طُويت صفحة التعديل الحكومي في تونس بإقراره في البرلمان بعد خلافات بين رأسي السلطة التنفيذية و داخل الائتلاف الحاكم. فكيف يبدو المشهد السياسي المتحرك قبل سنة من الانتخابات البرلمانية والرئاسية؟
نجاح الشاهد في تمرير تركيبته الحكومية المعدلة التي أقرها البرلمان في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الماضي بمعدل 130 صوتا تقريبا لكل وزير جديد، عبر عن تغيّر كان يتشكل في الخريطة السياسية، حيث بات الشاهد لاعبا سياسيا رئيسيا، وبدا أنه كسب الصراع مع معسكر نجل الرئيس في حزب نداء تونس.
وفي نظر البعض وضع التعديل الحكومي -مؤقتا على الأقل- حدا لأزمة سياسية استمرت أشهرا طويلة، وبلغت ذروتها بإعلان رئاسة الجمهورية اعتراض الرئيس الباجي قايد السبسي على التركيبة الجديدة المقترحة، في حين يرى البعض الآخر أن التغيير الحكومي كان مجرد مسكن للأزمة.
لم تطل أزمة اعتراض الرئيس على التركيبة الحكومية المقترحة بما أنه أشرف على مراسم أداء اليمين من قبل الوزراء الجدد، وكان أكد قبل ذلك التزامه بتطبيق الدستور الذي يمنح رئيس الحكومة صلاحية تعيين الوزراء (ما عدا وزيري الدفاع والخارجية)، وذلك باعتبار أن النظام السائد في تونس هو شبه برلماني.
التحالف الحاكم
بعد التعديل الوزاري، توسعت تركيبة التحالف الحاكم بانضمام حزب مشروع تونس وحزب المبادرة إلى الائتلاف الأصلي الذي كان يضم حزب نداء تونس وحركة النهضة وحزب المسار (غير الممثل في البرلمان) وبعض التكنوقراط أو المستقلين.
وظل حزب نداء تونس (46 نائبا من مجموع 217 نائبا في البرلمان) مهيمنا على التركيبة الحكومية الجديدة بتسعة وزراء من جملة 28 وزيرا، تليه حركة النهضة (68 نائبا) بأربعة وزراء، ثم حزب مشروع تونس (ليبرالي) بوزيرين وحزب المبادرة (ليبرالي منبثق عن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل) بوزير واحد.
ومن المفارقات أن نداء تونس استمر بأغلبيته في الحكومة رغم أن قيادة الحزب ممثلة في نجل رئيس الدولة، حافظ قايد السبسي، عارضت بشراسة التعديل الوزاري وقاطعت جلسة التصويت عليه، وكانت تدفع نحو رحيل الشاهد وحكومته برمتها بحجة فشلها، كما أنها طلبت من وزرائها الحاليين بالحكومة الاستقالة لكنهم لم يمتثلوا لها.
ولم يتحقق لهذه القيادة أيضا تشكيل المطلب الذي رفعته بتشكيل حكومة لا تضم حركة النهضة، وبذلك تكون خسرت على مستويات عدة.
ونداء تونس كان قد فاز بانتخابات 2014 وحصل على 86 مقعدا متقدما على حركة النهضة (69 مقعدا)، لكن الصراعات الداخلية أفقدته نحو نصف عدد نوابه في البرلمان، وفي حين انصهر مؤخرا داخله نواب حزب الاتحاد الوطني الحر (12 نائبا)، فقد غادره المزيد من النواب بعد التعديل الوزاري ليصبح العدد حسب آخر تحديث للبرلمان 46 نائبا.
الائتلاف الوطني
هي كتلة برلمانية تشكلت أواخر أغسطس/آب الماضي وجل أعضائها من النواب المستقيلين من حزب نداء تونس، والبقية من أحزاب صغيرة على غرار حزب آفاق تونس.
وقد تشكلت هذه الكتلة كنتيجة مباشرة للصراع داخل نداء تونس، وكان من تجليات هذا الصراع تجميد عضوية الشاهد وآخرين في الحزب، لكن ذلك لم يضعف رئيس الحكومة الذي اتهم أواخر مايو/أيار الماضي نجل الرئيس والمحيطين به بتدمير النداء.
ويتردد الآن حديث عن حزب سياسي قد ينبثق عن كتلة الائتلاف الوطني ليكون قاعدة سياسية للشاهد الذي يُروج أن له طموحا لرئاسة تونس، رغم أن حركة النهضة كانت تلح على أن لا يكون هو وأعضاء حكومته معنيين بالانتخابات المقبلة لتبرهن أنها لا تدعم شق الشاهد على حساب شق نجل الرئيس في أزمة نداء تونس.
وباتت الحكومة التونسية في نسختها الجديدة ملونة أكثر سياسيا، فهي تجمع الإسلاميين والليبراليين، بمن فيهم أعضاء من الحزب الحاكم السابق المنحل على غرار وزير الوظيفة العمومية كمال مرجان (وزير الدفاع والخارجية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي)، وشخصيات يسارية على غرار وزير الفلاحة سمير بالطيب من حزب المسار، فضلا عمن يُصنفون مستقلين أو تكنوقراط.
قضية التوافق
جاء انضمام حزب مشروع تونس بقيادة محسن مرزوق إلى حكومة الشاهد المعدلة بعدما وُصف بتقارب بينه وبين حركة النهضة في الفترة الأخيرة.
وتحدث رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني مؤخرا عن توافق حصل بين الطرفين، وعن انتهاء الصراع الإيديولوجي بينهما، وكان مرزوق -الذي أسس مشروع تونس بعد انسحابه من نداء تونس- عبر في السابق عن مواقف شديدة الانتقاد للنهضة.
وقبل أقل من شهرين أعلن الرئيس الباجي قايد السبسي فجأة انتهاء التوافق الذي صنعه مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وقال إن ذلك كان بطلب من الحركة التي أكدت بدورها أنها متمسكة بهذا التوافق الذي يُنظر إليه باعتباره عاملا أساسيا في نجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس عقب الأزمة الخطيرة التي هددت هذا المسار عام 2013.
وجاء إعلان السبسي على خلفية تمسك النهضة باستمرار حكومة الشاهد حفاظا على استقرار البلاد، وقد رأى في هذا الموقف دعما للشاهد في خلافه مع نجل الرئيس.
أحزاب المعارضة
تضم المعارضة في تونس أحزابا عدة يتراوح تصنيفها بين الديمقراطي الاجتماعي وأقصى اليسار، وأغلبها يهاجم منظومة الحكم الحالية، ويعتبر أنها مُنيت بفشل ذريع في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
وفي مقدمة القوى المعارضة الجبهة الشعبية (15 نائبا) التي تُصنف ضمن أقصى اليسار، وهي من أشد المنتقدين للحكومة الحالية (التي تولت السلطة في 2016)، ولطالما طالبت برحيلها.
وبالتوازي، تشن الجبهة منذ مدة حملة على حركة النهضة حيث تتهمها بأن لها “جهازا أمنيا سريا” قد تكون له علاقة باغتيال القياديين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013.
ويردد قادة الجبهة، وفي مقدمتهم حمة الهمامي، تلك الاتهامات باستمرار في وسائل الإعلام، بيد أن حركة النهضة تنفيها بشدة.
وبالإضافة إلى الجبهة هناك حزب التيار الديمقراطي الذي يطمح لأن يكون أحد الأحزاب الرئيسية في انتخابات 2019.
نجل الرئيس التونسي ثارت حوله شبهات توريث والده السلطة له (الأوروبية)
شبهات التوريث
في خضم الصراع داخل حزب نداء تونس بين جناحي يوسف الشاهد وحافظ قايد السبسي، اتهم بعض الساسة رئيس الدولة بأنه يعمل على تهيئة نجله لخلافته.
لكن الرئيس التونسي نفى ذلك مرارا، آخرها قبل يوم من التصويت على التعديل الحكومي الأخير، مؤكدا أن تونس لا تعرف مبدأ توريث الحكم.
المصدر : الجزيرة