حلول أزمات المنطقة.. بلا «مفاتيح عربية»

حلول أزمات المنطقة.. بلا «مفاتيح عربية»

التطورات المتسارعة خلال الأيام القليلة الماضية، تنبئ، بما لا يدع مجالا للشك، بأن المنطقة مقبلة علي أحداث كبيرة، قد يختلف المراقبون والمحللون علي أولوياتها أو أيها سيتصدر الأخري. الا أن هذه التطورات تجسد تسابق بعض الدول علي احتكار الحلول في يديها واستبعاد المعنيين، وهم العرب، من القيام بأي دور مؤثر في مقابل جهود عربية «فردية»، وليست جماعية، في كسر هذا الاحتكار الذي تسعي اليه دول إقليمية ودولية علي حد السواء.

فالمنطقة لم تهدأ بعد من تداعيات اختفاء ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ومحاولات تركيا «احتكار» الحقيقة وحدها في هذه القضية، وحصد ما يتاح لها من غنائم، حتي ولو كان ذلك علي حساب علاقاتها بالمملكة العربية السعودية. ثم جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو إلي سلطنة عُمان وما سبقها وأعقبها من زيارات متقاربة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلي السلطنة، لتتزايد علامات الاستفهام عما سيحدث في الأيام المقبلة.

 كل تلك الأحداث طرحت نفسها، وبقوة، علي مناقشات منتدي «حوار المنامة» السنوي في البحرين والذي يعرف بـ «قمة الأمن الإقليمي» والتي تعقد في المنامة للعام الرابع عشر علي التوالي، وقاد المناقشات هذه المرة نجوم الأحدث الحالية، سواء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أو نظيره العُماني يوسف بن علوي، أو وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس. فيما أرجع أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، ضعف ووهن «الجامعة» ومن قبلها النظام العربي، إلي الأحداث التي شهدتها الأعوام الثمانية التي أعقبت ما حدث في 2011 واستهدف العديد من الدول العربية، وجعلت القرار العربي «منحي»، في الملفات العربية وأبرزها الملف السوري.

 وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، شدد علي ما تعرضت له بلاده من »هجمة هستيرية« حتي قبل أن تنتهي التحقيقات في قضية جمال خاشقجي، وأكد أن التحقيقات تتطلب وقتا، كما أن هناك معلومات وتفاصيل جديدة تظهر كل يوم. والمهم أن الجبير أكد أنه ستتمّ ملاحقة المتهمين السعوديين بالقضية في السعودية، وأن محاكمتهم أيضا ستتم في السعودية وليس أي مكان آخر، وذلك رداً علي مطالبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمحاكمتهم في تركيا.

 وعلي حين أكد يوسف بن علوي وزير الشئون الخارجية العُماني، إن بلاده لا تلعب دور الوسيط، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنها فقط تطرح أفكاراً لمساعدة الجانبين علي التقارب، فقد شدد علي أن سلطنة عُمان تعتمد علي الولايات المتحدة ومساعي رئيسها دونالد ترامب في العمل باتجاه صفقة القرن. وأقر بأن إسرائيل دولة موجودة بالمنطقة ونحن جميعا ندرك ذلك والعالم أيضاً، وربما حان الوقت لمعاملة إسرائيل بالمعاملة نفسها، كالدول الأخري، وأن تتحمل أيضا الالتزامات نفسها.

أما وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، فقد مزج في حديثه بين قضية خاشقجي، والتدخلات الإيرانية في شئون الدول العربية، والصراع الأمريكي الروسي علي النفوذ في المنطقة. فقد قال إن موضوع مقتل خاشقجي أمر حساس، لكنه يحظي بالاهتمام، وأكد في الوقت ذاته احترام بلاده للشعب السعودي وشراكة بلاده القوية مع السعودية. وأشار إلي أن بلاده تعلم ما تفعله إيران، وأن العقوبات الأمريكية ضد إيران لن تتغير، ما لم يتغير سلوك إيران. وشدد علي أن روسيا «لا يمكن أن تحلّ محل» الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

 ويمكن القول إن هذه القضايا الثلاث، مقتل خاشقجي وتداعياته، والسلوك الإيراني وأيضاً التركي، والصراع الذي لا ينتهي بين الأمريكيين والروس علي النفوذ، وخاصة في الشرق الأوسط وتحديدا المنطقة العربية، فضلا عن مساعي إقامة التحالف الاستراتيجي بين واشنطن ودول خليجية وعربية، هي ما سيحدد مسار الأحداث القادمة في المنطقة، وسط توقعات بـ «شتاء ساخن» يبدد برودة مناخه المعتادة، وينذر بما يتوقعه أو بما قد لا يتوقعه الكثيرون.

 والخلاصة، وفقا لما يؤكده دبلوماسي عربي مخضرم لـ «الأهرام»، أنه لم يعد أمام الدول العربية، ما يمكن أن تقوم به منفردة لحل قضاياها، سواء منها القديمة أو الحديثة، ففي قضية خاشقجي باتت هناك أصابع كثيرة تلعب في العلن أو في الخفاء جنباُ إلي جنب مع «علو» الصوت التركي في القضية.

وفي تسوية القضية الفلسطينية، لم تعد الولايات المتحدة تعدم الوسائل أو الترتيبات للتمهيد لإعلان صفقة القرن، ويبدو مفتاح حل تلك القضية بيدها وحدها الآن، حتي وإن ظهرت علي السطح، محاولات لـ «حلحلة» المواقف هنا أو هناك، فكل ما يحدث يتم بعلم واشنطن إن لم يكن بترتيب مباشر من «البيت الأبيض».

 ويبدو إزاء التدخلات الإيرانية في شئون المنطقة، أنه لم يعد هناك مفر من «التحالف الاستراتيجي» الذي ستقوده الولايات المتحدة، ويضم الدول الخليجية ومصر والأردن، والذي قال وزير الخارجية البحرينية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، أنه سيكون تحالفا نشطا في مثل هذا الوقت من العام المقبل، وأنه سيكون مفتوحا أمام من يقبلون مبادئه.

 وكما يؤكد الدبلوماسي العربي أيضا، فإن «مفاتيح الحلول» للأزمات في المنطقة لم تعد بأيدي العرب، فقد باتت قضاياهم تدار بأيدي ومخططات آخرين داخل الإقليم وخارجه، وأصبحت الشعوب العربية تستيقظ علي أحداث يصنعها آخرون ويستثمرونها، فيما لا يتبقي للدول العربية، إلا التبرير أو الدعوة لموقف عربي جماعي لمواجهة ما يحدث، وهو «موقف» لا يتحقق، وقد لا يتحقق في المستقبل المنظور.

الاهرام