يصف باحث في سياسات الشرق الأوسط اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا الشهر الماضي بأنه “نقطة تحول” و”هدية لإيران”، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة لكبح جماح تمدد النفوذ الإيراني بالمنطقة.
ففي مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز كتب عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز الأميركية والي نصر أن جريمة مقتل خاشقجي ألحقت مزيدا من الضرر بالإستراتيجية الهشة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائمة على “التزامل” مع السعودية للتصدي لنفوذ إيران المتعاظم.
أما لماذا يعتبر نصر هذه الجريمة بمثابة هدية لطهران فلأن السعودية المستضعفة نتيجة للاغتيال قد تضطر -كما يتوقع الزعماء الإيرانيون- إلى إنهاء حملتها العسكرية في اليمن وحصارها لقطر.
ويضيف الكاتب أن حكومة الرياض ربما تجد أنها بحاجة لإصلاح ذات البين مع إيران لإعادة التوازن في علاقتها مع تركيا التي استشاطت غضبا جراء اغتيال الصحفي السعودي في أراضيها.
ويقول الكاتب إن الاعتماد على السعودية لاحتواء إيران كان دوما مثار تساؤل، “فالسعودية لم تنجح قط في الوقوف بوجه الوجود الإيراني بالمنطقة بل على العكس فإن نفوذ إيران قد زاد في السنوات الأخيرة”.
محاولات خرقاء
وعلى سبيل المثال -بحسب الكاتب- فإن السعودية “نفضت يدها” من سوريا، وتركت مهمة التعامل مع إيران وإنهاء الصراع في سوريا للولايات المتحدة.
وتطرق الكاتب إلى ما سماها “المحاولات الخرقاء” التي تورط فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدءا بحربه في اليمن ومرورا بالحصار على قطر الذي أخفق فيه، وليس انتهاء باحتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري.
ويمضي إلى القول إن كل تلك المحاولات كان القصد من ورائها ردع العرب عن التعامل مع إيران وحلفائها فجاءت النتيجة عكسية، حيث باتت الأطراف الرئيسية في المنطقة -بالإضافة إلى أصدقاء أميركا- تنظر إلى السعودية على أنها تمثل خطرا أعظم من إيران.
وتعد ضغوط الإدارة الأميركية على السعوديين مؤخرا في محاولة لفرض هدنة في حربها باليمن “مؤشرا واضحا” على مدى تضعضع مصداقية السعودية التي هي في صلب إستراتيجية واشنطن، وتراجعها حتى في عين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقا لمقال والي نصر.
مقدرة السعودية على تقديم العون لإسرائيل من أجل احتواء إيران وتوفير الغطاء السياسي لصفقة القرن مع الفلسطينيين تبدو الآن بعيدة المنال
هواجس تحالف
ويرى الكاتب أن مقدرة السعودية على تقديم العون لإسرائيل من أجل احتواء إيران وتوفير الغطاء السياسي لصفقة القرن مع الفلسطينيين تبدو الآن مسألة بعيدة المنال، ذلك أن يد إسرائيل ضعفت بينما اكتسبت تركيا منزلة رفيعة، وهي التي تنشد نفوذا أكبر لها بالمنطقة وتتشاطر مع إيران الهواجس من التحالف بين إسرائيل والسعودية.
والحالة هذه، فإن من المتوقع أن تشيع حالة من الاطمئنان في طهران بشأن تكريس نفوذها حتى وهي تكيف نفسها مع العقوبات الصارمة التي أعادت أميركا فرضها عليها الأسبوع الماضي، وفق الكاتب.
ولعل هذه الحالة ليس مردها أن إيران تتوقع تغييرا في سياسة أميركا تجاهها في أعقاب قضية اغتيال خاشقجي، فتراجع ثقة دول المنطقة في السعودية سيؤكد على الأرجح ما يطلق عليها كاتب المقال “حكمة” القادة الإيرانيين وراء إستراتيجيتهم الحالية القائمة على “إدارة الضغوط” التي تمارسها أميركا على إيران وحشد مواردها المحلية، والاعتماد على أوروبا والصين وروسيا في إبقاء القنوات الاقتصادية مع طهران مفتوحة وتعزيز تحالفات إيران ونفوذها سياسيا.
عدم قدرة
ويبدو واضحا الآن -حسب المقال- أن السعودية لن تستطيع قيادة تحالف إقليمي لإجبار إيران على الخروج من سوريا ولبنان والعراق واليمن.
وإذا ما خطط ترامب لإرسال أعداد كبيرة من قواته للقيام بتلك المهمة ثم إبقائها بالمنطقة كي لا يعود النفوذ الإيراني إليها مرة أخرى فعندها فقط يمكنه أن يأمل في استقرار للمنطقة ولن يتأتى له ذلك إلا بعد أن يركز اهتمامه على وضع حد للحروب في الشرق الأوسط.
ويختم الكاتب بأنه “بينما يتبخر وهم ترامب في نظام عربي فإن واقعا صارخا يبرز إلى الوجود، وهو أن النفوذ الإيراني في المنطقة لا يقابله أي تحد عربي يمكن الاعتماد عليه، وليس ثمة احتمال لتقليص ذلك النفوذ حتى في ظل التهديد والوعيد الأميركي”.
المصدر : نيويورك تايمز,الجزيرة