كتبت الزميلة هدى الحسيني أن العراق في الطريق إلى البلقنة، فيما أعلنت مستشارة سابقة للجيش الأميركي أنه لن يعود إلى الحكم المركزي. هذا أسوأ ما كنّا نتوقع أن نسمع: المرض قاتل ولا شفاء منه.
«دولة القانون» التي أقامها نوري المالكي في بلاد الرافدين، مهّدت لزوال الدولة التي تصارع منذ 1958 في سبيل البقاء عراقًا موحدًا وقابلاً للحياة. من عبد الكريم قاسم إلى صدام حسين لم تعرف بغداد شكل الدولة الطبيعية والحاضنة. مرة تدمِّرها دبابة، ومرّة إذاعة. مرّة الزعيم الأوحد، ومرّة الرئيس الضرورة، ولا مرّة النظام الرحب، والعادل، والباحث بين طاقات العراق وثرواته، على سبل النمو ودعائم الوحدة وإلغاء العنصريات على المواطنين. كان هناك شيء واحد يعرفه الانقلابيون القادمون بالعنف، هو العنف. عاشوا به وقُتِلوا به وقَتلوا به العراق.
هذه السلسلة من دورات العنف والقتل والظلم أعطت جورج دبليو بوش وذئابه الانطباع بأن العراقيين سوف يهتفون لهم عندما يهبطون في بغداد. وهو ما قد زيَّنته لهم أيضا مجموعة من العراقيين الفاسدين العارفين بثروات العراق. وبعد تسليم البلاد للمالكي، بدل ائتلاف وطني موسع يمثل مكونات العراق، راح يتفتت ما قد صمد. وبعد نزول الأميركيين، انصرف كثيرون إلى نهب متحف بغداد، الذي يضم ثروات أثرية لا مثيل لها، ثم بعد ذلك، انصرفوا إلى نهب كل ما تطال أيديهم.
والآن تتكفل «داعش» بالباقي. فمشاهد تدمير الآثار لم تكن سوى مسرحية، لأن الثروات الحقيقية بيعت، أو هي معروضة للبيع. وتقدر ثروة التنظيم اليوم بما يفوق 8 مليارات دولار. وقد نُهبت البيوت والمنازل والممتلكات في جميع الأماكن التي احتلتها. وفي حالات كثيرة أرسل الناهبون صور المنازل المسروقة إلى أصحابها بالهاتف.
بعدما وعدهم جورج دبليو بوش بـ«التحرير»، لم يعد العراقيون يعرفون مَن سوف يحررهم. متطوِّعو الحشد الشعبي القادمون من البصرة يقاتلون في الأنبار، والجيش العراقي ينسحب من كل مكان، والجروح الطائفية التي تركها حكم صدام حسين أصبحت الآن وِديانًا من الدماء لا تندمل.
لذلك، يصعب فعلاً أن يعود «العراق المركزي»، ما بين هجمات «الحشد الشعبي» والقصف الأميركي «للأطراف»، بسبب ملايين المدنيين في مناطق احتلال «داعش». وليس في الأفق ضوء. هناك هوّة، أو جحيم في العراق وفي سوريا، وخوف شديد في لبنان، تقابلها بلادة في واشنطن، وغطرسة فارغة في موسكو.
سمير عطا الله
الشرق الاوسط