أزمة البرلمان الجزائري تفتح الباب على سيناريوهات مختلفة

أزمة البرلمان الجزائري تفتح الباب على سيناريوهات مختلفة

تشهد الجزائر منذ حوالي شهر أزمة برلمانية يرى الكثير من المتابعين للشأن الجزائري أنها مفتعلة لتمرير مخططات بعض الأطراف وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية التي ألمحت زعيمة المعارضة لويزة حنون إلى سعيها لتنفيذ انقلاب عسكري.

الجزائر – رسمت رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، صورة قاتمة عن الوضع السياسي في بلادها، وألمحت إلى أن كل الخيارات قائمة بما فيها الانقلاب على السلطة الحاكمة.

واعتبرت لويزة حنون، أزمة البرلمان التي دخلت أسبوعها الثالث، حلقة من حلقات أزمة النظام السياسي في البلاد، ووصفتها بـ”المفتعلة”، لأجل تصفية حسابات وصراعات قوية متصلة بالانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد ستة أشهر من الآن.

وصعّدت المتحدثة من لهجة خطابها في اللقاء الذي جمعها بمسؤولي الحزب بمنطقة وسط البلاد، فنعتت النظام السياسي القائم بـ”المتعفن والآيل إلى السقوط”، مستبعدة وجود أي فرصة لإصلاح الوضع، مما يزيد من غموض الوضع وتعقده، لا سيما في ظل التطورات المتسارعة في مختلف المؤسسات.

ولم تستبعد رئيسة حزب العمال، مبادرة شخص أو أشخاص بغية إنقاذ البلاد من هذا الوضع، لكنها لم تفصح عن طبيعة وشكل المبادرة، ولو أنها لا تخرج عن سياق تحرك المؤسسة العسكرية في هذا الاتجاه، بما أنها حذرت مما أسمته بـ”التجربة المصرية التي قطعت الطريق على مشروع الإخوان لكنها وقعت في قبضة العسكر”، في إشارة إلى ثورة 30 يونيو التي أنهت حكم الإخوان في مصر.

ويطرح مراقبون في الجزائر تساؤلات عن الإمكانيات والظروف المتاحة للجنرال أحمد قائد صالح، ليكون “سيسي الجزائر”، في إشارة إلى تقلص هامش المناورة أمام جميع الأطراف المتناحرة على السلطة، للوصول إلى تسوية مرضية، وتجنيب البلاد خيار التسوية العنيفة، رغم أن كل المؤشرات والمعطيات الإقليمية والدولية تستهجن خيار الانقلابات العسكرية في حل الأزمات السياسية.

ومن غير المستبعد أن يكون خطاب لويزة حنون، تعبيرا عن وجهة نظر لإحدى القوى الفاعلة في البلاد، فالمرأة محسوبة على جناح جهاز الاستخبارات المنحل وعلى ضباطها وكبار مسؤوليها المعزولين، وعلى رأسهم مدير الجهاز السابق، الجنرال محمد مدين (الجنرال توفيق).

وأكدت المتحدثة أمام كوادر حزبها بأن “النظام الحالي يتجه إلى الزوال وغير قابل للإصلاح، بسبب التعفن الذي أصاب مؤسسات الدولة، وأن ما اصطلح على تسميته بأزمة في البرلمان، مبالغ فيها لأن هذا الأخير منقوص الشرعية بسبب الاغتصاب الجماعي الذي تعرضت له القوى السياسية والإرادة الشعبية في الانتخابات السابقة”.

خطاب لويزة حنون قد يكون تعبيرا عن وجهة نظر جهاز الاستخبارات المنحل وعلى رأسه مديره محمد مدين {الجنرال توفيق}

وشكلت أزمة البرلمان منعطفا خطيرا في أزمة المؤسسات الجزائرية، فما وصف بـ”الانقلاب الأبيض” الذي نفذته كتل الموالاة ضد رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) سعيد بوحجة، يسير نحو المزيد من التعقيد.

وقوبل الإعلان عن عودة الوضع العادي للهيئة وقرب انتخاب رئيس جديد، بتصريحات للرئيس المخلوع مفادها “عدم الاعتراف وعدم شرعية القرار، والاحتفاظ بكل الأوراق للوقت المناسب”.

وذهب أستاذ الاقتصاد فارس مسدور، إلى القول بأن “الجميع في البرلمان موالاة ورئيس هم ضحية مناورات خطيرة تدار في أعلى هرم السلطة، تستهدف دفع البلاد إلى فراغ دستوري وشلل مؤسساتي غير مسبوق”.

وأضاف “لأن عدم خضوع قانون الموازنة العامة للتزكية البرلمانية، يعني فتح المجال أمام نهب وفوضى كبيرين، لأنه حينها لا أحد يحاسب أحدا، ولا أحد يراقب أو يضبط أحدا”.

واعتبر في تدوينة له بأن “ما قام به الجنرال قائد صالح، للحد من نفوذ محيط الرئاسة بقيادة سعيد بوتفليقة، لم يحقق أهدافه إلى حد الآن ولا يعتقد ذلك، لأن الوضع الاستثنائي الحالي الذي صنعه الرجل بالإيحاء للموالاة بسحب الثقة، ولرئيس البرلمان بالثبات في منصبه، يدخل البلاد في مأزق خطير تحبط جميع اجتهادات الخصوم”.

وكانت المناضلة التاريخية (من قدماء المحاربين) لويزة إيغيل احريز، عضو مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، قد أعلنت مساء السبت، عن استقالتها من منصبها تنديدا بما أسمته “مشروع العهدة الخامسة لبوتفليقة، وتضامنا مع رئيس البرلمان المخلوع سعيد بوحجة، كونه رفيق سلاح ونضال من أجل الحرية والاستقلال”.

وشددت لويزة حنون، في حديثها، على أنه “لا مناص للجميع من العودة إلى مقترح حزب العمال القاضي، بالذهاب إلى انتخاب جمعية تأسيسية، تضطلع بوضع دستور توافقي لفائدة الكل، وبناء مؤسسات جديدة تستمد شرعيتها من إرادة الشعب”.

وذكرت بأن حزبها يملك قراءة مخالفة للأزمة، تقوم على “الذهاب لانتخاب جمعية تأسيسية، تضع حدا للفوضى القائمة، ولمؤسسات جديدة تكون ذات مصداقية وتحترم إرادة وكلمة الشعب، وأن البرلمان الحالي لا يملك الشرعية الشعبية، لو كان كذلك لكنا أول المدافعين عنه، ولذلك فإنه كما عارض حزب العمال انتخاب بوحجة على رأس البرلمان، سيغيب عن انتخاب أي رئيس جديد”.

وشددت على أنها غير معنية بأزمة البرلمان، “فهي نفسها كأزمة شحنة الكوكايين المحجوزة، ونهب المال العام واستشراء الفساد، وأزمة قوانين المالية للأعوام الماضية عندما تم اتخاذ تدابير مؤلمة أدت إلى الانكماش الاقتصادي وتوسيع دائرة الأزمة الاقتصادية”. وقالت “أزمة البرلمان هي أزمة داخلية في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، وتندرج في سياق صراعات المصالح والنفوذ بين الأجنحة المستفيدة من الوضع القائم، وكما انشطر الحزب المذكور في 2004 على خلفية الانتخابات الرئاسية، ينشطر الآن لنفس السبب، ولأننا أقلية فلن يكون لنا دخل في المسألة”.

وبدوره، دعا رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي السبت بالأغواط إلى “حل كافة المجالس الشعبية المنتخبة” والذهاب إلى “مرحلة انتقالية” لوضع حد لما وصفه بـ”التجاوزات والأخطاء التي وقعت”.

العرب