهر تداعياتها في مختلف نواحي الحياة. وقد أثار هذا الأمر غضب العراقيين والقلق لدى السلطات التي تواجه أصلا مشكلات بسبب النقص المزمن في الطاقة الكهربائية.
وتناقص مناسيب المياه وزيادة الملوحة في منطقة الأهوار بجنوب العراق سبّبا انتشار الأمراض بما جعل الجاموس المنتشر في المنطقة عرضة للهلاك.
وحذر نشطاء في مجال البيئة من أن ذلك ربما يُجبر من يربون الماشية في المنطقة على الهجرة لدول مجاورة.
وقال مسؤولون في منطقة الأهوار إنهم سجلوا أكثر من 30 حالة نفوق لجاموس خلال الشهر الماضي، مشيرين إلى أنه ربما تكون هناك حالات أخرى لأن المربين عادة ما يذبحون حيواناتهم أو يحرقون جيفها عقب نفوقها.
ويشكو المسؤولون عن المياه من أن معدل التدفق الحالي، وهو 17 مترا مكعبا في الثانية، يكفي بالكاد لتغطية منطقة الأهوار الشاسعة، الأمر الذي يهدد جاموس الماء الكثير في المنطقة بالأمراض والنفوق.
وكغيره من سكان الأهوار، فقد أحمد صباح ثلاثة جواميس بسبب ارتفاع معدل الملوحة ونقص المياه، كما أن الكثير من رؤوس ماشيته تعاني الآن الهزال والمرض.
وقال رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية رعد حبيب “في السابق، في نفس هذه الأيام كان منسوب الماء مترا و30 سنتيمترا في عمود نهر الفرات، الآن 86 سنتيمترا، فارق كبير جدا. نسبة الملوحة 8 آلاف جزء بالمليون، كان في السابق 1500 جزء بالمليون. يعني أضرارا كبيرة جدا”.
وأضاف “لا بد للدولة أن تجد حلا لهذه الأضرار، عبر توفير إطلاقات مائية من خلال الاتفاق مع الدول المتشاطئة، وعبر منع التجاوزات، إذ أن هناك تجاوزات كبيرة تحصل على عمود نهر الفرات، منها تجاوزات غير مرخصة مثل بحيرات الأسماك والزراعة غير المرخصة”.
العرب