في متابعة للمشهد السياسي العراقي الجديد، هنالك تطور ملحوظ بدت ملامحه بالتصويت على الكابينة الوزارية لرئيس الوزراء المكلف الدكتور عادل عبد المهدي، فالكاتب الامريكي زيكلر ( Ziglar ) يقول عندما تبرز تحدبات امامك فانه ينبغي ان تغير اتجاهك للوصول الى هدفك، ليس عليك ان تغير قرارك في الوصول الى هدفك. التصويت على الكابينة الوزراية امس كانت مؤشرا ايجابيا على الحركة السياسية الجديدة في العراق فهو ثورة على الماضي بكل ابعاده السياسية والديمقراطية وتطلع الى مستقبل واعد فعلى الرغم الاعتراضات والاختلافات التي قد تكون حادة احيانا الا انها خطوة للامام.
ومهما كانت التكهنات والتحليلات فانها ظاهرة صحية ملفتة للنظر فالرؤيا للواقع السياسي من بعيد هي غير الرؤيا من قرب فلم يعد هنالك موجودا القائد الضرورة او الزعيم الاوحد بل هنالك الشعب الضرورة والشعب الاوحد. انه شعب العراق الرائع يبدع ويواصل تحديه للعقبات التي فرضها الواقع السياسي المعاصر من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية . التصويت على الكابينة الوزارية وان جاء منقوصا الا انه تلبية لتطلعات شعب عظيم عانى الكثير من القهر والظلم لكن لايعني ذالك نهاية المطاف فالشعب يتابع وتامل ويتطلع الى تحقيق اهدافه من امن وخدمات واصلاح واعمار . البرلمان العراقي صوت امس على 14 وزارة لنخبة من الوزراء ومع ذلك ابدى تحفظه على بعض الوزارات وهي الدفاع والداخلية والتربية والتعليم العالي والثقافة والعدل والهجرة والعدل وصوت على 14 وزارة وهي الخارجية والمالية والنفط والاتصالات والنقل والاعمار والاسكان والتجارة والزراعة والشباب والرياضة والصحة والبيئة والصناعة والمعادن والعمل والشؤون الاجتماعية والكهرباء والموارد المائية.
العراق يصوت في ترجمة عملية لنظامه الديمقراطي الاتحادي وبهذا يتحدى رغم الموقف المحفوف بالمخاطر في هذه التجربة الديمقراطية الوليدة لكن العراق وجذوره الحضارية , حضارة وادى الرافدين ابت الا ان تتواصل وتظهر مرة اخرى والحضارة هي بتاء يقوم على القيم والمعارف انه صناعة الحياة ونسق متواصل والحضارة في الاصل هي التواصل مع الماضي والتطلع الى المستقبل فالتحرك في حدود الممكن هو تقليل لصعوبة المطلوب , العراق مهد الحضارات فهي حضارة اشور واكد وبابل وسومر.
التصويت جاء ضمن المدة الدستورية المحددة ليؤكد عزم وارادة الشعب العراقي متحدة والوزارة هي اداة لتنفيذ هذه الارادة وليست صانعة لها , الشعب وحده صانع هذه الارادة الشعب العراقي بكل مكوناته العرب والاكراد والتركمان وجميع الاقليات يتطلع الى شئ جديد يحقق المتطلبات ويترجم الشعارات الى افعال وان العالم ينظر ويراقب مايجرى في العراق لان العراق يؤثر ويتاثر . وفي حساب المستقبل وغاياته فأن البعض منا يتناسون احيانا ان كل اختيار سياسي او غير سياسي هو بطبيعته ” رهان” على احتمالات لها اسباب وعلى ممكنات لها تقديرات لان هذه جميعا تطرح امام اصحابها فرصا تساوي الاقدام دون ان تكون لديهم تأكيدات تضمن النتائج وليس استخفافا بالتاريخ استعمال وصف “الرهان” على الخيارات السياسية لان كل اختيار يتضمن بالقطع درجة ودرجة كبيرة بالتعامل مع المجهول بمعنى ان اي سياسي يجرى تقديراته ويضع خططه بناء على شواهد يراها بالبصيرة متاحة ويستشعر بالحس قدرة شعبه وامته على تحمل تكاليف الامل والعمل في سبيلها ويتوقع بالحساب ان بلوغها ممكن كما يعتقد في نفسه بشرعية واهلية تحمل المسوؤلية فيما “راهن” عليه . اذا نحن ننتظر وننامل ونترقب ونتفائل هل سيتحقق الشئ الجديد بكل ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد التصويت على الكابينة الوزارية والمضي قدما الى الامام ،نأمل ذلك.
مظفر القصيري
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية