ما إن شارفت ظاهرة الأوبئة والأمراض التي تفشت بشكل مفاجئ وغريب ودون سابق إنذار في حقول الدواجن بعدد من محافظات العراق لا سيما في ديالى الحدودية مع إيران، وتكبد خلال ذلك التجار ومربو الدواجن خسائر جسيمة بعد نفوق جميع ما في حقولهم من دجاج، حتى جاء الدور على الأسماك التي هي الأخرى لم تسلم من الأمراض والأوبئة الغريبة في هذه الأيام، وبحسب وزارة الزراعة فإن آلاف الأطنان من الأسماك ماتت بسبب قلة الأوكسجين في الماء، معللة ذلك بسبب تقارب الأقفاص العائمة الخاصة بتربية الأسماك وكأنها ترمي بذلك الكرة في ملعب تجار تربية الأسماك.
أما ذوو الاختصاص ممن هم خارج المؤسسات الحكومية فأكدوا أن الأمر ليس له علاقة بقلة الأوكسجين، لافتين إلى أن الأسماك نفقت خارج الحقول وليس فقط داخلها، وبمناطق متفرقة من محافظات بابل وواسط والأنبار، إضافة إلى أن الموت لم يشمل السمك فقط فحتى الحيوانات البرمائية كأنواع من السلحفاة وجدت ميتة في نهر الفرات إلى جانب الأسماك، مفسرين ذلك على أنه جناية بحق الثروة السمكية وحدثت بفعل فاعل.
وهذا الرأي يذهب معه أصحاب الحقول الذين أهم ما يشغل بالهم في الوقت الراهن هو التعويض عن الضرر المادي الكبير الذي أصابهم جراء نفوق جميع أسماكهم بين ليلة وضحاها، بعد أن أنفقوا عليها مبالغ طائلة في التربية والغذاء، وقدرت الخسائر المادية بقرابة مئة مليون دولار أمريكي، في وقت لا تبدو فيه السلطات جادة بالبحث عن الجاني لا سيما أنها اعتبرت أن تقارب الأقفاص بعضها من بعض، وازدحام منطقة تربية الأسماك بالأقفاص العائمة على ضفاف نهر الفرات أسهم بانتهاء أوكسجين الماء في تلك المنطقة، وما ساعد في ذلك بحسب المعنيين قلة مناسيب المياه إضافة إلى ضعف الإطلاقات المائية من جهة المنبع للنهر.
الأسواق المحلية ستعجُّ بالسمك المجمَّد من أكثر دولة مهيمنة على السوق، كيف لا وهي المسيطرة على الحدود البرية وتنقل ما تشاء من البضائع دون أي تفتيش أو جمرك
والغريب في هذا الموضوع أن هذه الظاهرة لم تحدث حتى عندما شارفَ نهرا دجلة والفرات على الجفاف، على إثر قطع دول المنبع الإطلاقات المائية عنهما، ما يؤكد الشكوك حول أسباب قتل هذا العدد الكبير من الثروة السمكية بالعراق، في وقت لم تحدد فيه الجهات المعنية أسباب انتقال الأمراض لحقول الدواجن حتى الآن أي أنها سجلت ضد مجهول واعتبرت الأمر انتقالاً فايروسياً طبيعياً كأي وباء أو مرض يضرب منطقة ما في وقت من الأوقات!
ويبدو أن الأمر سيان بالنسبة للأسماك، إذ لا تبدو هناك نية جادة أو واضحة لكشف الجهة المتسببة بنفوقها أو المقصرة بحدوث مثل هذا الأمر فحتى لو لم يكن هناك سُمٌّ أو شيء من هذا القبيل دُسَّ في النهر للأسماك فإن دور الرقابة على هذه الحقول يبدو غائبا، وعلى كل حال من الأحوال، هناك من سيتحمل خسائر مادية كبيرة كان يمكن تلافيها والحفاظ على البيئة والثروة السمكية في البلاد.
وفي ضوء النقص الكبير لعرض بيع الأسماك في السوق المحلية فمن الطبيعي أن يتوافر البديل أي أن هناك من سيعوض السوق بالسمك بما يناسب الطلب عليها، كما تم تعويض نقص الدجاج بالسوق في وقت سابق، حيث سبق لشاحنات الدجاج المجمَّد أن تراصفت في الأسواق العراقية قادمة من إيران لتعويض النقص الحاصل جراء تفشي الوباء في حقول تربية الدجاج بالعراق لاسيما أن السكان عدلوا عن تناوله بسبب التحذير من انتقال عدوى الإصابة بالحمى والأمراض الأخرى، ما شجَّع على بيع الدجاج المجمد المستورد من إيران ودول أخرى بنسبة أقل بكثير.
وسط كل تلك التكهنات والاتهامات لا سيما من مسؤولين ونواب عَدُّوا ما يحدث بأنه مؤامرة وأمرٌ يراد به تدمير ثروة البلاد الحيوانية وتدمير السوق المحلية وإغراقها بالبضائع المستوردة على حساب الإنتاج المحلي
ويبدو أن الأسواق المحلية ستعجُّ بالسمك المجمَّد من أكثر دولة مهيمنة على السوق، كيف لا وهي المسيطرة على الحدود البرية وتنقل ما تشاء من البضائع دون أي تفتيش أو جمرك كما يؤكد ذلك مجلس محافظة ديالى الذي حذّرَ من خطورة سيطرة فصائل مسلحة على الحدود مع إيران، إذ إنها تفرض سطوتها بالقوة على المعابر والمنافذ الحدودية وتُسيِّرُ حركة تنقل شاحنات نقل البضائع بين البلدين دون أن يستفيد العراق وميزانيته من إيرادات تلك المنافذ.
ووسط كل تلك التكهنات والاتهامات لا سيما من مسؤولين ونواب عَدُّوا ما يحدث بأنه مؤامرة وأمرٌ يراد به تدمير ثروة البلاد الحيوانية وتدمير السوق المحلية وإغراقها بالبضائع المستوردة على حساب الإنتاج المحلي فإنه لا جهة متهمة رسمياً بما يحصل، وجميع ما يدور بهذا الخصوص من تصريحات سياسية وتقارير إعلامية ومحلية مجرد اتهامات وهواء في شبك، فلا جهة رسمية تقوى على تشخيص الحالة تشخيصا منطقيا ومقنعا، كما لا يمكن الكشف عن أسماء المتورطين لا سيما أن المسيطر على مناطق نفوق الأسماك جهاتٌ متنفذة استطاعت فرضَ سيطرتها بقوة السلاح على قوة الدولة وهي أيضا مدعومة إقليميا، أما ضحايا نفوق الدجاج والسمك فهم بين مِطرقةِ الأوبئة المجهولة والأسباب الغريبة للموت وسندان المطالبة بالفاعل الحقيقي الذي سفك أرواح ملايين الكائنات سواء من على الأرض أو وسط النهر، ما يعني أن لا شيء يسلم من الموت في هذا البلد، فبعد أن هجر وقتل وأبيد البشر والحجر ماتَ الزرع واستوردنا البصل، ثم وصلت آلة الموت إلى الدجاج والسمك، فمن القادم على لائحة سفَّاح الحياة في العراق؟
الجزيرة نت