يستطيع الحزب الديمقراطي أن يتحول إلى أغلبية بعشرين مقعدا في مجلس النواب بعد حصوله على عشرات المقاعد في المدن والضواحي، وحتى في المناطق الريفية الأميركية.
* * *
استعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب يوم الثلاثاء، منهين بذلك ثماني سنوات من السيطرة الجمهورية، ودافعين الرئيس دونالد ترامب إلى موقف محرج.
مع ظهور معظم النتائج، تبين أن مرشحي الديمقراطيين إما فازوا في السباقات أو أنهم كانوا في المقدمة في ما يكفي من المقاطعات والمناطق للفوز بالمقاعد الثلاثة والعشرين اللازمة للاستيلاء على المجلس، ثم التمتع بتفوق في المقاعد –ربما ينتهي إلى ما يصل إلى 20 مقعداً. والسؤال المطروح الآن هو كم سيكون حجم التفوق الديمقراطي عندما تصل النتائج النهائية من كافة السباقات. وتنسجم هذه النتيجة مع التنبؤات المبكرة، ولو أن العوائد المبكرة يوم الثلاثاء أشارت إلى أن حجم الانتصارات الديمقراطية ربما يكون أصغر من المتوقع، وأن الأمل الذي أعرب عنه بعض المعلقين بقدوم موجة زرقاء قد توفي. ومع ذلك، وعلى الرغم من الخسارات القاسية التي مني بها الديمقراطيون في مجلس الشيوخ وسباقات حكام الولايات، فقد تشكل مجلس النواب بنفس الطريقة التي كان الحزب قد أملها تقريباً.
سوف يعيد استيلاء الديمقراطيين على مجلس النواب تشكيل المشهد في واشنطن، ويوفر ثقلاً موازِناً حقيقياً للرئيس ترامب لأول مرة خلال رئاسته، وسوف يكسر السيطرة الجمهورية الموحدة على مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، والبيت الأبيض. وفي حين أنه سيكون من المستحيل على الديمقراطيين أن يتمكنوا من سن أي من أولوياتهم فعليا في قانون، فإن السيطرة على مجلس النواب تضعهم في موقف يمكنهم من ممارسة رقابة صارمة على إدارة ترامب، والتسبب بالمزيد من الصعوبات لرئاسة متصلبة وخالية من المرونة مسبقاً.
وقالت النائبة نانسي بيلوسي، المرشحة الأبرز لشغل منصب الرئيس التالي لمجلس النواب، للديمقراطيين في حفل في واشنطن: “سوف يكون غداً يوماً جديداً في أميركا. يتعلق اليوم بما هو أكثر من الديمقراطيين والجمهوريين. إنه يتعلق باستعادة سلطة الدستور وضوابطه على إدارة ترامب. إنه يتعلق بإيقاف هجمات الحزب الجمهوري وميتش ماكونيل على قانون الرعاية الطبية، وبرامج المعونة الطبية، وقانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، وصحة نحو 130 مليون أميركي”.
جاءت انتصارات الديمقراطيين يوم الثلاثاء في كل أنحاء البلاد؛ في المناطق الديمقراطية تقليدياً وفي مناطق كان ترامب قد فاز فيها في العام 2016. وتحققت الانتصارات في المدن والضواحي، وحتى في بعض المناطق الريفية. وجاءت في الولايات التقدمية تقليدياً، وإنما أيضا في مناطق أصبح فيها الديمقراطيون أنواعا نادرة غريبة في العصر الحديث، مثل كنساس وأوكلاهوما. كما أظهر الديمقراطيون أيضا قوتهم في مناطق الضواحي، موسعين هيمنتهم من المناطق الحضرية امتداداً إلى دوائر انتخابية معزولة كان الجمهوريون يحتفظون فيها بالسيطرة.
تظهر ثلاثة انتصارات حققها الديمقراطيون في فرجينيا عودة ظهور “أم الرؤساء” كولاية ديمقراطية صلبة. فبالإضافة إلى فوز تيم كاين السهل في سباق مجلس الشيوخ الأميركي، شهد أول مقعد تغير شاغله في ليلة الانتخابات جنيفر ويسكتون وهي تلحِق هزيمة كبيرة بباربرا كومستوك في الدائرة العاشرة في شمال فرجينيا. وكومستوك جندية جمهورية قديمة، وقد أنفق الحزب الجمهوري ملايين الدولارات في السباق، لكنه لم يتمكن من إنقاذ نائبته التي خدمت في المجلس دورتين. كما هزمت إيلاين لوريا أيضاً سكوت تيلور في الدائرة الحادية عشرة. لكن النتيجة الأكثر إدهاشاً جاءت في الدائرة السابعة، حيث ألحق عميل وكالة المخابرات المركزية السابق، أبيغيل سبانبيرغر، الهزيمة بديف برات في مقاطعة محافِظة بشدة. وكان برات، وهو جمهوري محافظ متشدد، قد دخل الكونغرس في العام 2014، بعد هزيمة زعيم الأغلبية الجمهورية، إيريك كانتور، في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. والآن أصبح المقعد في أيدي الديمقراطيين.
وشكلت بنسلفانيا بقعة مضيئة أخرى. وكان الديمقراطيون قد توقعوا كسب الولاية في العام 1916، غير أنها خيبت توقعاتهم وفضلت ترامب. لكن المحكمة العليا في الولاية أمرت في وقت سابق من هذا العام بإقرار دوائر جديدة لانتخابات مجلسي الكونغرس، وقالت أن الخرائط القديمة تعرض غشاً حزبياً غير دستوري. وكانت الخرائط الجديدة أكثر تفضيلاً بكثير للديمقراطيين، وهو ما بنوا عليه يوم الثلاثاء، ليحصدوا ثلاثة مقاعد جديدة في الولاية.
حصل الديمقراطيون على مقعدين في فلوريدا، بما فيهما مقعد الدائرة السابعة والعشرين، حيث نجت وزيرة الصحة والخدمات الإنسانية السابقة، دونا شلالا، من فزع متأخر من الخسارة. وفي شرق أيوا، تغلبت الديمقراطية الشابة المتمتعة بالشعبية، أبي فينكناور، على الجمهوري المخضرم رود بلوم. كما تم طرد المرشحَين الديمقراطيين، بيتر روسكام وراندي هولتغرين في إلينوي أيضاً. وفاز الديمقراطيون بمقعدين في منيسوتا، وبثلاثة مقاعد في نيوجيرسي، وبثلاثة في نيويورك، بما فيها منطقة ستاتين أيلاند، وهي معقل تقليدي للحزب الجمهوري في مدينة نيويورك عميقة الزرقة.
في بعض الحالات، كسب الديمقراطيون المقاعد حيث نادراً ما كان لهم الكثير من الحظ في الدورات الانتخابية الأخيرة. ففي دائرة كنساس الثالثة، تغلبت شاريس ديفيدز على كيفن يودر. وألحقت كيندرا هورن الهزيمة بستيف روسيل في الدائرة الخامسة في أوكلاهوما. وخسر الجمهوري المخضرم من تكساس، بيت سيسيونز، لصالح كولين ألدريد في دائرة دالاس-إيرا، واختطفت ليزي فليتشر مقعد جون كلبرستون في دائرة انتخابية ظل الجمهوريون يسيطرون عليها منذ أن فاز جورج بوش الأب بها في العام 1966. كما صنعت رشيدة طالب في ميتشيغان وإلهام عمر في مينيسوتا التاريخ كأول امرأتين مسلمتين يتم انتخابهما لمجلس النواب الأميركي.
في المجموع، أصبح الديمقراطيون في موقف يؤهلهم للحصول على ما بين 30 و35 مقعداً. وكان يمكن أن تكون النتيجة أكثر قتامة بالنسبة للجمهوريين. ومن المتوقع أن يفوز الديمقراطيون بالأصوات الشعبية في مجلس النواب بنحو 9 في المائة، لكن الولايات المفضلة للمرشحين الجمهوريين تعطيهم تفوقاً بنيوياً في مجلس النواب. وكان الديمقراطيون قد أملوا أيضاً في تحقيق اكتساح شامل في المناطق الانتخابية الجمهورية بشدة، لكنهم شهدوا “الموجة الزرقاء” وهي تغمر الدوائر مثل الدائرة السادسة في كنتاكي، حيث تمكن أندي بار من إيقاف متحديته، آمي ماكغارث. كما نجا العديد من الجمهوريين المثيرين للجدل أيضاً. وظهر دونكان هانتر من كاليفورنيا، وكريس كولينز من نيويورك، اللذين يواجهان كلاهما قرارات اتهام جُرمية، وهما يسيران على الطريق إلى الانتصار، مثلما كان حال ستيف كينغ من أيوا، الذي كانت تعليقاته وأعماله العنصرية قد دفعت اللجنة الجمهورية للكونغرس إلى سحب دعمها المالي له في وقت متأخر من الحملة.
مع ذلك، وفي ليلة من الخسائر الموجعة للديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وحقيبة مختلطة في سباقات حكام الولايات، جاء مرشحو مجلس النواب لنجدتهم.
تأتي خسائر الجمهوريين في هذه الانتخابات منسجمة مع كل من السوابق التاريخية ومع معظم التوقعات أيضاً. فبشكل نمطي، عادة ما يخسر حزب الرئيس المقاعد خلال انتخابات منتصف المدة –ولو أن ترامب كان قد تحدث بجرأة عن كسر هذا النمط- كما أظهر الناخبون الديمقراطيون قوة مفاجئة في الانتخابات الخاصة منذ العام 2016. وبحلول عشية يوم التصويت، توقع كل المحللين البارزين تفوقاً ديمقراطياً. لكن السؤال كان يدور فقط حول حجم هذا التفوق.
في حين أن لكل سباق ظروفه الخاصة، لا مجال لتفويت العامل الرئيسي في الانتصار الديمقراطي: دونالد ترامب. وكان الرئيس قد قال أنه يضع نفسه على قائمة الاقتراع، ويبدو أن الناخبين قد وافقوا، وفقاً لاستطلاعات الرأي. وفي حين أن الديمقراطيين كافحوا مع مسألة كيفية الحديث عنه في قطار الحملة وفي الإعلانات، فإن تأثيره مرئي بوضوح في النتائج. وقد تنافس الديمقراطيون في دوائر كان ترامب قد فاز فيها بسهولة بالغة في العام 2016، بما فيه “حزام الصدأ”، بل وحتى ولاية تكساس الزرقاء بعمق. وتظهر البيانات الأولية أن نسبة المشاركة كانت عالية بشكل استثنائي بين الأقليات والناخبين الشباب مقارنة بالانتخابات النصفية الأخيرة. وفي بعض الحالات، كانت شخصية ترامب وأسلوبه عاملاً. وفي حالات أخرى، برهنت سياساته، وخاصة محاولاته لتفكيك نظام الرعاية الصحية بأسعار معقولة، كونها قضية قوية وحاسمة بالنسبة للمرشحين الديمقراطيين. كما تمتع الديمقراطيون أيضاً بجمع أموال وتبرعات قوية بطريقة استثنائية في هذه الانتخابات.
خلال صيف العام 2018، توقع ترامب قدوم “موجة حمراء”، في تعارض مع التنبؤات بـ”موجة زرقاء”، ولو أنه تراجع عن ذلك التوقع مع اقتراب “يوم الانتخابات”، وقال لوكالة الأسوشييتد برس في تشرين الأول (أكتوبر) أنه لن يقبل بتلقي اللوم إذا ما خسر الجمهوريون مجلس النواب، وقال هذا الأسبوع أنه كان يركز على الاحتفاظ بتفوق الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، معترفاً باحتمالات خسارة مجلس النواب.
وعندما أصبحت النتائج واضحة ليلة الثلاثاء، غرد ترامب على تويتر: “نجاح هائل الليلة. شكراً لكم جميعاً”!
كما اتصل الرئيس أيضاً ببيلوسي لتهنئتها. ومع ذلك، وعلى الرغم من جهوده لإخفاء خيبة الأمل من النتائج، فقد كانت ليلة سيئة لترامب. وفي حين سجل الجمهوريون انتصارات كبيرة في مجلس الشيوخ وفي العديد من السباقات على مناصب حكام الولايات التي شهدت تنافساً شديداً، فمن المرجح أن يكون مجلس نواب ديمقراطي مصدر توتير خاص للرئيس نفسه.
يضع الانتصار الديمقراطي نهاية لفترة وجيزة من السيطرة الجمهورية الموحدة على فروع الحكومة، بما فيها البيت الأبيض، ومجلس النواب، ومجلس الشيوخ، وكذلك المحكمة العليا من الناحية الفعلية. وكان مجلس النواب في أيدي الجمهوريين منذ صعود موجة “حزب الشاي” في العام 2010. وكما تلاحظ صحيفة “الواشنطن بوست”، فإن هذه هي المرة الثالثة التي تتغير فيها السيطرة على المجلس في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، في نوع من التذبذب الذي لم نشهد له مثيلا منذ الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة.
يسلم الجمهوريون مطرقة المجلس بسجل مختلط بلا ريب. فقد تمكن الجمهوريون من إيقاف الكثير من بنود أجندة الرئيس باراك أوباما من العام 2011 بنجاح، لكنهم فشلوا إلى حد كبير في الدفع بالأولويات المحافظة. فما يزال الإنفاق الفيدرالي يواصل النمو؛ ولم يتم تخفيض الاستحقاقات؛ وما يزال مشروع أوباما للرعاية الصحية، “أوباما كير”، قائما، ولو أنه تم تقليصه؛ وبعد أن هدفوا إلى إجراء إصلاح شامل للضرائب، فإنهم اضطروا إلى القبول بتخفيضات ضريبية المؤقتة. وقد غادر الكثيرون من أعضاء تلك الدورة في العام 2010 مجلس النواب أو أنهم سيغادرون هذا العام، كما أن الحزب يفقد رئيسه أيضاً. وكان قد تم وضع باول رايان، من ويسكينسن، الذي يُحتفى به كواحد من ألمع مفكري الحزب الشباب، بصعوبة في منصب رئيس المجلس، لكنه اختار أن يتقاعد هذا العام، وقد سئم على ما يبدو من وجوده عالقاً بين رئيس دائم الغضب ولا يمكن التنبؤ به، وبين كتلة سياسية متصلبة وعنيدة.
من المحتمل أن يكون الرئيس الديمقراطي لمجلس النواب، في البداية على الأقل، وجها مألوفا: رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي. وعلى الرغم من أن عددا متزايدا من الديمقراطيين أعربوا عن ضيقهم من قيادتها، وأن البعض كسبوا الانتخابات هذا العام مع الوعد بعدم التصويت لصالحها، فإنها تبقى الوجه المفضل بقوة لاستعادة المطرقة –في البداية على الأقل. وكانت بيلوسي تواقة إلى استعادة منصب رئيس المجلس بعد أن خدمت فيه من العام 2007 وحتى العام 2011، لكنها قالت أن من الممكن أن تكون رئيسة “انتقالية”، والتي تمهد الطريق لرئيس ديمقراطي جديد للمجلس في المستقبل القريب.
بالنظر إلى سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض، ستكون للديمقراطيين فرصة ضئيلة للدفع بأولويات سياستهم. وسيكون المجال الذي يمكن أن يكون لهم فيه أكبر تأثير هو الإشراف على البيت الأبيض. ويعني امتلاك الأغلبية أن مقاعد الديمقراطيين في اللجنة ستحصل على سلطة الاستدعاء، ومن المرجح أن تُغرق إدارة ترامب بالطلبات لتزويدها بالوثائق ولتقديم الشهادات حول طيف كبير من القضايا. ويمكن أن تطلب اللجنة رؤية إقرارات الرئيس الضريبية. بل إن الديمقراطيين قد يحاولون عزله.
بالنسبة لترامب، لن تنتهي مواطن الإحباط هناك. فهو لم يستمتع مطلقاً بالعمل مع الكونغرس، وكثيراً ما عبر عن إحباطه من الإيقاع البطيء لعمل كلا المجلسين. وسوف يصنع وجود حزب المعارضة في موقع السيطرة على مجلس النواب المزيد من الجمود. وإذا كان ثمة جانب مشرق للرئيس، مع ذلك، فهو أن مجلساً يسيطر عليه الديمقراطيون سوف يصنع له نوعاً من المغايرة بينما يترشح لإعادة انتخابه في العام 2020.