أطلقت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة النسخة العربية من كتاب “دليل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات”، الثلاثاء، الذي شارك في وضعه أكثر من 30 خبيرا لإنفاذ القانون من الدول الـ57 المشاركة في المنظمة والأوساط الدولية والعمليات الميدانية للمنظمة. وشارك في فعاليات إطلاق أول نسخة غربية من دليل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا خبراء وممثلون عن الدول العربية والغربية.
وأكد الوزير المفوض بسفارة السودان بالقاهرة خالد الخير أهمية إطلاق النسخة العربية من دليل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في المجال الأمني عامة والعمل الشرطي خاصة، حيث يغطي مساحة تزداد الحاجة إليها يوما بعد يوم، وقال “هو بالتأكيد لا يعني فقط نشاطا فكريا يقتصر على ترجمة كتاب من لغة إلى لغة وإنما يعني وضع لبنة مهمة في مجال التعاون الأمني والشرطي بين عالمنا العربي والشركاء في أوروبا في ظل عالم تتقلص المسافات بين أجزائه يوما بعد يوم”.
ورأى الخير أن العمل الشرطي والأمني لم يعد ذلك العمل الذي تحده حدود الجغرافيا والمكان وينكفئ على الدولة القطرية بحدودها المعروفة، بل أصبح يتداخل مع بعضه البعض بسبب تنامي الجريمة العابرة للحدود وظهور الجرائم الإلكترونية أو ما يعرف بجرائم المعلومات وجرائم أخرى مثل الاتجار بالبشر والمخدرات والهجرة غير الشرعية وغيرها من الجرائم غير التقليدية.
ويعتقد الخير أن العمل الشرطي “يتخذ بعدا عالميا في مجمله وإن اقتصر على حماية الأمن داخل الدولة القطرية باعتبار أن الأمن الدولي بات يتشكل من منظومات العمل الأمني داخل الدول ليتكامل في مجمله ويمنحنا منظومة أمنية كونية متكاملة”. وأشار خالد الخير إلى أن “العمل الشرطي لم يعد ذلك العمل التقليدي الذي يقتصر دوره على مطاردة المجرمين، وإنما أصبح أكثر تطورا مع تطور الجريمة نفسها، وتعدد أشكالها ووسائلها. وبما أننا نعمل معا لتحقيق غاية مشتركة وهي الحفاظ على العالم الذي نعيش فيه وحمايته من الجرائم المهددة للأفراد وللاقتصاد والبيئة والنسيج الاجتماعي والآثار والتراث، فإنه يتحتم علينا تعزيز فرص التعاون بين أجهزتنا الأمنية عبر مؤسساتها المختلفة”.
وأكد أن “مثل هذه الأعمال تعد خطوة مهمة لوضع الأسس الكفيلة بتعزيز العمل مع شركائنا في مجال العمل الأمني والشرطي”.
ولا تقتصر فوائد الدليل على أوروبا فحسب، وإنما أيضا تمتد لتشمل كل المنظومة الكونية بما فيها العالم العربي الذي تربط دوله اتفاقيات تعاون في المجال الأمني والشرطي مع الدول الأعضاء في المنظمة.
وأشارت رئيسة الجلسة مديرة إدارة أوروبا والتعاون العربي الأوروبي بجامعة الدول العربية رانيا أوراغ إلى أن التعاون بين جامعة الدول العربية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا يعد إحدى الآليات التي يسعى الجانبان العربي والأوروبي إلى تطويرها لتكتمل مسيرة التعاون الشامل بينهما من خلال إقامة فعاليات وأنشطة مشتركة.
ولفتت أوراغ إلى ورش العمل التي عقدت بين خبراء جامعة الدول العربية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ولقاءات الأمين العام للجامعة مع أمين عام المنظمة والتي كان آخرها الشهر الماضي في فيينا خلال ورشة عمل لتبادل الخبرات.
تطور العمل الشرطي
تطرقت جوليا منتيني ممثلة الرئاسة الإيطالية للمنظمة إلى ما يواجه العالم من تحديات أمنية وضرورة تبادل المعلومات بين الأجهزة الشرطية والأمنية وتحليلها من خلال خبراء أكفاء وتقديمها لرجال إنفاذ القانون للحيلولة دون ارتكاب الجريمة. ولمكافحة الجرائم أكدت راسا أوستروسكايت منسقة أنشطة التصدي للتهديدات العابرة للحدود الوطنية في المنظمة أهمية تشاطر المعلومات بعد تجميعها وتحليلها. وقالت “إن العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات ينطوي على إمكانيات كبيرة بوصفه نموذجا حديثا لإنفاذ القانون، الأمر الذي يقود إلى نتائج إيجابية، ولكن نجاحه يعتمد إلى حد كبير على شروط خاصة من بينها الدعم السياسي ووعي الإدارة العليا ومدى التزامها بهذه الجهود”.
وأوضح أرنار جنسن مستشار التحليل والإبلاغ ومدير دليل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن “أول تطبيق للدليل كان في المملكة المتحدة في تسعينات القرن الماضي حيث استخدم في الأساس لمواجهة الجريمة الخطيرة والمنظمة، لذلك شجعت النتائج الواعدة في السنوات الأخيرة سلطات إنفاذ القانون على مد نطاق المنهجية الاستباقية التي تستهدي بالاستخبارات لتشمل جميع مجالات الشرطة بوصفها نموذج أعمال شاملا”.
ويركز العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات على جمع البيانات والمعلومات وتقييمها بصورة منتظمة، وذلك عبر عملية تحليل محددة، وتحويلها إلى نواتج تحليل استراتيجية وأولية تصبح بمثابة الأساس الذي يبنى عليه صنع قرار محسن ومستنير وقائم على الأدلة.
ولفت جنسن إلى أن هناك “اثنين من التحديات الرئيسية التي تواجه المكلفون بإنفاذ القانون اليوم: استمرار زيادة تقدم الجرائم وطابعها العابر للحدود الوطنية، وكذلك تعزيز الطلب العام على الكفاءة المالية، أي فعل المزيد مقابل تكلفة أقل”.
ويتناول الدليل، نموذج العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات، هذه التحديات، وتوصل إلى ضرورة تحديد الأولويات المستندة إلى استخبارات والنص عليها وإسناد المهام وتخصيص الموارد المتاحة وفقا للأولويات المحددة.
حلول تطبيقية
لا يقدم الدليل فقط النموذج النظري للعمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات ولكنه أيضا يقدم أدوات وحلولا عملية لتطبيقه، عبر تحديد آليات واضحة ومحددة للاستخبارات الجنائية، وإجراءات صنع القرار والهياكل التنظيمية على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية، ويشمل الممارسات اليومية للعمل الشرطي والتخطيط الاستراتيجي الاستباقي وخطط العمل التنفيذية، بالإضافة إلى وسائل التصدي للجريمة الخطيرة والمنظمة.
وعلاوة على ذلك، يوضح الدليل كيف يمكن للعمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات أن يكمل وبشكل كبير الشرطة المجتمعية، حيث تتكاتف الجهود لتكون أدوات فعالة لمواجهة الإرهاب والتطرف العنيف والراديكالية المؤديين إليه.
وأشار جنسن إلى أن تحليل الاستخبارات الجنائية يحظى بأهمية كبيرة في العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات مقارنة بالنماذج الأخرى الحديثة للعمل الشرطي. وهذا يتطلب تعزيزا للمهارات والكفاءات وفي بعض الأحيان يتطلب مهارات تحليلية جديدة في إطار إنفاذ القانون.
ويعتمد التركيز الاستباقي والاستشرافي للعمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات على مديري إنفاذ القانون لمعرفة كيفية التعامل مع المحللين والاستفادة من النواتج التحليلية في صنع قرارهم وتخطيطهم. ومن ثم عند اعتماد العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات وتطبيقه، يجب أن يكون هناك تركيز محدد على إعداد وتدريب القيادة والإدارة العليا والوسطى في إطار إنفاذ القانون.
وتبين البحوث في الدليل أنه إذا أريد تطبيق العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات بكامل إمكانياته، فإن الدعم السياسي ووعي الإدارة العليا والوسطى والتزامهما بمثابة أمر حيوي، وقد وردت في هذا الدليل شروط أخرى أساسية مهمة لنجاح تطبيق العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات وتشمل: أجهزة متعددة تعمل على نفاذ القانون، وآليات واضحة لإسناد المهام، وتحويل ثقافة “الحاجة إلى المعرفة” إلى ثقافة “الحاجة إلى المشاركة”، وتوفير قنوات اتصال تستخدم تكنولوجيا المعلومات لإرسال المعلومات، وقواعد بيانات تحليلية ومحللين ماهرين، وهياكل تنظيمية تدعم العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات.
ويؤكد الدليل، وفقا لجنسن، الالتزام المطلق لجميع أجهزة إنفاذ القانون باحترام حقوق الإنسان ومبادئ حماية البيانات والتقيد بها عند تطبيق العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات. وعليه يجب أن يكون جمع البيانات والمعلومات ومعالجتها واستخدامها ممتثلا في جميع الأوقات امتثالا تاما للقوانين الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وقدم الدليل أمثلة على تطبيق العمل الذي يستهدي بالمعلومات كنموذج الاستخبارات الوطنية، من ذلك المملكة المتحدة، والسويد والجبل الأسود وصربيا، لافتا إلى أنه ينبغي “أن تعمل الشرطة المعنية بالأحياء السكنية على استقاء المعلومات وينبغي أن تدمج تلك المعلومات في عملية نموذج الاستخبارات الوطنية وأن تساعد في تنشيطها”، مشيرا إلى أن “هناك مجالا واحدا يمكن أن تكون فيه الشرطة المجتمعية هي الخيار الممكن الوحيد لجمع معلومات مفيدة من المجتمع، وهو في حالة مكافحة الإرهاب”.
وذهب العديد من المراقبين إلى القول بأن “الشرطة المجتمعية ستكون أكثر فعالية في جمع المعلومات المحلية والاستخبارات المحتملة وأكثر انسجاما مع التوقعات العامة للشرطة في الدولة الديمقراطية منها الأساليب السرية وغيرها من تقنيات الاستخبارات”. ووفقا للدليل فإن العمل الشرطي السليم يعني منع الإرهاب بشكل كفء وبالتالي شروط المهنية يجب أن تتوفر في العمل الشرطي، وهي أمر أساسي في الكشف عن الاستخبارات المرتبطة بالأنشطة الإرهابية والجرائم التقليدية، ومن شأن هذا التوجه أن يمكن إدارات الشرطة المحلية من إشراك ضباط العمليات بالمزيد من الفعالية وتعزيز الفكرة القائلة بأن الإنفاذ ومنع الجريمة ومكافحة الإرهاب هي أمور مترابطة، ويساعد هذا النهج في موازنة التركيز الحالي على أنشطة مكافحة الإرهاب والجهود التقليدية لمكافحة الجريمة ويرغب العديد من الضباط التنفيذيين في تحديد دورهم في محاربة الإرهاب. ويمكن لنموذج العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات أن يساعد في توضيح إسهاماتهم في هذا الجهد الأمني.
ويمكن لممارسات العمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات عن طريق التوجيه من الإدارة والتدريب الملائم أن تعطي جميع مسؤولي إنفاذ القانون رؤية واضحة لدورهم في منع ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والراديكالية المؤديين إليه. وإذا كانت القنوات الهيكلية والإجرائية للعمل الشرطي الذي يستهدي بالمعلومات فعالة وتعمل بصورة جيدة، تصبح تبعا لذلك جمع المعلومات وتقديمها جزءا لا يتجزأ من الواجبات اليومية لجميع أجهزة إنفاذ القانون بما في ذلك الشرطة العامة وشرطة الحدود والخدمات الجمركية. كما يمكن للسياسات والبرامج الهادفة إلى إقامة اتصالات وبناء الثقة مع المجتمعات المحلية بما في ذلك الأعمال التجارية والجمعيات الدينية وقادة الشباب والتعليم والمراكز الثقافية، أن تساعد في منع التطرف العنيف والإرهاب والتصدي لهما.