عادل عبدالمهدي وإرث من المعضلات الداخلية والخارجية

عادل عبدالمهدي وإرث من المعضلات الداخلية والخارجية

استبشر العراقيون بالطريقة الجديدة في انتخاب الرئاسات الثلاث: رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، رئيس الجمهورية برهم صالح، وتكليف عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة. ذاك أن فضاءات جديدة، مشجعة وإيجابية، رسمت لوحة التسليم السلمي والآمن والسلس للمسؤوليات الكبيرة في الدولة. ورغم اقتراب رئيس الوزراء العراقي المكلف عادل عبدالمهدي من إعلان تشكيلة حكومته بعدما أكد أنه ينوي تقديم أسماء وزرائه الأسبوع القادم، فإن حزمة الأسئلة التي تشغل العراقيين اليوم تتعلق بمدى قدرته على تخطي التحديات المطروحة أمامه.

هل ستتمكن القيادة الجديدة من زرع الأمل في نفوس الشعب وإعادة الكرامة المفقودة إليه؟ التحديات كبيرة والضغوط الداخلية والتدخلات الخارجية أكبر. ولا أحد ينتظر من «القبطان الجدد» تحقيق المعجزات خلال الفترة القريبة المقبلة، لكن الشعب يترقب عملاً جاداً لجهة إصلاح النظام السياسي وتعزيز الاستقرار – أحد الأركان المهمة في طريق تعافي الاقتصاد، واتخاذ حزمة من الإصلاحات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والأمنية، وترميم البنية التحتية وتحسين قطاع الخدمات، بما في ذلك توفير الماء الصالح للشرب وتأمين الكهرباء، والاهتمام بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتوفير فرص العمل، وإصلاح النظام السياسي، ومعالجة التغيير الجغرافي الحاصل في مناطق سهل نينوى وكركوك.

وتمثل مسألة إعادة هيبة الدولة والمؤسسة العسكرية أولوية متقدمة وتحديا لرئيس الحكومة بعد أن تراجع دورها بسبب النفوذ الواسع للحشد الشعبي وقياداته الحليفة لإيران في القرارين السياسي والأمني. وحصلت الأجنحة السياسية لفصائل عدة من الحشد الشعبي على مقاعد لها في انتخابات آيار/ مايو 2018؛ ومعظم هذه الفصائل تدين بالولاء “الشرعي” للمرشد الأعلى علي خامنئي وترتبط تنظيميا بـ”فيلق القدس”، الذي يتولى مهمة تدريب وتمويل وتسليح أكثر من 40 فصيلا من أصل 71 فصيلا تشكل هيئة الحشد الشعبي. وبما أن الدستور العراقي لا يسمح باستخدام العراق منطلقا لأي عمليات عابرة للحدود فإن عبدالمهدي سيواجه تحدي إعادة فصائل الحشد الشعبي التي تقاتل على الأراضي السورية إلى جانب قوات النظام بصفته القائد العام للقوات المسلحة الذي ترتبط هيئة الحشد الشعبي بمكتبه مباشرة.وتواجه أي حكومة تسعى لنزع أسلحة المجموعات المسلحة معضلة الانتماء الفكري وازدواجية الولاء بين الولاء الوطني للدولة والولاء الآخر لجهات دينية مثل المرجعيات الدينية العراقية أو مرجعية المرشد الأعلى علي خامنئي.

سيواجه رئيس الحكومة الجديد إذن جملة تحديات، حيث تفتقر بنية الدولة الأساسية وشروط اختيار الحقائب الوزارية وفق المحاصّة السياسية إلى الأرضية الصلبة التي يستند إليها لمواجهة تلك التحديات وتجاوزها خلال السنوات الأربع القادمة إذا امتلك عبد المهدي القدرة على الاستمرار ولم يقدم استقالته.وبما أن الدستور العراقي لا يسمح باستخدام العراق منطلقا لأي عمليات عابرة للحدود، فإن عبد المهدي سيواجه تحدي إعادة فصائل الحشد الشعبي التي تقاتل على الأراضي السورية إلى جانب قوات النظام السوري، وذلك بصفته القائد العام للقوات المسلحة العراقية الذي ترتبط هيئة الحشد الشعبي بمكتبه مباشرة.

ومن أهم أولويات الحكومة الجديدة أيضا معالجة المشاكل اليومية والأزمات الاقتصادية وعقد مصالحة وطنية حقيقية بين مكونات المجتمع العراقي لتجنب دخول العراق في حالة من الفوضى الأمنية. يتوقف نجاح رئيس الوزراء الجديد على قدرته في إرساء الأمن والاستقرار وإنهاء البيئة الجاذبة لنمو الجماعات المتشددة في غربي وشمالي غربي العراق من خلال برنامج كفء لإعادة الثقة بين الحكومة الاتحادية والمجتمع السني، ومعالجة أزمة النازحين داخليا والمهجرين قسرا، وكذلك الكشف عن مصير آلاف عدة من المغيبين قسرا خلال عمليات استعادة المدن من داعش الإرهابي.

إن من اولويات الحكومة الجديدة محاربة الفساد، الذي وصلت مستوياته، وفق تقارير منظمة الشفافية الدولية، الى أن يتبوأ العراق في العام 2004 الموقع الـ129 من بين 145 دولة، وفي عام 2010 جاء في الموقع الـ175 من بين 178 دولة، وفي عام 2017 «أحرز» المرتبة الـ169 من أصل 180. وهذا إضافة الى الحد من الاستئثار بمقدرات البلد وثرواته الوفيرة، وإخراج البلد من دوامة الفشل والأزمات المتواصلة في مفاصل الدولة، والعمل على بناء اقتصاد متعاف والتزام منهج قويم لترميم ما تم تخريبه، وليس الاعتماد على اقتصاد الظل الذي أفرز السوء في توزيع الثروة والدخل، والفساد الذي ولد البطالة، بحيث انحسر دور القطاع الخاص في الإنتاج الوطني.

ومن بين أبرز التحديات وأكثرها تعقيدا رسم مسارات جديدة للعلاقة بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية، وحل الخلافات على المناطق المتنازع عليها وخاصة مدينة كركوك بين العرب والأكراد والتركمان، إضافة إلى اقتسام الموارد والمنافذ الحدودية وعوائد النفط سواء المستخرج من محافظات كردستان أو المار عبرها.

على الصعيد الدولي المتداخل مع الإقليمي تأتي العقوبات الأميركية على إيران التي سيسري العمل بها بدءا من 4 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، على رأس أهم التحديات التي ستفرض على عبد المهدي الموازنة بين حاجته للدعم الثنائي من كل من الولايات المتحدة وإيران، وكيفية التوفيق في الموقف من العقوبات بين الرفض والالتزام بها كما صرح سلفه حيدر العبادي. وهو ما تعتبره فصائل الحشد الشعبي غير ملزم للحكومة الجديدة، أو تجاهلها بما يضع العراق تحت طائلة التهديد الأميركي بإجراءات عقابية على الشركات والدول التي لا تلتزم بتلك العقوبات.

وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية فإن العراق يحاول أن يحصل على إستثناء من الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق العقوبات على إيران، كما حصل تمامًا مع الأردن حينما حصل على ذلك الاستثناء بعد حرب الخليج الثانية. وبحسب تلك المعلومات فإن إدارة ترامب لن تقبل بذلك إذا كانت الحكومة العراقية قيد التشكيل ستكون قريبة من طهران، فالإدارة ترامب وحلفائها كالمملكة المتحدة والدول الأوروبية غير راضية عن الطريقة التي بموجبها يتم تشكيل الحكومة العراقية وخاصة أن تكون الوزارات السيادية من نصيب حلفاء طهران.

سابقًا كان تشكيل الحكومة العراقية في مرحلة ما بعد عام 2003م، يتم بشكل متوازن بين طهران وواشنطن، ولكن الأمر اختلف مع هذه الحكومة، فالجنرال قاسم سليماني يتجول في بغداد وأربيل من أجل تشكيل حكومة عراقية ذات صبغة إيرانية فإلى جانب دعمه إلى الحشد الشعبي، فهو يدعم أيضًا بعض الفاسدين من الطبقة السياسية العراقية بشقيها السني والشيعي ودعم طرف واحد في إقليم كردستان العراق وهو حزب الديمقراطي الكردستاني.

فإذا تشكلت حكومة عراقية ذات طابع إيراني، وبالتالي لن تلتزم بالحزمة الثانية للعقوبات الأمريكية على إيران التي ستدخل حيز التنفيذ في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، هذا معناه أن الحكومة العراقية قامت في خطوة في غاية الخطورة في معاداة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية، وبهذه الحالة تكون الحكومة العراقية التي فضلت علاقاتها مع طهران على غيرها من الدول أشبه بعلاقة كوريا الشمالية مع الصين التي فرضت على نفسها عزلة عالمية بسبب برنامجها النووي الذي انتهى. لنتتقل هذه العدوى إلى منطقة الشرق الأوسط، فهذا الاصطفاف العراقي الإيراني له تأثير خطيرة جدا على العراق، فهل تستطيع الحكومة العراقية تحمل تبعات موقفها هذا ؟

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية