بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في دفاعه عن “بلاد الحرمين” -تعقيبا على مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي- كمن انتظر طويلا من يقوم بمهمة الذبّ عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تُصوّب إليه الاتهامات من كل جانب، دون أن يجد، فقرر أن يُلقي بثقله من خلفه.
وبعد شهر من مقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وفي وقت غاب فيه النصير فضلا عن الحليف؛ لم يجد نتنياهو بُدا من أن يُندد بالجريمة، مع التشديد على أن تبقى السعودية مستقرة.
وقال نتنياهو إن مقتل خاشقجي “أمر مروع”، مستدركا “لكن في الوقت نفسه أقول إن من المهم جدا لاستقرار العالم، المنطقة والعالم، أن تظل السعودية مستقرة”.
حديث نتنياهو -الذي أكد أن علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب تتحسن بشكل دراماتيكي- استكمله وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، قائلا إن “الخطر النابع من وجود إيران مسلحة نوويا يفوق في أهميته مقتل خاشقجي، وإن دولا عربية -منها السعودية- حلفاؤنا في السنوات الأخيرة أمام التوسع الإيراني وأمام الخطر النووي الإيراني”.
وتزامن ذلك مع ما نشرته صحيفة واشنطن بوست من أن نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تواصلا مع الإدارة الأميركية للدفاع عن محمد بن سلمان بعدما تفجرت قضية مقتل خاشقجي.
ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها إن السيسي ونتنياهو قاما في الأيام الأخيرة بإجراء اتصالات بمسؤولين رفيعين في إدارة الرئيس دونالد ترامب، للإعراب عن دعمهما لولي العهد السعودي الذي وصفه نتنياهو بأنه “حليف إستراتيجي”.
وعلى الجانب السعودي، فُتحت قصور الرياض -التي غاب عنها كبار الحلفاء ورفاق المحاور- لوفد من رموز المسيحية الإنجيلية الأميركية، الداعمين المعروفين للرئيس دونالد ترامب، قادمين لتوّهم من أبو ظبي حيث ولي عهدها محمد بن زايد الصامت الأكبر.
وكان على رأس الوفد الكاتب والناشط الإنجيلي جويل روزنبرغ، وهو مدافع شهير عن إسرائيل، وفق تعبير صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.
وضم الوفد أيضا مايك إيفانز، مؤسس جماعة “جيروزالم براير تيم” أو “فريق الصلاة في القدس”، والذي يُعرّف نفسه بأنه زعيم صهيوني أميركي ورع.
ويعيدنا دفاع نتنياهو عن استقرار بلاد الحرمين إلى ما ذكرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية على لسان الكاتبة تسفيا غرينفيلد قبل أيام، من أن “محمد بن سلمان هو الزعيم الذي كانت تنتظره إسرائيل منذ خمسين عاما، وعزله يعتبر مدمرا بالنسبة لإسرائيل”.
وتقول الكاتبة إن الإسرائيليين ظلوا لخمسة عقود يصلّون ويرجون من أجل حضور زعيم عربي رئيسي يوافق على توقيع اتفاق مهم مع إسرائيل، مؤكدة أن هذا القائد قد وصل أخيرا ممثلا بمحمد بن سلمان.
ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي أن استنفار نتنياهو العلني لمحاولة إنقاذ بن سلمان عبر دعوته إلى ضرورة الحفاظ على استقرار نظام الحكم في الرياض، هو المستوى الثالث من مستويات التدخل الإسرائيلي الطامح إلى تحقيق هذا الهدف.
ففي البداية، عمدت تل أبيب إلى محاولة احتواء اهتمام النخبة السياسية الأميركية بقضية خاشقجي من خلال الطلب من منظمات اللوبي اليهودي العاملة في الولايات المتحدة الضغط على أعضاء الكونغرس، لمراعاة المصالح الإستراتيجية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل المرتبطة باستقرار نظام الحكم في الرياض.
لكن عندما لم يفلح هذا التحرك، عمدت القيادة الإسرائيلية إلى الدبلوماسية الصامتة عبر تدخل نتنياهو المباشر لدى إدارة ترامب، بهدف إقناعها بعدم التصعيد ضد بن سلمان.
تحول خطير
ويشير النعامي إلى أن مجابهة القضية الفلسطينية مجال للشراكة بين البلدين، وذلك في أمرين: الأول، عبر تقليص تطلعات الفلسطينيين كما يوحي بذلك دفاع ولي العهد السعودي عن “حق إسرائيل في أن تكون لها دولة يهودية”، والتقليل من الدور السياسي للسلطة الفلسطينية.
والثاني هو “شيطنة” المقاومة الفلسطينية بقول بن سلمان إن حركة حماس تمثل تهديدا للأمن القومي السعودي، رغم عدم مهاجمة حماس قط للرياض.
ومنذ صعوده مع تنصيب والده ملكا مطلع عام 2015، والأمير محمد بن سلمان يحاول جاهدا تسريع وتيرة ذلك الصعود نحو العرش عن طريق كسب الرضا الأميركي بصفقات بلغت مئات المليارات من الدولارات من جهة، ومحاولة التقارب مع إسرائيل عبر الاعتراف بيهوديتها وتجريم المقاومة الفلسطينية، فيما يعتبره محللون انقلابا على أدبيات الدولة السعودية.
والأخطر من كل ذلك، لقاء بن سلمان خلال زيارته إلى الولايات المتحدة أواخر أبريل/نيسان الماضي بعدد من مسؤولي اللوبي اليهودي الأميركي، وحديثه آنذاك عن أن الإسرائيليين لهم الحق في العيش بسلام على أرضهم، مضيفا أن “على الفلسطينيين أن يفاوضوا أو يصمتوا ويكفوا عن التذمّر”، مؤكدا أن القضية الفلسطينية لا تقف على رأس أولويات الحكومة أو الرأي العام السعودي.
حديث بن سلمان أصاب الإسرائيليين أنفسهم بالصدمة، وهو ما أكد عليه معلق الشؤون السياسية في القناة العاشرة الإسرائيلية باراك رابيد، من أن هذه الدولة “ليست أي دولة عربية.. إنها السعودية”، في إشارة واضحة الدلالة على حجم التحول الجذري في المواقف السعودية تماهيا مع الرؤية الإسرائيلية.
وفي زمن التراجع العربي وانتصار الثورات المضادة، صار رئيس الوزراء الإسرائيلي هو من يدافع عن “بلاد الحرمين الشريفين” وخادمهما المرتقب.
المصدر : الجزيرة