اتجاه جديد: أسباب وتداعيات ظاهرة هروب المقاتلين من “داعش”

اتجاه جديد: أسباب وتداعيات ظاهرة هروب المقاتلين من “داعش”

3485

أثار قرار تنظيم “داعش” بإعدام 100 مسلح من مقاتليه الأجانب بتهمة الخروج عن التنظيم، ومحاولة الهروب من مدينة الرقة شمال سوريا، تساؤلات عديدةً حول أسباب وتداعيات هذا الهروب، خاصةً أنها لم تكن المرة الأولى التي يحاول فيها مقاتلون الفرار من “داعش”، وهو ما قد يُثبت خطأ الاعتقاد الشائع الذي حرص التنظيم على ترويجه، بأنه تنظيم عصي على التمرد وانشقاق المقاتلين، وهى الظواهر التي بدأت تتبلور تدريجيًا داخل العديد من التنظيمات المتطرفة على غرار “جبهة النصرة”.

أسباب متعددة:

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى هروب المقاتلين من التنظيم، أو من المناطق التي يُسيطر عليها، خاصةً أن هؤلاء قد تحملوا الكثير من العناء والمشقة بهدف الوصول إلى المناطق التي يُسيطر عليها، بهدف المشاركة في الجهاد من أجل تأسيس “الخلافة الإسلامية”، ويمكن تحديد أهم أسباب هروب المقاتلين من تنظيم “داعش” فيما يلي:

1- المعاملة التفضيلية للمقاتلين الأجانب، إذ يتمثل التحدي الأكبر الذي يُواجه تنظيم “داعش” في توحيد صفوف المقاتلين القادمين من مختلف الدول تحت مظلة “الخلافة”، وهو ما يبدو أن التنظيم لم ينجح فيه إلى حدٍّ كبير، فقد تصاعدت العديدُ من الخلافات والتوترات بين المقاتلين الأجانب والمحليين، والتي وصلت إلى حد تبادل إطلاق النيران بسبب المعاملة التمييزية، والحظوة التي يتمتع بها المقاتلون الأجانب على حساب المقاتلين المحليين، لا سيما من حيث الرواتب التي يتلقونها، والتي عادةً ما تكون أعلى بكثير من رواتب المقاتلين المحليين، كما أن المقاتلين الأجانب يعيشون في ظروف حياتية أفضل.

2- الأزمة المالية التي يُعانيها التنظيم، والتي دفعته إلى إجبار الكثير من المقاتلين على التقشف المادي لتعويض الخسائر التي يتكبدها التنظيم بسبب الهجمات المتتالية من جانب التحالف الدولي، بشكل اضطر معه بعض المقاتلين إلى إعادة النظر في استمرارهم في التنظيم، خاصةً أن العديد منهم قد التحق به بحثًا عن حياة أفضل في ظل “دولة الخلافة”.

3- صدمة الواقع، والتي يُعاني منها بعض الشباب الذين انضموا لـ”داعش” بهدف المشاركة في تأسيس ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية”، لكنهم فوجئوا بحجم التناقض بين الشعارت التي يتبناها التنظيم والممارسات التي تحدث على الأرض.

4- قسوة التنظيم في التعامل مع مقاتليه، ففضلا عن حالات القتل التي تعرض لها عددٌ كبيرٌ من عناصر التنظيم الذين كانوا يقاتلون في صفوفه لأسباب مختلفة؛ فإن ثمة قيودًا صارمة يفرضها التنظيم على مقاتليه، جعلت بعضهم، وفقًا لاتجاهات عديدة، يشعر بأنه رهن الاحتجاز. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن التنظيم أعدم أيضًا اثنين من مقاتليه على يد القيادي أبو إسلام الأنباري داخل معسكر “العكيرشي”، وهو أكبر معسكرات التدريب لعناصر “داعش”، بدعوى أنهما كانا يبحثان بإصرار عن جوازات سفرهما، وهو ما أثار الشك حول نيتهما الهروب. كما شهدت بداية العام الجاري هروب ثلاث فتيات بريطانيات من “داعش” وسط تكهنات بكونهن الفتيات اللواتي أقدمن على الانضمام للتنظيم بعد هروبهن من مسقط رأسهن في العاصمة البريطانية لندن.

5- أزمة القيادات، حيث شهدت الآونة الأخيرة اختفاء العديد من القيادات الملهمة لأعضاء التنظيم عن الأنظار لدواعٍ أمنية، مما أفقده الكثير من ثقله الرمزي، بالإضافة إلى خسارة التنظيم عددًا كبيرًا من القيادات التي بايعته مع أنصارها، الذين فضلوا الانشقاق بعد مقتلهم، خاصةً في ظل الضغوط التي يتعرض لها التنظيم بسبب العدد المتزايد من القوات التي تهاجمه من ثلاث جبهات على الأقل، بالإضافة إلى الضربات المتتالية من جانب قوات التحالف الدولي.

تداعيات مختلفة:

لجأ تنظيمُ “داعش”، بسبب الهروب المتكرر للعديد من المقاتلين، إلى تشكيل شرطة عسكرية لمراقبة المقاتلين الأجانب الذين يتخلفون عن تأدية مهامهم، حيث جرى اقتحام عشرات المنازل، واعتقال العديد من الجهاديين، بالإضافة إلى فرض قيود داخلية على التنقل بين المناطق التي يُسيطر عليها التنظيم، منها منع سائقي الشاحنات من نقل مقاتلين بدون موافقة القيادات العليا.

وقد أثارت محاولات الهروب تساؤلات عديدة حول مستقبل تلك الظاهرة؛ حيث اختلفت الرؤى في هذا الصدد؛ إذ اعتبر أحد الاتجاهات أن الأمر لم يصل إلى حد الظاهرة التي تُنبئ بمخاطر مباشرة على استمرارية التنظيم، وأنها لن تؤدي -بحال من الأحوال- إلى تداعي التنظيم من الداخل، ولن تتجاوز كونها حالات فردية، بما يعني أن التنظيم قادر على التغلب عليها وتجاوزها، حيث أنه أكثر تماسكًا وقدرة على التعامل مع هذه المحاولات. في حين اعتبر اتجاه آخر أن الأمر قد يُشكل انعكاسًا مباشرًا لصراعات داخلية في التنظيم ربما تؤدي مع مرور الوقت إلى حدوث شروخ عميقة في بنيان التنظيم قد تكون أحد أهم الأسباب في انهياره مستقبلا.

خلاصة القول، إن ظاهرة هروب المقاتلين من “داعش” ما زالت في بدايتها، ولا يُمكن القول إنها سوف تكون سببًا في انهيار التنظيم وسقوطه في المستقبل القريب، خاصةً أن حالات الهروب ما زالت في طور العمليات الفردية التي لا تصل إلى حد السلوك الجماعي للعديد من المقاتلين، ورغم ذلك يُمكن القول إن تداعيات هروب بعض أعضاء تنظيم “داعش” تظل رهنًا بقدرة التنظيم على التصدي لمشكلاته الداخلية، وإدارة الخلافات بين أعضائه، فضلا عن جذب أعضاء جدد، والترويج لصورة تختلف عن تلك التي يكشف عنها الهاربون من التنظيم، والتي قد تنعكس بشكل سلبي على وضعه خلال المرحلة القادمة.

المركز الاقليمي للبحوث والدراسات الاستراتيجية