أقر محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، بأن سبعة مليارات دينار (5.83 ملايين دولار) تعرضت للتلف بسبب غرق خزائن مصرف الرافدين الحكومي، نتيجة دخول مياه الأمطار إليه، في إعلان هو الأول من نوعه من محافظ المركزي، وذلك بعد نحو شهرين من الحادثة التي كشف عنها أعضاء في البرلمان، والتزم المركزي الصمت حيالها آنذاك.
وقال العلاق خلال جلسة استماع داخل البرلمان، مساء الإثنين: “لقد دخلت المياه إلى خزائن مصرف الرافدين وتسببت بضرر للأوراق النقدية”، مضيفاً: “المبلغ المثبت لم يكن 10 مليارات دينار، بل في حدود 7 مليارات موزعة على أوراق بفئات مختلفة”.
وتابع: “لسنا بصدد النظر إلى الأمر على أنه خسارة هذه المبالغ، بل قيمة طبع الورقة النقدية الواحدة التي تكلف عادة بين 2 و 4 سنتات”. وحينما سأله رئيس البرلمان محمد الحلبوسي “هل كان التلف 100%، أجاب العلاق: نعم”.
ووفق مصادر برلمانية لـ”العربي الجديد”، فإن البرلمان طلب من البنك المركزي صوراً ودلائل تدعم رواية محافظ المركزي، وفتح تحقيق واسع في الحادثة.
ووفق مسؤول في الدائرة القانونية بالبرلمان في اتصال هاتفي لـ”العربي الجديد”، فإن هناك أعضاء في البرلمان بدأوا أمس الثلاثاء حراكاً لجمع توقيعات لإقالة محافظ البنك المركزي ومدير مصرف الرافدين بتهم الفساد والخلل الوظيفي.
وقال إن البنك المركزي بات مطالباً بصور وتسجيلات مصورة تؤكد حقيقة الأمر، والكشف عن مكان السبعة مليارات دينار التالفة، كما أنه ملزم بالإجابة عن سبب عدم إعلانه ذلك قبل أن يتم كشف الموضوع من قبل نواب في البرلمان عبر مصادر لهم.
وكانت النائبة في البرلمان ماجدة التميمي، قد كشفت في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، عن تلف أموال عراقية داخل مصرف الرافدين، لكنها ذكرت أن المبالغ التي طاولتها المياه بلغت 12 مليار دينار، متهمة المسؤولين بالإهمال. وطالبت التميمي بالكشف عن مصير هذه الأموال وكيف توضع بهذا الشكل حتى تصلها الأمطار وما نوع أو طريقة خزنها.
وقال عضو في البرلمان لـ”العربي الجديد”، إن هناك شكوكاً في عدم صدق المحافظ، أو أنه أخفى حقائق أخرى لا يريد كشفها.
في هذه الأثناء قال الخبير في القطاع المصرفي حسن جمعة في تصريح خاص لـ”العربي الجديد”، إن هذا الإعلان سابقة لم تحدث من قبل في كل المصارف، مضيفاً: “هذا المبلغ يجب أن يودع في خزائن البنك وهي حديدية مغلقة مقاومة للكسر والحرق والغرق ولا يمكن حتى الهواء أن يدخل إليها”.
وتساءل: “كيف يمكن أن نُطمئِن المودعين على أموالهم، وكيف يمكن جذب الأموال والودائع إذا كانت 7 مليارات دينار أو أكثر منثورة في الأرض بقبو داخل البنك، هذا عبث واستهتار وسيؤثر على سمعة القطاع المالي العراقي ككل”.
ناشطون ومواطنون اعتبروا الحادث جزءاً من الفساد المالي المستشري في البلاد. وكتب الناشط حمودي النجفي عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “سؤال يطرح نفسه: لماذا لم يتم نشر صور السبعة مليارات دينار التي أفسدتها مياه الأمطار في مصرف الرافدين؟”. وقال الناشط عمر جمال “مياه الأمطار تدخل المصرف وتتلف مليارات! هل يوجد عاقل يصدق هذا الكلام”.
ووصف محللون ماليون الحادثة بالفضيحة المدوية. وقال الخبير المالي راضي الربيعي: “ليس من المعقول أن يقوم مصرف حكومي بخزن العملة في أماكن معرضة للحرائق أو الفيضانات”.
وتابع: “هناك شبهات كثيرة حول هذه الفضيحة المدوية، لماذا لم يعلن محافظ البنك المركزي عن الحادث في وقته؟ ولماذا يحاول تقليل حجم المبلغ من 12 مليار دينار إلى 7 مليارات فقط؟ وكيف غرقت الأوراق النقدية في خزائن المصرف؟ وكيف دخلت مياه الأمطار أصلاً إلى داخلها بينما يفترض أن تكون محصنة”.
ورأى المحلل السياسي واقد الموسمي أن “هذه القضية لا يجب أن تمر مرور الكرام، ولا بد من تحقيق على أعلى المستويات فإن لم يكن هناك تعمُّد في إخفاء هذه الأموال أو إتلافها فهو فشل ذريع وفاضح للإدارة المصرفية في البلاد”.
وفقاً لتقديرات سابقة أصدرتها اللجنة المالية في البرلمان، فإن حجم خسائر العراق جراء الفساد في السنوات الاثنتي عشرة الماضية بلغ نحو 450 مليار دولار، من بينها 360 مليار دولار خلال فترة حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية (2006 ـ 2014).
وأعلنت هيئة النزاهة العراقية في وقت سابق من العام الجاري أن الأموال التي رُصدت وأعيدت للدولة خلال العام الماضي 2017 بلغت 938 مليار دينار عراقي (800 مليون دولار)، دون أن تذكر ما لم يتم كشفه وخسره العراق بفعل جرائم الفساد المالي والإضرار بالمال العام.
العربي الجديد