كأي يوم عادي، استفاق المقدسيون اليوم الثلاثاء ليمارسوا حياتهم الطبيعية بعيدا عن صخب انتخابات البلديات، فمن اضطر للالتزام بالعطلة الرسمية لزم منزله، ومن ليس لمصدر رزقه ومسيرته التعليمية علاقة بالجهات الرسمية الإسرائيلية توجه إلى مكان عمله، وبدت الأسواق وحركة المارة اعتيادية.
الشيء الوحيد الذي اختلف في المشهد العام بالبلدة القديمة وحولها هو تواجد عناصر شرطة الاحتلال وجيشه أمام مراكز الاقتراع شرقي القدس لتوفير أجواء هادئة للمقترعين الذين عزفوا عن المشاركة في هذا المعترك الانتخابي لأنها -باعتقادهم- تعني الاعتراف بسلطة الاحتلال على القدس.
ونظمت الجزيرة نت جولة في بعض أحياء القدس الشرقية لاستطلاع آراء المواطنين حول انتخابات بلدية الاحتلال. وفي طريق الآلام في البلدة القديمة التقينا بالمسن المقدسي أبو إبراهيم الذي لم يتردد في القول إنه لجأ في إحدى السنوات إلى الإدلاء بصوته في صناديق الاقتراع ضمن انتخابات البلدية لأمله في أن يعود ذلك بالنفع على المقدسيين وتحسين الخدمات المقدمة لهم.
“ندمت على مشاركتي واقتنعت بضرورة عدم تكرارها، وفي انتخابات لاحقة جاءت المخابرات واعتقلتني لاستجوابي بسبب امتناعي عن المشاركة، فأجبت: هذه انتخابات احتلالية ليس للمقدسيين أي صلة بها، وما تقوم به البلدية من تهويد للمدينة يكفي لمقاطعة انتخاباتها مدى الحياة”، يضيف المقدسي المسن.
مقاطعة جماعية
وأثناء سيرنا في الشوارع المحيطة بالبلدة القديمة، التقينا بمقدسيين يثنون على خلو مراكز الاقتراع من المنتخبين، بينهم الناشط المقدسي فادي مطور الذي قال إن قرار مقاطعة الانتخابات قرار وطني ديني جماعي، لأن البلدية “إحدى أذرع الاحتلال التي تهدم منازلنا وتصادر أراضينا وتسهل البناء للمستوطنين”.
وأضاف أن “البلدية هي من ساهمت في نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المحتلة”، وتابع أن “المعركة مع الاحتلال لا تتعلق بخدمات تقدمها البلدية، وعلى المقدسيين التصويت من أجل تحسين حصولهم عليها، بل هي قضية وطن واستقلال وتحرر”.
واعتبر مطور أن المصوتين المقدسيين الذين لا تتعدى نسبتهم 1% هم فئة غُرر بها بالحديث معها عن جانب الخدمات وتخويفها من أن عدم إقبالها على التصويت قد يضر بها، موجها الدعوة إلى هؤلاء بضرورة الانسجام مع النسيج الوطني الجماعي المقدسي والتصدي لكافة أشكال تهويد المدينة.
عنان نجيب مقدسي آخر يرفض الانتخابات ويعتبر المشاركة فيها خيانة عظمى واعترافا بسلطة الاحتلال على القدس، وعبّر عن غضبه من خوض المقدسي رمضان دبش الانتخابات كرئيس قائمة مرشحة لعضوية المجلس البلدي، موجها همسة عتب إلى أهالي صور باهر -البلدة التي ينحدر منها دبش- على توجه عدد منهم صباح اليوم إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لصالح ابن البلدة الذي صرح أكثر من مرة بانتمائه إلى حزب الليكود اليميني المتطرف.
نبذ المرشحين والمقترعين
قائمة “القدس بلدي” التي يرأسها دبش واحدة من 17 قائمة مرشحة لعضوية المجلس البلدي في بلدية الاحتلال بالقدس، إحداها تعود لحزب “ميرتس” اليساري الإسرائيلي، والأخرى لحزب الليكود وأحزاب متدينة متطرفة أخرى.
أما المرشحون الأبرز لرئاسة بلدية الاحتلال خلفا لرئيسها الحالي نير بركات فهم:
موشيه ليئون، المسؤول عن ملف إدارة المراكز الجماهيرية في بلدية القدس ورئيس إدارة سكة حديد إسرائيل وعضو مركز الليكود سابقا، وتشير استطلاعات الرأي إلى حظه القوي في الانتخابات، فقد حصل حسب آخر استطلاع على 38% من الأصوات.
يوسي ديتش، مسؤول ملف التربية والتعليم في بلدية القدس، وهو يهودي متطرف يمثل تحالف حزبي “ديغل هتوراه” و”شاس” المتزمتين، وحصل في آخر استطلاع للرأي على 41% من الأصوات.
زئيف إلكين، وزير البيئة ومسؤول ملف القدس وعضو المجلس الوزاري السياسي الأمني، وهو مرشح لرئاسة البلدية عن حزب الليكود، ومنحته الاستطلاعات 16%.
عوفر بركوفيتش، نائب رئيس البلدية ومسؤول ملف التربية والتعليم والتطوير الاقتصادي، وحسب الاستطلاعات حصل على 11% من الأصوات، ويمكن أن ينسحب وينضم إلى المرشح موشيه ليئون ضد المتطرفين.
ولا يولي المقدسيون اهتماما لأي من المرشحين لرئاسة البلدية، ولا ينتظرون منهم أي قرار لصالحهم، لكنهم يصبون جام غضبهم على تجرؤ رمضان دبش الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية على ترشيح نفسه في مؤسسة تسعى بكل دوائرها لتضييق عيش أهالي المدينة ودفعهم للهجرة منها طوعا.
وخلال الفترة الماضية، تم توزيع مئتي ألف منشور ودعاية انتخابية في الأحياء المقدسية لصالح دبش بإشراف شركة ترويج إسرائيلية.
ورغم خلو مراكز الاقتراع شرقي القدس من المصوتين اليوم، فإن مركزي الاقتراع في صور باهر شهدا نشاطا في الصباح، وسط تواجد لمؤيدي دبش الذين حثوا أهالي البلدة على التوجه إلى صناديق الاقتراع والانتخاب لصالح ابن البلدة.
ويبلغ عدد الناخبين في القدس من العرب واليهود 638.065 ناخبا، وبسبب تضارب المعلومات من المصادر المختلفة فإن عدد الناخبين المقدسيين يتراوح بين 180 و220 ألفا.
ويحق لسكان القدس الشرقية من الفلسطينيين الذين لم يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية التصويت في الانتخابات المحلية، لكن 99% منهم يختارون مقاطعة العملية الانتخابية. ويدعم هذا الرفض الجماعي حملات أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للمقاطعة باسم القوى الوطنية والإسلامية في القدس.
راسم عبيدات: البلدية إحدى أذرع أجهزة الاحتلال (الجزيرة)
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات -الذي تجول بين مراكز الاقتراع صباح اليوم- إن المقدسيين يدفعون ما نسبته 28% من الضرائب المفروضة على مجمل السكان، ويتلقون في المقابل 6% من الخدمات فقط، بينما تذهب الحصة الكبرى لتسمين المستوطنات وتحسين البنية التحتية والخدمات في القدس الغربية.
وأوضح عبيدات في حديثه مع الجزيرة نت “لا ننظر إلى الانتخابات على أنها قضية مطلبية اقتصادية اجتماعية، بل على أنها مسألة سياسية بامتياز”.
وأضاف أنه من الضروري أن يعي المواطنون أن القضايا الإستراتيجية كالاستيطان والتعليم والأمن وملكية الأراضي ليست من صلاحيات رئيس بلدية الاحتلال ولا أعضاء مجلسها البلدي، بل هي قرارات تصدر عن أعلى جهاز أمني في دولة الاحتلال بالإضافة إلى الحكومة الإسرائيلية، والبلدية هي إحدى أذرع هذه الأجهزة التي تُملي عليها ما يجب فعله أو تجنبه.
المصدر : الجزيرة