الحكومة العراقية تغلق أبواب الأمل في وجه “السنة” إلى الأبد

الحكومة العراقية تغلق أبواب الأمل في وجه “السنة” إلى الأبد

استمرارًا للانتهاكات وعمليات التهجير والتغير الديموغرافي في محافظات العراق ذات الأغلبية السنية، وبصورة منظمة، لتوسيع الرقعة الجغرافية الشيعية؛ شهدت محافظة ديالى الشرقية (المحاذية لإيران)، قبل أيام، حلقة جديدة من مسلسل الهجمات المتتالية للميليشيات الشيعية التي لا تختلف عما سبقها من مشاهد مأساوية. ففي هذه المرة، كانت قرية زاغنية هي وجهة ميليشيات الحشد الشعبي الموالية للحكومة، القرية التابعة لناحية العبارة في قضاء بعقوبة وسط المحافظة؛ حيث هاجمت الميليشيات هذه القرية الصغيرة وأجبرت عائلة من قبيلة الخزرج على البقاء داخل المنزل، قبل أن تزرع العبوات الناسفة حوله وتفجيره بمن فيه من نساء وأطفال، وسط ذهول من أبناء المنطقة الذين حاولوا الاستنجاد بالشرطة المحلية، لكن دون جدوى.

في يوم السبت 23/ 5/ 2015، وبالتزامن مع هتافات طائفية “يا لثارات الحسين”، وحرق عشرات المنازل بواسطة الوقود والعبوات البلاستيكية ومشاعل نارية؛ استأنفت المليشيات الشيعية الانتهاكات في قرية زاغنية وقامت بإعدام العشرات من أبناء السنة في ساحة عامة وسط القرية بعد أن طوقت قوة من الجيش القرية؛ ليهرب بعدها العديد من العوائل خوفًا من القتل والتنكيل. وبعد انسحاب الميليشيات من قرية “زاغنية”، توجهت قوة من الجيش والشرطة تمهيدًا لدخول محافظ ديالى وعدد من النواب في المجلس البلدي الذي تعهد بفتح تحقيق بالجرائم وتعويض المتضررين. وبمجرد أن غادر المحافظ والوفد الحكومي “زاغنية”، عاودت الميليشيات هجومها بزعامة “الحاج” باقر التميمي، الذي توعد بإحراق القرية وإزالتها من الوجود في حال عدم مغادرة أهلها خلال 48 ساعة.

غضبان الدهلكي، رجل مسن من زاغنية في ديالى، رفض مغادرة منزله؛ فحرقته الميليشيات مع منزله وتركته رمادًا.

ذكر “حسين الزبيدي”، العضو في قائمة ديالى، أن قائد الشرطة “جاسم السعدي” حاول إيقاف الميليشيات وردعها؛ فتعرض موكبه لإطلاق نار من قبل الميليشيات التي تمارس جرائمها أمام عجز الحكومة المحلية والقيادات الأمنية من وضع حد للتسلط على المدنيين.

سلطة فوق القانون

وفي صورة أخرى لممارسات الميليشيات البربرية، حسب وصف منظمة حقوق الإنسان الدولية، التي لم تكتف بأعمال القتل والتنكيل؛ انتشرت ظاهرة الاختطاف بصورة مخيفة في محافظة ديالى، ولم تقتصر على الرجال؛ حيث أوضحت النائبة عن محافظة ديالى “ناهدة الدايني” أن الميليشيات لجأت مؤخرًا إلى استهداف النساء.

وتُجرى عمليات خطف، وفق “الدايني”، في المناطق الخاضعة لسيطرة الأجهزة الأمنية وليست في مناطق النزوح وقرب نقاط التفتيش والحواجز الأمنية، ومنها قضاء بعقوبة وأبي صيدا. وتابعت النائبة كلامها قائلة: “ورغم إبلاغنا للجهات المسؤولة في المحافظة ووزارة الداخلية ورئيس الوزراء، لم يتم اتخاذ أي إجراء رادع حتى الآن”، وأكدت أن الميليشيات أصبحت لا تخشى أحدًا كما أنها آمنت العقاب وأصبحت سلطة فوق القانون تتصرف بلا رقيب.

وقد صرح مصدر أمني رفض الكشف عن اسمه أن عمليات الاختطاف في المحافظة قد ازدادت بشكل كبير؛ حيث سجلت 20 حالة خلال 24 ساعة فقط، توزعت بين قضاء بعقوبة والمقدادية ونواحي قرى تابعة لها. ومن حوادث الخطف التي أثارت جدلًا واسعًا: محاولة اختطاف طفل لم يتجاوز الخامسة؛ حيث تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لشخصين حاولا اختطاف طفل من أمام بيته قبل أن يتدخل أهالي المنطقة لإنقاذه؛ ليتم الكشف لاحقًا أن الخاطفين من المنتسبين للأجهزة الامنية.

وتستمر معاناة هذه المحافظة (المنكوبة) لتصل إلى المعتقلين، الذين لم يسلموا من شر الميليشيات، وآخرها الهجوم على سجن الخالص؛ حيث تم إطلاق النار بصورة همجية على المعتقلين السنة؛ مما أدى إلى مقتل (58) معتقلًا، وقامت بتهريب (45) معتقلًا من قادة الميليشيات الذين سبق وتم إدانتهم في قضايا تتعلق بالإرهاب وإدخال سيارات مفخخة للمحافظة.

في يوم الاثنين 23/ 2/ 2014، بقرية بروانة ناحية أبي صيدا في قضاء المقدادية، انتشر عدد كبير للميليشيات المدعومة من الحكومة بقيادة النائب البرلماني هادي العامري، الذي راجت عنه مؤخرًا أنباء بأنه أصبح محافظًا لـ “ديالى” والمتهم بإعدام أكثر من (70) شابًا وطفلًا رميًا بالرصاص، فضلًا عن اختطاف (65) من القرية ذاتها وهم يرتدون الزي الأسود ويدعون الناس عبر مكبرات الصوت إلى التجمع في منزل كبير، وأثناء وصول المجموعة الأولى والتي ضمت أكثر من (40) شخصًا، منهم أطفال؛ تم قتلهم جميعًا، وحدث الشيء نفسه مع المجموعة الثانية التي ضمت أكثر من (30) شخصًا.

كما قاموا بعمليات نهب وسرقة للقرية بما فيها من ماشية وأثاث وسيارات وحرق المنازل والمزارع، فضلًا عن اختطاف أكثر من (60) شابًا لا يزال مصيرهم  مجهولًا؛

يضًا، طالبت ميليشيا الحشد الشيعي (عبر مكبرات الصوت) أهالي قرية الهارونية، التابعة لقضاء المقدادية، وقرية المخيسة، بمغادرة منطقتهم؛ مهدّدة بارتكاب مجزرة في حقهم على غرار ما فعلته بمنطقة بروانة في حال لم يغادروا. كما شهدت هذه القرى والمناطق المحيطة بها حالات نزوح مخيفة تركت على أثرها القرى خاوية.

وذكر مركز بغداد لحقوق الإنسان توثيق 182 حادثة قتل واختطاف للمدنيين في محافظة ديالى خلال أسبوع واحد نفذتها ميليشيات شيعية متنفذة.

وقال النائب “رعد الدهلكي” في تصريح صحفي، إن ميليشيات طائفية اقتحمت قبل أيام قرية زاغنية بمحافظة ديالى وارتكبت أعمالًا إجرامية بحق المواطنين؛ حيث قتلت أكثر من 10 أشخاص وحرقت الدور السكنية. وأضاف أن هذه العمليات الإجرامية تسببت في تهجير المئات من العوائل بالمنطقة إلى المناطق الواقعة ما بين مدينتي بعقوبة وخانقين، مشيرًا إلى أن منطقة زاغنية من المناطق التي لم يدخلها تنظيم الدولة الإسلامية أبدًا، وأن دخول الميليشيات إلى هذه المنطقة في هذا الوقت هو تصرف ينم عن بعد طائفي وسياسي. وطالب الدهلكي القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، بالتحرك الفوري لإيقاف العمليات الإجرامية التي ترتكبها الميليشيات في المناطق السنية.

ودعت عضوة مجلس محافظة ديالى “أسماء كمبش” المؤسسة الأمنية إلى إيقاف تنامي النزوح القسري من قرية زاغنية شمال شرق بعقوبة، وقالت كمبش إن عددًا من الأسر ينتمي إلى “مكون معين”، مشيرة إلى أهل السنة، نزح من قرية زاغنية ضمن الحدود الإدارية لناحية العبارة؛ بسبب تعرضه لهجمات وتهديدات من قبل جماعات مسلحة نافذة، كما دعت المؤسسة الأمنية والعشائر إلى “إيقاف تنامي النزوح القسري، مؤكدة أن ما يحصل يضر بالمصلحة الوطنية ويضرب منظومة التعايش السلمي.

وتتقاسم ميليشيات عصائب أهل الحق ومنظمة بدر الشيعيتين النفوذ في أغلب مناطق محافظة ديالى، ذات الغالبية السنية، وتقوم بتنفيذ أعمال تطهير عرقي بغية تغيير التركيبة الديموغرافية للمحافظة المحاذية لإيران، وإلى الآن نجحت بشكل كبير في مشروعها.

إن عمليات الاعتقال الجنونية والهدم والتدمير وقتل المدنيين السنة وتهجيرهم من مدن ومناطق مستمرة، على الرغم من عدم وجود أي مواجهة مع تلك القوات من قبل الأهالي الذين ما زالوا ينتظرون التدخل الحكومي لحل الأزمة وإعادتهم إلى منازلهم (على أقل تقدير) ومعرفة مصير ذويهم ممن خطفتهم ميليشيا الحشد أثناء الهجوم؛ إلا أن الحكومة بدعمها الأخير للحشد الشعبي تغلق كل أبواب الأمل في إنصاف سنة العراق من تداعيات المعركة الشرسة التي تشنها ميليشيات مدعومة من الحكومة بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية حتى في بعض المناطق التي لا تخضع لسيطرة التنظيم على الإطلاق، فيما يبدو كعملية تطهير عرقي تمارس جهارًا مدعومة بصمت دولي وعربي مخجل للغاية.

عمر علي

التقرير