لندن – أخذت السعودية زمام المبادرة في حرب إعلامية محتدمة مع إيران عبر إنشاء ودعم وسائل إعلام تتحدث باللغة الفارسية، لا تقتصر فقط على تقديم دعم معنوي وسياسي لجماعات معارضة لنظام الولي الفقيه، لكن أيضا توجه خطابا للشعب الإيراني بمفردات واضحة.
وتترجم هذه السياسة سياسة خارجية هجومية وتصعيدا تجاه إيران، عبر عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في وقت سابق قائلا “إن السعودية تستعد لنقل المعركة إلى الداخل الإيراني”.
ومن بين وسائل الإعلام التي تمكنت من صنع تأثير كبير في فترة زمنية قصيرة شبكة إيران إنترناشيونال، التي تبث من لندن، وتقول تقارير إنها تتلقى دعما مباشرا من السعودية.
وتبث إيران إنترناشيونال برامجها ونشراتها باللغة الفارسية، وينشر موقعها الإلكتروني أخباره باللغات الفارسية والإنكليزية والعربية. واعتمدت السعودية على صحافي يحمل تجربة كبيرة في الإعلام السعودي، هو عبدالرحمن الراشد، الذي شغل في السابق رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط ومدير قناة العربية.
وقالت صحيفة الغارديان إن عبدالرحمن الراشد مرتبط بشركة “فولانت ميديا” التي تدير القناة، ويرأسها الإعلامي السعودي عادل عبدالكريم. وتقول مصادر إن عبدالكريم صديق مقرب من عبدالرحمن الراشد.
وقالت الصحيفة، وفقا لوثائق اطلعت عليها، إن الشركة تلقت 250 مليون دولار على مدار خمس سنوات (50 مليونا كل عام) من السعودية، من خلال المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، الذي تمت إقالته مؤخرا على خلفية تورطه في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
ويعكس النهج السعودي الجديد تبني المملكة لأول مرة سياسة متماسكة تجاه إيران من خلال منافسة وسائل إعلام أخرى تمكنت من بناء نفوذ كبير خلال السنوات الماضية، وتتلقى دعما مباشرا من إيران، كقناة العالم وبرس.تي.في. وغيرهما.
ولم يتسن لـ”العرب” الحصول على رد رسمي من إدارة القناة، ولم يجب بوب بينون المدير العام للقناة على أسئلة وجهتها الصحيفة له في رسالة عبر البريد الإلكتروني.
لكن بينون قال للغارديان إن “إيران إنترناشيونال تنشر أخبارا لكل الإيرانيين في الداخل والخارج عبر تبني مساحة تنوع كبيرة لمختلف الآراء”. ونفى بينون تدخل أي من المستثمرين في القناة في سياستها التحريرية.
وأضاف “نحن نعمل بشكل شفاف وغير متحيز لأحد كما هو واضح من الإنتاج الصحافي للقناة. والتسلسل الهرمي للإدارة مماثل لكل القنوات والمؤسسات الإعلامية الأخرى، حيث تتخذ القرارات من خلال مدراء التحرير، الذين يقعون تحت إدارتي المباشرة”.
وتحاول السعودية استغلال إحباط عام يجتاح الشارع الإيراني من الرقابة الخانقة التي تفرضها أجهزة الأمن الإيرانية على المحتوى المسموح بتناوله في وسائل الإعلام الإيرانية في الداخل. ويلتف الإيرانيون عادة على تضييق الدولة عبر استخدام أطباق هوائية تثبت بطرق غير شرعية أعلى أسطح المنازل.
وقال إسكندر صادق بورجوردي، الباحث في تاريخ إيران في جامعة أوكسفورد، “بينما لا يوجد شك في أن الدولة في إيران تتحمل هذه المسؤولية نتيجة سياساتها التي أفقدت الإيرانيين الثقة في إعلام الدولة، يبدو أن إيران إنترناشيونال هي جزء من قرار الأمير محمد بن سلمان بتبني موقف أكثر عدائية تجاه إيران، وبتشجيع من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.
وظهرت إيران إنترناشيونال في شهر مايو العام الماضي. ويعمل في القناة حوالي 100 شخص يحصلون على رواتب مجزية. ويقع مقر القناة بالقرب من منطقة تشيزيك في غرب لندن.
وتعمل القناة على إنتاج مسلسل وثائقي موسع عن الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 تستضيف فيه ضباطا كبارا من الجيش العراقي السابق ومسؤولين من ضمن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فضلا عن شخصيات إيرانية على درجة من الأهمية، في إعادة قراءة لطبيعة الحرب والدور الإيراني في اندلاعها.
وتشكل إيران إنترناشيونال، مع وسائل إعلام أخرى تبث من لندن كبي.بي.سي.فارسي ومانوتو.تي.في، صداعا مزمنا للنظام الإيراني، الذي يحاول منع محتوى هذه القنوات من الوصول إلى الإيرانيين، لكنه على ما يبدو غير قادر على فعل ذلك إلى الآن.
العرب