كان لافتاً أن تُنشَر العديد من التصريحات والتقارير الأسبوع الماضي التي تشير إلى أن إيران لا تشكّل خطرا على إسرائيل. أهمية هذه التقارير تنبع من كونها صادرة عن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وليس عن قادة سياسيين، وهذا يعني أن التقييم جاء بناءً على معطيات موضوعية من جانب محترفين وليس من قبل جهات سياسية هدفها الاستهلاك الداخلي أو المتاجرة بالموضوع.
خلال الفترة الماضية، كان هناك في العالم العربي من يحب أن يجمع عمداً بين ما يقال إنها مخاوف إسرائيلية من الصفقة النووية الأميركية- الإيرانية وبين مخاوف العرب من نفس الموضوع، وذلك إمّا جهلا أو عمدا لأسباب ديماغوجيّة شعبوية درج هؤلاء على استخدامها منذ عقود طويلة وكانت من أهم أسباب غياب تقييمات صحيحة من الممكن أن يبنى عليها سياسات حقيقية في منطقتنا.
عموما، اليوم ومع هذه التصريحات الصادرة عن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بدأت الأمور تتضح شيئا فشيئا. هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي بالإضافة إلى أجهزة الاستخبارات ناقشوا رسميا الأسبوع الماضي الموضوع الإيراني، وقد جرى النقاش كما نقلت بعض التقارير تحت إشراف رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي الجنرال جادي إيزنكوت وبرئاسة نائبه الجنرال يائير جولان، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن الاتفاق النووي الأميركي –الإيراني سيقلّص من أيّة مخاطر محتملة قد تصدر عن الجانب الإيراني وهو ما سيسمح للمؤسسات العسكرية والأمنية الإسرائيلية بتخصيص مواردها في قضايا أخرى تشكّل تهديداً حقيقياً لإسرائيل أهمها الجهاد العالمي المتمثّل في تنظيمات كالقاعدة و»داعش».
هذا الاستنتاج طبيعي جدا، وسبق وتمّت الإشارة في مقالنا «من يرفض الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني ولماذا؟» إلى أن إسرائيل تمتلك الكثير من الخيارات حتى لو امتلكت إيران قنبلة نووية، وأن هناك من يقول: إنّ امتلاك إيران لسلاح نووي سيجعل منها دولة عقلانية تعتمد أكثر على الحسابات، وهذا يناسب إسرائيل أيضاً لأنه سيشجع طهران على فتح تواصل رسمي علني مع تل أبيب تحت شعار الخوف من حصول مواجهة نووية.
تاريخياً وحديثاً، سابقاً والآن، العدو الحقيقي لإيران في المفهوم الإيراني هم العرب وليس إسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إسرائيل. ولا أريد أن أشير هنا إلى تصريحات «المعتدلين» الإيرانيين الأخيرة التي أطلقها البعض كعلي يونسي، مستشار الرئيس «المعتدل» حسن روحاني، والتي تحدث فيها عن استعادة الإمبراطورية الفارسية لأمجادها وعاصمتها بغداد (هذا معتدلهم فلا تتصوروا المتشدد)، لكنّ الأكيد أن كلا البلدين «إسرائيل وإيران» يتشاطران خصائص استراتيجية في دورهما الجيو-سياسي الإقليمي وعدائهما تجاه العرب بالتحديد.
كلاهما ينظر إلى العرب بنظرة فوقيّة عنصرية متغطرسة، وكلاهما لا يستطيع إجبار نفسه على تحقيق السلام لأنهما يعيشان على حالة عدم الاستقرار الإقليمي وعلى إشعال النيران في المنطقة والاستثمار فيها. كلاهما تعبير عن أقلية قومية ودينية وطائفية محاطون ببحر من العرب والمسلمين (السنة)، ولذلك فإن وظيفتهما الاستراتيجية بالنسبة إلى القوى العظمى كانت ولازالت وستبقى قائمة على تعطيل تقدّم المنطقة عبر هذه الأغلبية، ولذلك هما بمثابة كنز للغرب.
على العموم، في النقاشات الأمنية والعسكرية التي حصلت مؤخرا في الاجتماع المذكور أعلاه، إيران ليست حتى على لائحة التهديدات بالنسبة لإسرائيل. الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» مير داجان والذي تقاعد عام 2011، كان قد صرّح ردّا على من يقول: إن إيران تشكّل خطرا داهما على إسرائيل بأنّ «النظام في إيران هو نظام عقلاني للغاية».
أكثر من ذلك، فإن من فوائد الصفقة النووية الأميركية- الإيرانية بالنسبة لإسرائيل الحصول على مساعدات عسكريّة أميركية بقيمة 45 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة. هذا يعني أن إسرائيل لن تكتفي بأن يكون لديها رادع نووي حاصل حصول إيران على قنبلة نووية بعد 10 سنوات، بل إن الولايات المتّحدة وفقا لما تناقلته التقارير مؤخرا ستقوم بمد إسرائيل بما قيمته 45 مليار دولار من الأسلحة الأكثر تقدماً وتطوراً في العالم بشكل مجاني! بما في ذلك طائرات (في-22 أوسبري) التي رفضت واشنطن أن تبيعها لأي أحد في العالم، بالإضافة إلى طائرات (أف-35) وتكنولوجيا الصواريخ ومنظومات الدفاع الصاروخي، علما بأن الولايات المتّحدة تغطي أصلا حوالي %25 من موازنة إسرائيل الدفاعية السنوية.
علي حسين باكير
صحيفة العرب القطرية