أنقرة – صعّدت تركيا، في الفترة الأخيرة، من حملتها ضد القوات الكردية في سوريا، وانتقلت من مرحلة التهديد اللفظي إلى القصف المباشر، ضمن عملية عسكرية استهدفت قصف مواقع وحدات حماية الشعب على الشاطئ الشرقي للفرات يوم الأحد الماضي، بعد يومين فقط من توجيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “تحذيره النهائي” إلى المقاتلين الأكراد السوريين للتراجع، واتهم الولايات المتحدة بأنها تهدد الحدود التركية بدعمها للأكراد.
وقال أردوغان إن تركيا ستركز انتباهها على شرق الفرات بدلا من منطقة منبج إلى الغرب مباشرة من النهر حيث اتفقت القوات الأميركية والتركية في يونيو على تنظيم دوريات مشتركة، مهددا بأن أن بلاده “أكملت خططها واستعداداتها لتدمير الإرهابيين في شرق نهر الفرات بسوريا، وأن أنقرة ستطلق قريبا عمليات أوسع نطاقا وأكثر فعالية في تلك المنطقة”.
وانتقد القيادي الكردي السوري صالح مسلم تهديدات الرئيس التركي مشيرا إلى أن شن هجوم واسع النطاق على المسلحين الأكراد في شرق الفرات يصب في اتجاه دعم مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية وإرباك قوات سوريا الديمقراطية.
ويقلل المراقبون من أهمية أية اتفاقات عقدت مؤخرا بين تركيا وواشنطن، مشيرين إلى أن الاندفاعة التركية ستضع أنقرة في مسار تصادمي مع الولايات المتحدة التي تدعم المجموعة الكردية كحليف رئيسي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية وتقويض نفوذ إيران.
أنقرة تدعم داعش
رغم أنه لم يقلل من شأن التهديدات، فقد اعتبر مسلم أن الأوضاع الدولية ليست في صالح أردوغان لينفذ تهديداته. وقال مسلم، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، أعدتها جاكلين زاهر، إن “تصريحات أردوغان ليست جديدة. وعلى أي حال، نحن جاهزون، لكننا نرى أن الأوضاع الدولية ليست في صالحه، فضلا عن وجود التحالف الدولي في المناطق التي ستعتدي عليها تركيا”.
واستهدف قصف يوم الاحد منطقة زور مغار إلى الغرب من منطقة عين العرب (كوباني) في شمال سوريا، إضافة إلى ملاجئ تابعة لقوات حماية الشعب الكردية شرق الفرات في كوباني.
صالح مسلم يرى أن التصعيد التركي يصب في صالح الإرهاب وتنظيم داعش، الذي يتهم الأكراد بدعمه
ونفى مسلم، الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، تلقي الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي يشكّل المسلحون الأكراد أبرز مكون فيها، لأي رسائل طمأنة من أي طرف، وتحديدا من الجانب الأميركي، فيما يتعلق بالتصدي للتهديدات التركية.
وتابع أن “الجميع يرصدون أنه كلما زادت التعقيدات ضدنا بمناطق دير الزور أو غيرها يطلق أردوغان تهديدات أو يقوم فعليا بهجوم كما حدث مؤخرا في عين العرب (كوباني). نعم هناك مسافة جغرافية بين المنطقتين، إلا أن الهجمات التركية على مواقع وقرى مدنية بعين العرب وحشد القوات على الحدود أعطيا لداعش دعما معنويا كبيرا في معركته ضد قواتنا في دير الزور. والهدف الأساسي هو إرباك قوات سوريا الديمقراطية وتشتيت دفاعاتها على أكثر من جبهة مقاومة ودفاع”. واستطرد قائلا إن “الجميع يعلمون من البداية أن أردوغان ينسق مع داعش وغيره من الجماعات الإرهابية في سوريا، وهو ما ظهر بشكل لافت في إدلب”.
وكانت قوات سوريا، المدعومة بقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أطلقت في سبتمبر الماضي عملية تهدف إلى السيطرة على آخر جيوب تنظيم داعش شمال شرقي نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي، إلا أن تنظيم داعش استعاد خلال الأيام الماضية أغلب المواقع التي كان خسرها خلال الشهر الماضي على وقع هجمات عنيفة شنها على عناصر ومواقع قوات سوريا الديمقراطية.
شكل الدعم الأميركي للأكراد حجر الزاوية في كل ما حققوه من تقدم، كما أنه أحد أبرز التوترات الحاصلة في العلاقة الأميركية التركية. وترى آيلا جان ياكلي، المحللة في موقع المونيترو، أن دور تركيا النشط في سوريا جزء من إستراتيجية أردوغان الأوسع نطاقاً لإعادة تأكيد النفوذ التركي في المنطقة. ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحا في الدور الذي يلعبه الرئيس التركي في قضية الصحافي جمال خاشقجي.
العلاقة الأميركية الكردية
عما إذا كان موقف الأكراد سيتغير تجاه الولايات المتحدة إذا اتخذت الأخيرة موقف المتفرج حيال إقدام أردوغان فعليا على تنفيذ تهديداته، اكتفى مسلم بالقول “لكل حادث حديث”. واستبعد أن يكون الإفراج عن القس الأميركي أندرو برانسون أو حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي قد ساهما في التخفيف من توتر العلاقات التركية الأميركية، قائلا إن “المشاكل بين الجانبين أعمق بكثير من ذلك. فهناك مشاكل أخرى عالقة بينهما، منها ما يتردد عن خرق الأتراك للعقوبات المفروضة على إيران وتحديدا فيما يتعلق بتجارة الذهب. وتلك القضية تورطت فيها شخصيات على علاقة بأردوغان وصهره، وبالتالي فإن قضيتي القس أو الصحافي لم تنجحا كما يتصور البعض في إنهاء التوتر بينهما”.
أما فيما يتعلق بالتطورات على الأرض في محافظة دير الزور، فتوقع مسلم نجاح قوات سوريا الديمقراطية بالتنسيق مع التحالف الدولي في شن هجوم معاكس قوي تتم خلاله استعادة كافة المواقع والمناطق التي استطاع داعش استعادتها من قبضة قوات سوريا الديمقراطية قبل أيام.
صالح مسلم: الجميع يعلم من البداية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينسق مع الجماعات الإرهابية في سوريا وهو ما ظهر بشكل لافت في إدلب
صالح مسلم: الجميع يعلم من البداية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينسق مع الجماعات الإرهابية في سوريا وهو ما ظهر بشكل لافت في إدلب
وقال “المعركة كر وفر. وهي ليست سهلة، وقد قلنا هذا من البداية، وقلنا إن الإرهابيين الموجودين في المنطقة سيستميتون في الدفاع عنها لأنه لا يوجد أمامهم ملجأ آخر. وبينما نلتزم في معاركنا بمراعاة الضوابط الأخلاقية كوجود مدنيين أبرياء، فإن عناصر داعش لا يترددون في استغلال الأطفال والنساء وتفخيخهم”.
وفي هذا الشأن، دافع المسؤول الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي عن القوات في وجه ما يثار ضدها من أنها أساءت تقدير حجم وقوة داعش في المنطقة.
وقال في تصريحات للوكالة الألمانية “لقد قلنا منذ بيان الحادي عشر من سبتمبر، لإعلان انطلاق عملياتنا لتطهير منطقتي شرق الفرات والجزيرة السورية من قبضة التنظيم الإرهابي، إن المعركة ستكون صعبة ومليئة بالتحديات لكونها آخر معقل لهؤلاء الإرهابيين، فضلا عن أنهم يمثلون “نخبة” عناصر التنظيم من حيث المهارات القتالية، إضافة إلى طبيعة المنطقة والظروف المناخية”.
وأجبر الهجوم الأخير لتنظيم داعش قوات سوريا الديمقراطية على الاستعانة بالمزيد من قوات وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة الكردية، ويشير مصطفى بالي إلى أنه “بعد استغلال داعش للعاصفة الترابية وتمكنه من استعادة بعض المواقع، ارتأت القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية الدفع بقوات أكثر احترافية تمتلك خبرة القتال ضد التنظيم”.
وحول ما إذا كان الجانب الأميركي قد أمد قوات سوريا الديمقراطية مؤخرا بشحنات سلاح جديدة، قال “قواتنا شريك للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة. وبالتالي، هذا يستدعي تأمين كافة مستلزمات المعركة بشكل مستمر بما في ذلك شحنات السلاح وغيرها”.
وقال آرون ستاين، زميل في المجلس الأطلسي، لموقع المونيتور “تستخدم الحكومة التركية جيشها لتحقيق تأثير دبلوماسي كبير مع الولايات المتحدة. وما تحاول أنقرة فعله هو الإشارة إلى استيائها المستمر من الوضع الراهن في سوريا وإجبار الولايات المتحدة على تقديم تنازلات. كان هذا هو النموذج الذي أدى إلى خارطة طريق منبج. تود أنقرة أن ترى هذا النموذج يتكرر إلى الشرق من النهر، بحيث أنها ستحصل في الأساس على شريط من الأراضي الخاضعة للسيطرة على طول الحدود لدفع قوات حماية الشعب إلى عمق أبعد الحدود داخل سوريا وخارجها”. لكن إذا توغلت القوات التركية شرقا إلى سوريا، فقد تواجه القوات الأميركية.
العرب