في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي بدأت الحزمة الثانية للعقوبات الأمريكية على إيران، وهذا يعني أن إدارة الرئيس ترامب قررت السير في سياسة العقوبات ضد إيران. هذه العقوبات هي نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. وكانت إيران قد وافقت بعد مفاوضات شاقة مع كل من الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا على ذلك الاتفاق في العام 2015. وقد استهدف الاتفاق النووي مع إيران منعها من تطوير قدرات نووية عسكرية. لكن الواضح أن الذي حفز ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لم يكن السلوك الإيراني في سوريا والعراق واليمن، بل سياسة إيران تجاه إسرائيل والتي تتضمن تصنيعها لصواريخ بعيدة الأمد في ظل تواجد حقيقي لقواتها قرب الحدود في سوريا.
تثير العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران مخاوف شديدة من أن يكون العراق من أكبر المتضررين جراءها، بسبب اعتماده بشكل كبير على مشتقات الطاقة، كالبنزين والغاز، فضلاً عن المواد الإنشائية والصناعية والغذائية الحيوية، في وقت يُتوقع أن يتعزز التضخم بسبب انخفاض ودائع العراقيين في المصارف الإيرانية بسبب تحول سعر الفائدة الحقيقي إلى السالب.وبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران خلال العام الماضي قرابة 8 مليارات دولار، بينها 77 مليون دولار فقط هي قيمة صادرات بغداد إلى طهران، وفقًا لمصدر رسمي في وزارة التجارة العراقية.
ويؤكد مراقبون أنّ العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران ستحوّل العراق إلى ممر لتوريد العديد من السلع الممنوع على إيران استيرادها. فإن “هناك فصائل مسلحة ستسعى لمساعدة إيران وتمويلها في أيام العقوبات المقبلة، بخاصّة أنها نافذة في الواقع السياسي العراقي وتتحرك بأوامر إيرانية، فضلاً عن وجود سياسيين لا يخفون علاقاتهم القوية مع إيران”.ولفتوا إلى أن إيران تعتبر العراق ممر طوارئ لها للتخلص من العقوبات، فيما تمارس الفصائل المسلحة ضغوطا وترهيبا على مؤسسات الدولة العراقية كافة، كاشفين عن أن العراق سعى لاستثنائه من العقوبات، لكن في الوقت ذاته لديه خوف من انهيار الدينار العراقي لارتباطه بالدولار الذي بدأ من الآن بالتناقص في السوق العراقية، لوجود شبكات تقوم بتهريبه إلى طهران.
وأشاروا إلى إنّ “العقوبات ستؤثر على العراق باعتبار أنّ هناك الكثير من الأمور الاقتصادية التي تربط البلدين الجارين، وهناك الكثير من التبادل التجاري عبر المنافذ، وأكدوا أن “العقوبات ستؤثر على السوق العراقية. فبدلا من أن يستورد من الدول البعيدة، ويتكلف أعباء النقل والضرائب، يمكن للسلع التي تأتي من إيران أن تخدم العراق بنصف الأسعار التي يحصّلها من غيرها، وبالتالي سيتأثر سلباً الوضع الاقتصادي العراقي الداخلي بالعقوبات هذه”. حيث سيكون العراق مضطرا إلى التخلي عن الدولار في تجارته مع إيران للالتفاف على العقوبات. وأكّد على ذلك المتحدث الرسمي لرئيس الحكومة العراقية، سعد الحديثي، مشيرا في تصريحات صحافية إلى أن بغداد ستعمل على تطوير “آلية جديدة” لدعم العلاقات التجارية بين الجانبين لتخفيف تأثير العقوبات. وأعلنت وكالة “مهر” الإيرانية، السبت 1 سبتمبر أنه تم إلغاء عملة الدولار في المبادلات التجارية بين العراق وإيران.
هناك عامل لم تأخذه الادارة الأمريكية بعين الاعتبار. فإيران خبيرة في التعامل مع العقوبات والتهرب منها، وهي بامتدادها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومناطق أخرى ستنجح في إدارة عملية التهرب من العقوبات، كما ان علاقاتها الدائمة مع دول الشرق الاوسط والعالم وعدد من دول الخليج يفتح لها المجال للتهرب من العقوبات بما في ذلك التهريب والاسواق السوداء. في السابق افادت العقوبات إيران لأنها نجحت (في ظل العقوبات) القديمة في بناء مشروعها النووي واقتصادها والكثير من صناعاتها. العقوبات في التاريخ الحديث لم تغير سياسة، بل إن العقوبات مضرة للولايات المتحدة، التي ستفقد مزيدا من مصداقيتها الدولية.
وبحسب تقرير موسع نشرته جريدة “فايننشال تايمز” البريطانية كشفت عن وجود خطط لدى #النظام_في_إيران من أجل “التحايل على العقوبات الأميركية”، مشيرة إلى أن من بين هذه الخطط هو “إحياء دور الوسطاء الذين سيقومون بشراء النفط الإيراني محلياً ومن ثم يعيدون بيعه في الأسواق العالمية تحت ستار أنهم من القطاع الخاص الإيراني وليسوا تابعين للحكومة”.وتلفت الصحيفة إلى أن إيران أسست “بورصة” في العام 2012 وهي التي يمكن استخدامها مستقبلاً من أجل عمليات التحايل التي يخطط النظام الإيراني للقيام بها. وتتحدث “فايننشال تايمز” عن رجل أعمال إيراني يدعى باباك زانجاني يواجه حالياً عقوبة الإعدام بسبب رفضه إعادة 2.8 مليار دولار للحكومة، وهي مبالغ حصدها نتيجة قيامه ببيع النفط الخام لمستهلكين في آسيا خلال فترة العقوبات السابقة، وهو ما يبدو أنه كان في إطار عمليات “التحايل” التي يقوم بها النظام. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل يُمكن للعراق الاستفادة من العقوبات المفروضة على إيران وما أضرار تطبيقها عليه؟
مع دخول العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، وتسببها بانهيار العملة الإيرانية، يكثر الحديث هذه الأيام عن الآثار المحتملة لذلك الانهيار على الأوضاع الاقتصادية في العراق، نظراً لعلاقة الجوار القائمة بين البلدين، والتبادل التجاري النشط بينهما، وارتباطهما بحدود تمتد لنحو 1300 كيلومتر. ترى اتجاهات اقتصادية إمكانية أن يستفيد العراق استفادة قصوى من عقوبات إيران، إن تمكنت القيادات السياسية والاقتصادية في البلاد من التصرف على النحو المطلوب، تتخوف اتجاهات أخرى من تأثير ذلك، وانعكاسه على شكل ارتفاع في سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي، بسبب سعي إيران ووكلائها في العراق إلى الحصول على الدولار الأميركي بطرق متحايلة من الأسواق والبنوك العراقية.
ويرى خبراء اقتصاديون مهتمون بالشأن العراقي إمكانية استفادة العراق من عقوبات إيران على مختلف المستويات، منها مثلاً أن وجود العقوبات على إيران لن تمكن الدول الأخرى من شراء أغلب صادرات هذا البلد، لكن الخصوصية الجغرافية التي يتمتع بها العراق ستؤهله لأن يكون سوقاً مفتوحة للاقتصاد الإيراني. فإذا أصبح العراق السوق الأولى للمنتجات الإيرانية، ستكون لديه فرصة الاستفادة القصوى من ذلك، عبر الضغط للحصول على مكتسبات من إيران، كما أن حظر تصدير النفط الإيراني سيساعد في ارتفاع أسعار النفط، وذلك بمجمله يصب في صالح الاقتصاد العراقي. كذلك يمكن الاستفادة من العقوبات عن طريق تحول العراق إلى محطة لتصريف الصادرات الإيرانية إلى دول أخرى، عبر إعادة تصديرها على أساس أنها بضائع عراقية، وبالتالي يربح العراق القيمة المضافة على تلك البضائع. ويخشون من قيام بعض الموالين لإيران، من أصحاب رؤوس الأموال، بالذهاب إلى إيران، وشراء أصول مالية هناك بسبب انخفاض الأسعار، بدلاً عن استثمارها داخل البلاد، وذلك يؤثر على قيمة الناتج الإجمالي المحلي.
فالعقوبات من وجهة نظر خبراء الاقتصاد سيف ذو حدين، يمكن أن يلحق ضرراً فادحاً بالعراق، أو يصب في مصلحته إلى حد كبير»، وينظر إلى موضوع الاستفادة من العقوبات ضد إيران عبر «الطلب من الولايات المتحدة أن يكون العراق المنفذ والطريق لتلبية الحاجة الإيرانية للعبور والتجارة مع العالم، كما فعل الأردن مع العراق سابقاً، وبذلك يتمكن العراق من الاستفادة من دور الوكيل التجاري الحصري لإيران، ولا يستبعدون الآثار السلبية التي قد تصيب العراق جراء العقوبات، ومنها مثلاً انقطاع منافذ التبادل الرسمية، في مقابل نشاط منافذ التهريب غير المشروع، وبالتالي عدم استفادة الدولة ضريبياً، إلى جانب تهريب المخدرات، وعمليات تزوير العملة، التي تلجأ إليها مافيات الأموال الإيرانية والعراقية للحصول على الدولار.
ويشيرون إلى أن أكبر المخاطر التي قد تواجه العراق في هذا الاتجاه يتمثل بـ«عدم التزام العراق بالعقوبات، وذلك يعني التفريط بمصالحه الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لصالح علاقته مع إيران، وهذا الخيار سيكون كارثة بالنسبة للعراق، وحول الأحاديث الدائرة في العراق هذه الأيام عن محاولة إيران وأتباعها في العراق الحصول على عملات صعبة عبر التحايل من العراق، يقولون: لا نلوم الجانب الإيراني في ذلك، فهو يبحث عن مصالحه؛ المحاصر يحاول أن يدير أموره، حتى أنه يسعى إلى سرقة الجيران، إن تمكن من ذلك، المطلوب من العراقيين عدم السماح بذلك لأنه يعرض اقتصاد بلادهم إلى خطر شديد.
ويعتقدون أن العراق قادر على إيجاد أسواق بديلة عن الأسواق الإيرانية، في حال التزم بتطبيق العقوبات، فأغلب البضائع الإيرانية التي تصل العراق تتكون من مواد غذائية وفاكهة وخضراوات، وبعض المواد البلاستيكية، ومواد البناء والسيراميك، ويمكن تعويضها من أسواق تركيا والأردن والخليج. وهناك من يرى أن كفة الميزان التجاري تميل لصالح إيران، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري مع العراق نحو 12 مليار دولار أميركي في السابق، في مقابل نحو 700 مليون دولار للعراق فقط».ويعتقدون، أن العراق قادر على تعديل هذا الميزان، إن تمكن من الاستفادة من وضع العقوبات على إيران، بشرط أن يقوم بتنشيط قطاعات الزراعة والتجارة والصناعة وغيرها».ويخشى أنطون من أن «العراق يستورد ما نسبته 85 في المائة من احتياجاته، وليس لديه منتجات صناعية أو زراعية يمكن أن تسد حاجته المحلية، وهذا يعقد الأمور بالنسبة له، إلى جانب الرخص الذي تتمتع بها البضائع الإيرانية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية