حقق الديمقراطيون انتصارا في الانتخابات التشريعية الأميركية بمنتصف الولاية الرئاسية بانتزاعهم السيطرة على مجلس النواب، لقاء تراجع أقليتهم في مجلس الشيوخ، مما أفرز مشهدا سياسيا متباينا اغتنمه الرئيس دونالد ترامب لينادي بـ”النجاح”، ضمن مفارقة لا يتوقع أن تحقق الكثير من الاختراق على صعيد السياسة الخارجية لترامب، فيما ستدعم الانقسام الأميركي.
واشنطن – لا شك أن انتزاع الديمقراطيين مجلس النواب، في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، سيشكل عائقا بوجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال النصف الثاني من ولايته الرئاسية، غير أن الملياردير النيويوركي لم يظهر أي قدر ولو ضئيل من التواضع عند إعلان النتائج، بل بقي وفيا لسلوكه واصفا الانتخابات بأنها “نجاح هائل”.
ويتعين على ترامب، أن يكافح أزمة محتملة في الكونغرس في أعقاب انتخابات التجديد النصفي، حيث فقد حزبه الجمهوري السيطرة على مجلس النواب. وخفف من هذه الخسارة الهزيمة الساحقة التي تعرض لها الديمقراطيون المنتمون ليسار الوسط، في عدة سباقات في مجلس الشيوخ مما أضعف “الموجة الزرقاء” التي كان يتطلع إليها أنصار الحزب، حيث نجح الجمهوريون في الحصول على مقاعد في مجلس الشيوخ
وانقسمت القراءات بشأن مستقبل سياسات ترامب، خصوصا سياسته الخارجية، بين من يرى أن خسارة الجمهوريين قد تؤدي إلى تغيير السياسة الخارجية المتشددة في البلاد خاصة تجاه إيران، كما ستدفع باتجاه مواقف متشددة من علاقات الولايات المتحدة مع دول مثل روسيا وكوريا الشمالية.
وفي المقابل، يقلّل مراقبون آخرون من تأثير فوز الديمقراطيين في الكونغرس، مشيرين إلى أن الرئيس الأميركي سيمضي قدما في نهجه المتبع رغم نكسة الجمهوريين، وسيراهن في ذلك على الطاقة التي اكتسبها خلال مشاركته في الحملات الانتخابية لبعض النواب الجمهوريين، كما الخلافات داخل الحزب الديمقراطي، وضعف حملتهم الانتخابية، فرغم فوزهم، لم يقدم الديمقراطيون خطابا قويا أو مؤشرات تؤكد أنهم فعلا سيكونون قادرين على “وقف” ترامب عند حده، بل إنهم يفتحون له الطريق نحو انتخابات 2020 الرئاسية.
الديمقراطيون يتجهون نحو كسب 27 مقعدا إضافيا في مجلس النواب بعدما كانوا بحاجة إلى 23 مقعدا للسيطرة على المجلس، فيما يوسع الجمهوريون غالبيتهم الضئيلة في مجلس الشيوخ بكسب ثلاثة أو أربعة مقاعد من الديمقراطيين
وفي وقت بات كل اهتمام ترامب منصبا على تاريخ واحد، وهو الثالث من نوفمبر 2020 حين يتقدم لولاية ثانية، تأتي هذه الانتخابات، لتمنحه جرعة دعم إضافية تدفعه إلى المضي أبعد في نهجه وإعادة ترتيب فريقه وإسكات الأصوات النادرة المعارضة لمواقفه وسياساته.
لكن، إسكات هذه الأصوات لن يكون بسهولة النصف الأول من ولايته الأولى، حيث يقول المحلل في مجلة “فروين بوليسي” ماكيل هيرش، إن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب ستؤدي حتما إلى المرور بعامين قاسيين على ترامب وكذلك المرور بتحد قاس لمرحلة حملات الانتخابات الرئاسية في عام 2020، والتي كانت انتخابات التجديد النصفي بمثابة “بروفة” لها.
سيطرة الديمقراطيين
تأتي انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بعد مرور عامين على تولي دونالد ترامب السلطة، وهي نقطة الوسط في ولاية الرئيس الأميركي التي تستمر أربعة أعوام. ويسيطر الجمهوريون حاليا على مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهما المجلسان اللذان يشكلان الكونغرس الأميركي.
ويتجه الديمقراطيون نحو كسب 27 مقعدا إضافيا في مجلس النواب بعدما كانوا بحاجة إلى 23 مقعدا للسيطرة على المجلس، فيما يوسّع الجمهوريون غالبيتهم الضئيلة في مجلس الشيوخ بكسب ثلاثة أو أربعة مقاعد من الديمقراطيين.
وبذلك يكون الأميركيون انتخبوا كونغرس منقسما، ما يهدد ببلبلة النصف المتبقي من ولاية ترامب في البيت الأبيض، وستكون فيه السياسة الخارجية لترامب من أسخن الملفات، حيث من المتوقع أن تشهد جلسات الاستماع المطولة حول إيران واليمن والعديد من القضايا الرئيسية الأخرى، جدالا صاخبا.
ويقول هيرش إن الديمقراطيين المنتخبين في مجلس النواب يتعهدون بفتح تحقيق بشأن سياسة ترامب الخارجية.
ومن المقرر أن يتولى العديد من الأعضاء الديمقراطيين البارزين في الكونغرس لجان مراقبة قوية في مجلس النواب، من بينهم النائب آدم سميث، العضو البارز في لجنة الخدمات المسلحة والنائب إليوت إنغل، العضو الأول في لجنة الشؤون الخارجية والنائب آدم شيف، الذي سيتولى السيطرة على لجنة الاستخبارات، ومن المتوقع أن يكمل بقوة التحقيقات التي أجراها مويلر والمقاطعة الجنوبية في نيويورك.
ووعد النائب جيرولد نادلر، الذي من المتوقع أن يتولى رئاسة اللجنة القضائية، بإجراء تحقيق في ما إذا كان ترامب قد انتهك أحكام مكافحة الفساد في الدستور بسبب الأنشطة والأعمال التي تقوم بها عائلته، وإذا ما قام بعرقلة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل.
ومن المرجّح أن يقوم مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين بإطلاق جلسات استماع بسرعة للتحقيق بشأن المساعدات الأميركية للسعودية في حرب اليمن وغيرها من الحروب.
وفي أواخر أكتوبر، أرسل سميث وإنغل رسالة إلى ترامب يحذّرانه من الخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية متوسطة المدى ومعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية، قائلين إن هذا الأمر “من شأنه أن يقسّم حلفاءنا ويلعب بشكل مباشر لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
وسيكون بإمكان المعارضة فتح تحقيقات برلمانية على كل المستويات، ولا سيما في ما يتعلق بشبهات التواطؤ بين فريق حملة ترامب وموسكو في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وكرؤساء للجان، ستكون لديهم السلطة لعقد جلسات استماع متكررة وإجبار إدارة ترامب على شرح خططها بطرق لم يفعلها مجلس الجمهوريين من قبل.
ترحيب أوروبي
قال فواز جرجس، وهو باحث في كلية لندن للاقتصاد، إنه “يأمل كل من حلفاء وخصوم الولايات المتحدة أن يصبح الديمقراطيون قادرين على كبح جماح تهوّر ترامب. هذه الأخبار الجيدة سيكون مرحبا بها في معظم العواصم الأوروبية”، خصوصا.
وتجلّى ذلك واضحا، مباشرة بعد إعلان النتائج، حيث رحب فرانس تيمرمانس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية بانتصارات الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي الأميركية في تصريحات شكلت انتقادا مباشرا لما وصفه بأنه “فظاظة” و”عنصرية” تحت إدارة الرئيس ترامب.
وغرّد تيمرمانس، وهو وزير خارجية سابق في هولندا والنائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية التي يقودها جان كلود يونكر، على تويتر قائلا “ألهمني الناخبون في الولايات المتحدة الذين اختاروا الأمل بديلا عن الخوف والكياسة بديلا عن الفظاظة والدمج بدل العنصرية والمساواة بدل التمييز”.
وكتب مفوض اشتراكي زميل له، هو وزير المالية الفرنسي السابق بيير موسكوفيسي، الذي يشرف على الشؤون الاقتصادية أيضا على تويتر، أن الانتخابات كانت “نجاحا هائلا”، وهي العبارة التي استعملها ترامب في تعليقه على النتائج”.
ضوابط ومحاسبة
بعد عامين من ولاية رئاسية أثارت شرخا عميقا بين الأميركيين، تعهد الديمقراطيون باستخدام غالبيتهم في مجلس النواب اعتبارا من يناير 2019 ليكونوا بمثابة “سلطة مضادة”، لكنهم مدوا يدهم للطرف الآخر، إذ وعدت زعيمتهم في المجلس نانسي بيلوسي بالعمل على إيجاد “حلول تجمعنا، لأننا سئمنا جميعا الانقسامات”.
وسيعتمد مستقبل بيلوسي على نتيجة صراع محتدم على النفوذ داخل الحزب الديمقراطي. وشهدت الأشهر القليلة الماضية مشاكل داخلية، وتعود المعارضة الداخلية بشكل كبير إلى انعدام شعبية بيلوسي لدى الناخبين، حيث أنه بحسب استطلاع لتلفزيون “هيل” جرى في أغسطس الماضي، فإن نحو ثلاثة أرباع الناخبين يقولون إن على الديمقراطيين انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب.
وسيكون لهذا الجدل داخل الحزب الديمقراطي وقعه، بما يقلل من حماسة الاتحاد الأوروبي تجاه دول مثل إيران، وربما يؤثر نجاح الديمقراطيين في بعض المواقف والسياسات الأميركية، حيث تنقل مجلة فورين بوليسي عن دبلوماسيين أجانب أنه وعلى الرغم من نتيجة انتخابات الثلاثاء، فلا يتوقع أن يُحدث ذلك شيئا أكثر من مجرد شلل سياسي مستمر في الولايات المتحدة المنقسمة واستمرار انتشار قومية ترامب القاسية حول العالم.
ويعتقد مايكل هيرش أن يغيّر فوز الديمقراطيين بشكل كبير العديد من سياسات ترامب، ولا سيما بعد أن وافق العديد من الديمقراطيين البارزين بالولايات الواقعة في شمالي شرق الولايات المتحدة، أو في ما يعرف باسم “ولايات حزام الصدأ” والذين ساعدوا ترامب على الفوز في الانتخابات عام 2016، على التعريفات التجارية التي فرضها الرئيس.
العرب