يتوقع المحلل الاقتصادي الإيراني أصغر باليني، أن خطة البنك المركزي لبيع المسكوكات الذهبية، ذات الدفع المسبق لن تحل مشكلة الإقبال على شرائه لحماية المدخرات، في ظل ضخ البنك المركزي ذهبا يصل حجمه إلى ستين طنا في الفترة الماضية كما يقول لـ”العربي الجديد”، مستدركا أن هذا يعني “تقليل حجم مخزون البنك المركزي منالذهب، في ظل زيادة الإقبال على شرائه وتخزينه”.
وزادت العقوبات الأميركية من إقبال الإيرانيين على الذهب وفق ما تؤكده مصادر التحقيق، ما دعا البنك المركزي إلى الإعلان عبر موقعه الرسمي في فبراير/شباط الماضي، عن خطة تسمح ببيع المسكوكات للمواطنين بالتقسيط عبر عملية التسجيل والدفع المسبق للمسكوكات أو الليرات ذهبية، والتي تزن الكاملة منها 8.133 غرامات، ويزن النصف 4.066 غرامات، والربع 2.033 غرام، وبلغ سعر الليرة الكاملة، في 20 أكتوبر/تشرين الأول 4.3 ملايين تومان، (سعر الدولار في ذات التاريخ 13850 تومان).
ما هو شكل الإقبال على شراء المسكوكات؟
بلغت قيمة مخزون الذهب لدى إيران نهاية العام الماضي 132 مليارا و600 مليون دولار، ما يعني أنها كانت تحتل المرتبة التاسعة عشرة من بين 175 بلدا، قبيل عودة العقوبات وارتفاع نسبة الإقبال عليه وفقا لموقع وكالة تسنيم.
واضطر البنك المركزي “لإرواء عطش المسارعين لشراء المسكوكات الذهبية، ما دفع لحكومة لعرضها وجمع السيولة من المواطنين بنفسها” كما يوضح رئيس مؤسسة التخطيط والموازنة الحكومية محمد باقر نوبخت في تعليقه على خطة البنك المركزي والذي سجّل مائة ألف إيراني على موقعه لشراء المسكوكات منه مباشرة، أو عبر المصارف الحكومية التي يحددها بمقدار 7.6 مليون مسكوكة، على أن تسلم خلال فترة، بين شهر وعامين وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر الموقع الرسمي للبنك والذي كشف عن تسليم 800 ألف قطعة لأصحاب وصولات الشهر الواحد “يتسلمون مسكوكاتهم بعد شهر فقط من التسجيل” حتى يونيو/حزيران الماضي بينما تم تسليم مليون مسكوكة أخرى في شهري يوليو/تموز، وأغسطس/آب الماضي.
ويدفع المشترون مبلغ مليون و590 ألف تومان كدفعة أولى، مع حصولهم على وصل التسليم بعد شهر، في حين أن من يتسلمون المسكوكات بعد ثلاثة أشهر يدفعون مليونا و540 ألفا مسبقا كما أن وصل الستة أشهر يتطلب دفعة أولى تقدر بمليون و475 ألفا، ويقل الرقم مع طول المدة التي يبلغ حدها الأقصى عامين وفق ما أعلنه المحافظ الأسبق للبنك المركزي ولي الله سيف عبر التلفزيون المحلي في إبريل/نيسان الماضي.
وارتفعت أسعار المسكوكات كثيرا عن الفترة التي سجل فيها المواطنون، وهو ما يعني فائدة للمشتري، الذي سيحقق أرباحا، وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر مقارنة الأسعار التي زادت بعد عودة الحزمة الأولى من العقوبات التي استهدفت المعادن الثمينة في 18 أغسطس/آب، إذ كان سعر المسكوكة الواحدة 3.8 ملايين تومان، في حين بلغت في 15 أكتوبر/تشرين الأول، قبل الحزمة الثانية التي تستهدف النفط والقطاع المالي 4.2 ملايين تومان بينما كان البنك المركزي قد حدد في خطة المسكوكات مسبقة الدفع سعر 2.8 مليون تومان لتلك التي تُسلم بعد ستة أشهر من التسجيل عليها، ويحصل أصحابها على تخفيض بنسبة 4٪، بينما يحصل أصحاب المسكوكات التي تُسلم بعد عام على تخفيض بنسبة 9 ٪، وهذا يعني قيمة أقل من تلك الموجودة في السوق بحسب رئيس اتحاد الذهب والمجوهرات إبراهيم محمد ولي، والذي قال في تصريحات لوكالة إيسنا في سبتمبر/أيلول الماضي: “بالرغم من أن العرض والطلب في ذاك الوقت لم يكن جيدا، إذ تراوح في قطاع صناعات الذهب بين 5% و 10٪ فقط من نسبة مشتري الذهب بشكل عام، إلا أن معدل المقبلين على شراء الذهب المذاب (يشمل الحلي المستعملة المذوبة والسبائك) وممن لا يفضلون الذهب المصوغ تراوح بين 20% إلى 25 ٪، مؤكدا أن غلاء الأسعار يدفع المواطنين لشراء المسكوكات بالذات، كي يبيعوها لاحقا”.
تبعات الحمى السلبية لشراء الذهب
يؤكد محمد ولي أن معدلات الشراء لدى منتجي حلي الذهب خلال الأشهر الثمانية الماضية لم تلمس ارتفاعا، بل تناقصا في بعض الأوقات، لكنه لا ينفي بالمطلق عدم وجود تأثيرات سلبية بسبب العقوبات الأميركية كما يقول لـ”العربي الجديد”، موضحا أن من الممكن تجاوزها بوجود إدارة جيدة، ومؤكدا وجود ما يقارب ألفي منتج للذهب في إيران، ممن يستخدمون السبائك التي تدخل بشكل حر للبلاد من روسيا وتركيا والإمارات بشكل رئيس، إلى جانب وجود 15 منجما لاستخراج الذهب في البلاد وفقا لوزارة الصناعة بحسب محمد ولي.
”
ارتفعت أسعار المسكوكات كثيرا عن الفترة التي سجل فيها المشترون، وهو ما يعني فائدة للمشتري، الذي سيحقق أرباحا
“
وزاد إقبال الشارع على شراء المسكوكات بالذات، كما يقول ولي، مشيرا إلى عدم وجود قواعد محددة تنظم بيع الذهب للإيرانيين، لكن العرض والطلب، هو من يؤثر على السوق، إلى جانب سعر الذهب عالميا، الأمر الذي فتح الباب للاستغلال، بحسب القاضي ناصر سراج رئيس مؤسسة التفتيش الوطنية التابعة للسلطة القضائية، الذي كشف أن شخصا واحدا ثلاثينيا، اشترى لوحده 38 ألف مسكوكة ذهبية، مستخدما الدفع المسبق، وحصل خمسون شخصا على 5٪ من عدد المسكوكات الكلية المخصصة لخطة البنك المركزي المتعلقة بمسكوكات الدفع المسبق.
بينما كشف المدعي العام في طهران عباس جعفري دولت أبادي، بعد إعادة حزمة العقوبات الأميركية الأولى على طهران في سبتمبر/أيلول الماضي، إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، أن الشرطة عثرت على 120 كيلو غراما من الذهب المخزن لدى شخصين فقط، قائلا إن “بعض المواطنين يفضّلون تبديل أموالهم إلى عملة صعبة، أو إلى ذهب، في محاولة للحفاظ على مدخراتهم في ظل الوضع الاقتصادي المرتبك، لكن ذلك يعني دق ناقوس الخطر”.
وتؤدي زيادة السيولة لدى الشارع، وليس لدى البنك المركزي، إلى تبعات ثقيلة، تزيد معها المضاربات التي ترفع أسعار الذهب في الداخل، وبالتالي زيادة حمى شرائه، وهو ما يترافق مع زيادة الفساد ويفتح الباب أمام غسل الأموال بحسب المستشار الاقتصادي في صندوق التعاون والرفاهية الإيراني أمير عباس جعفري، والذي قال إنه لا يوجد أي معدلات دقيقة حول النشاط السلبي لمن يستغلون حمى شراء الذهب، مؤكدا أن بيعه عبر البنك المركزي، أو في السوق الحرة زاد كثيرا منذ انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، معتبرا أن هذه الخطوة تركت تبعات نفسية وزادت من اضطراب الشارع الذي قرر تبديل مدخراته بالذهب، مضيفا أن البنك المركزي لا يستطيع أن يضخ المسكوكات في السوق بشكل دائم.
ويؤكد الدكتور باليني، محلل الاقتصاد الدولي، لـ”العربي الجديد” أن هناك ثلاث غايات لدى مشتري الذهب في إيران، الأولى، الاستهلاك والاستخدام العادي، والثانية هي الاحتياط، والثالثة بغرض المضاربات، موضحا أن عوامل من قبيل ارتفاع نسبة التضخم الاقتصادي، تزيد الشراء الاحتياطي والمضاربة، مضيفا أن معدلاته ترتفع دفعة واحدة، وفي بعض الأوقات لا تستطيع السوق تلبية حاجات الزبائن، وهو ما يزيد من ارتفاع سعر المسكوكات داخليا.
لكن محمد ولي يقول لـ”العربي الجديد” إن السياسات التي غيرها البنك المركزي فيما يخص العملة الصعبة والذهب الذي سمح بإدخاله إلى إيران بدون سقف محدد، ودون ضريبة مضافة ساهمت بإحداث استقرار نسبي في السوق، وتابع “هناك أطر تحدد دخول الذهب إلى إيران، إذ إن ما يسمى بالصناعات الجاهزة يمنع دخولها، أما مادة الذهب الخام والتي تكون على شكل سبائك وقضبان فأصبحت تدخل للبلاد بشكل حر، بعد أن كان يتوجب على الموردين في السابق دفع ضريبة مضافة تقدر بـ 9٪، تم إلغاؤها لاحقا بناء على اتفاق البرلمان ومؤسسة الضرائب ووزارة الصناعة والتجارة والمعادن، فأصبحت السبائك تدخل عن طريق الجمارك، وتصل لسوق الذهب، وتباع على حالها، أو تستخدم لإنتاج حلي الذهب.
ودخل تجار بازار طهران الشعبي ومنهم أصحاب محلات الذهب في إضراب عام، في يونيو/حزيران الماضي احتجاجا على الوضع الاقتصادي المتدهور وانخفاض سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، وهو ما يؤثر على وارداتهم من جهة، وعلى القدرة الشرائية للمواطن الإيراني من جهة أخرى، ومنذ ذاك الوقت يلاحظ الارتباك في السوق وفق ما وثقته معدة التحقيق، رغم أن بائعا (رفض ذكر اسمه) قال لـ”العربي الجديد” :”إن الإيرانيين مازالوا يحرصون على تبديل عملتهم المحلية بالدولار، وعلى شراء المسكوكات الذهبية بالذات، مؤكدا ارتفاع النسب بعد عودة العقوبات الأميركية”.
وبعد أن لمس بعض النواب في البرلمان الإيراني الخطر، علقت المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان زهرا سعيدي، في 23 أغسطس/آب بالقول: “إن النواب يدرسون مشروعا لوضع محددات لتسليم المسكوكات الذهبية عبر البنك المركزي مع تحديد سقف لعددها”، وقالت إن “هذا لن يشمل الأشخاص الذين تسلموا مسكوكات مسبقة الدفع سابقا”.
ونقلا عن موقع مجلس الشورى الإسلامي أضافت سعيدي أن “المشروع سيضم موادا تخص القروض التي تمنح للراغبين بشراء المسكوكات، ولن يشمل القانون المشترين بمالهم الشخصي، وهذا قد يعني عدم حل المشكلة كليا”، لكن النائبة في اللجنة الاقتصادية معصومة أقا بورنفت في تصريحات لــ”العربي الجديد” :”وجود مشروع من هذا القبيل، تم تقديمه للمعنيين لمناقشته كقانون في البرلمان، مضيفة أن كل ما يتعلق بمسألة الذهب لم يصل أساسا للبرلمان”.
ارتفاع حالات السرقة والاحتيال
يحتفظ الإيرانيون بالمسكوكات الذهبية في منازلهم، فيما يستأجر آخرون خزانات موجودة في بعض المصارف التي يحددها البنك المركزي، مقابل مبلغ خمسة آلاف تومان للمسكوكة الواحدة، كما يتوفر خيار الاحتفاظ بها في خزنات بورصة طهران، مقابل دفع 20 ألف تومان عن المسكوكة لليوم الواحد، على أن يتم تشغيلها في البورصة وقد يحصد صاحبها أرباحا، بحسب وكالة مهر الإيرانية.
وأدت خشية المواطنين من تعرضهم لخسارة ذهبهم، إلى تخبئته في المنازل، وهو ما أدى إلى ارتفاع حالات السرقة وفقا لقائد شرطة طهران حسين رحيمي الذي ذكر في تصريحات صحافية أن الشرطة اعتقلت 510 سارقين، وأن نسبة الجرائم الصغيرة ارتفعت مؤخرا بنسبة 5٪، داعيا المواطنين الذين يحتفظون ببيوتهم بكميات كبيرة من الذهب والعملة الصعبة إلى أخذ الحيطة.
وضمن التداعيات ثارت قضية مؤسسة “سكه ثامن” التي يديرها فرهاد زاهدي فر، التي تعمل في بيع وشراء المسكوكات الذهبية وحتى السبائك التي تزود بها الصاغة، كما أنها شركة استيراد وتصدير، وفي سبتمبر/أيلول الفائت لم تسدد ما عليها للزبائن، وأعلنت إفلاسها واتهمت بالاختلاس وفر صاحبها خارج البلاد، وأعلنت السلطة القضائية أن 600 شكوى تم تقديمها بحق “سكه ثامن”، وفي مؤتمر صحفي يوم الأحد 14 أكتوبر/تشرين الثاني أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين محسني اجئي عن إلقاء القبض على زاهدي فر بعد إعادته للبلاد، فيما أكد المدعي العام في طهران عباس جعفري دولت أبادي أن ستة أفراد متهمين بذات الملف يخضعون للتحقيقات.
وبعد امتلاء الإنترنت بمواقع كثيرة تشجع الإيرانيين على شراء الذهب وتعطيهم نصائح عن التوقيت المناسب لبيعه، مثل زريك وسكه سرمايه، إلى جانب بعض المواقع الإخبارية التي تعطي نصائح عن التوقيت الأنسب لشراء الذهب وليراته، كشف رئيس اتحاد الذهب والمجوهرات أن الاتحاد لم يمنح أي ترخيص لأي موقع إلكتروني لبيع وشراء الذهب والمسكوكات، محذرا من التجارة عبرها، وذكر أن 3 آلاف شخص كانوا ضحية لعمليات احتيال من مواقع أخذت مبالغ أو مسكوكات ذهبية منهم على أساس أنها تقوم باستثمارها، وأشار إلى أن وزارة الصناعة ومركز تقنية المعلومات التابع لوزارة الثقافة منح تراخيص لبعض هذه المواقع الالكترونية، لكن اتحاد الذهب لا يتحمل مسؤولية الأمر، لأنه لا يتعامل معها كإحدى الجهات الرسمية لتلبية احتياجات المواطن من الذهب، كما قال لوكالة إيسنا في 18سبتمبر/أيلول الماضي، بينما كشف قائد الشرطة الإلكترونية الإيرانية كمال هاديان فر إن السلطات تعرفت على أصحاب ألف و381 موقعا إلكترونيا وقناة على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي تتاجر بالذهب، وقامت بغلق 522 منها، واستدعت مئتين منهم للتحقيق.
العربي الجديد