لا يستطيع أي إنسان أن يقف وجها لوجه أمام نيران بحجم حريق كاليفورنيا الذي تدفعه رياح بسرعة سبعين ميلا (112 كيلومترا) في الساعة، لينتشر بقوة ويلتهم كل ما يأتي عليه بصورة لا يمكن توقعها. فهو يشبه تسونامي من لهب تهب عليه الرياح فتدفعه إلى آفاق واسعة ومساحات شاسعة جديدة.
هذه الرياح تعيق أيضا عمل فرق الإطفاء التي تكافح وتواصل العمل ليل نهار دون أن تتمكن من السيطرة على الحريق الهائل. الحرارة والدخان لا يطاقان وهما عاملان يجبران فرق الإطفاء على الابتعاد عن ألسنة اللهب، وبالتالي عدم القدرة على التعامل وجها لوجه مع الحريق الفعلي.
وفي ضوء انتشار النيران إلى مناطق غابية مسكونة صعبة التضاريس، كان من الصعب على سيارات الإطفاء التحرك والوصول.
ويعتبر الحريق الناشب حاليا منذ الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في “كامب فاير” شمال كاليفورنيا، أسوء حريق في تاريخ الولاية المعاصر، فقد قتل ما لا يقل عن 71 شخصا حتى الآن، ولا يزال نحو ألف آخرين في عداد المفقودين، بينما تواصل فرق الطب الشرعي بحثها عن المزيد من الضحايا خاصة في بلدة بردايس التي تحولت إلى ركام.
ويعيش في براديس -التي تقع على سفح جبال سييرا نيفادا، على بعد 130 كلم شمال ساكرامنتو عاصمة الولاية- نحو 26 ألف نسمة بينهم عدد كبير من المتقاعدين.
لماذا هو مرعب؟
ويحكي الأهالي روايات مرعبة عن فرارهم من النيران سيرًا حاملين القليل من الحاجيات، فيما غادر آخرون على عجل وسط سحب الدخان والنيران، فيما كانت ألسنة اللهب تلامس سياراتهم على الطرق التي انتشر فيها الكثير من السيارات المهجورة.
وقد تم إجلاء نحو خمسين ألف شخص بسبب الحرائق، ولا تزال السلطات تتلقى المزيد من البلاغات بشأن أشخاص لا يعرف مكانهم، أو يتعذر الاتصال بهم بعد مراجعة اتصالات الطوارئ التي وردت عند اندلاع الحريق.
وفي شيكو على بعد نحو 20 كلم غرب براديس، تم نصب مخيم يضم مئة خيمة في موقف أحد الأسواق، وإلى جانبه مركز لتوزيع الطعام والمياه والأقنعة والمستلزمات الصحية. وقالت السلطات المحلية إن العديد من مراكز الإيواء الطارئة امتلأت بالسكان، وهذا الاكتظاظ يسبب مشاكل صحية.
وبعد عشرة أيام من الحريق الذي اندلع أول مرة قرب ثاوزند أوكس شمال غرب لوس أنجلوس وامتد سريعا ووصل منتجع ماليبو البحري غرب المدينة، زادت مساحة الأراضي المحترقة إلى نحو 148 ألف فدان.
يقول خبراء الأرصاد إن جفاف المزروعات ساهم في انتشار الحرائق بالمناطق الزراعية، لكنهم ألقوا اللوم أيضا على قاطني المدن القريبة بسبب التوسع العمراني الذي ضم مناطق لم تكن مأهولة وغير مهيأة بشكل كاف لمواجهة مثل هذه الكوارث.
ولم ترد أية معلومات رسمية عن سبب اندلاع هذه الحرائق حتى الآن، ولا تزال التحقيقات مستمرة، لكن عددا من سكان الولاية تقدموا بدعوى قضائية بالفعل ضد شركة مشغلة لمحطة محلية لتوليد الطاقة، مدعين أن الحرائق في كامب فاير بدأت عند حدوث عطل في أحد خطوط كهرباء الجهد العالي المملوكة لهذه الشركة.
ماذا فعلت فرق الإطفاء؟
التصدي للحريق في هذه الظروف هو في الواقع اختبار لشجاعة وإقدام رجال الإطفاء الذين يضعون أنفسهم في مقام الذين يسعون لإنقاذهم. فقد تحولت المنازل في ماليبو إلى قطع من الجمر تنتشر مرة أخرى فتنقل الحريق -مثل العدوى السريعة- إلى مناطق أخرى، ويعد الدخول إليها مجازفة كبيرة وقد فقد بعض رجال الإطفاء أرواحهم.
وإذا كانت آليات الإطفاء متوفرة فإن نقص الماء في منطقة تواجه حالة من الجفاف يكون من العوائق التي تحد من كفاءة مواجهة الحريق.
تحاول فرق المكافحة استخدام تكتيكات مختلفة في عملها، فعندما تتوفر المياه والمضخات فإنها تستخدمها، وكذلك تحفر أخاديد لعزل النيران، وتضع حواجز اصطناعية وتزيل الأعشاب والأشجار الجافة عن طريق النيران لأنها تمثل وقودا للحرائق، رغم أن ألسنة اللهب تتخطاها من أعلى في كثير من الأحيان، مما يعني انهيار هذه الحواجز لتجبر حينئذ فرق الإطفاء على التقهقر إلى نقاط جديدة.
ويلجأ رجال الإطفاء أحيانا لمحاربة النيران بالنيران، عبر حرق الأعشاب في المناطق التي يتوقع أن تنتشر فيها الحرائق، في خطوة استباقية لوقف تمدد النيران وتوسعها، وهي محاولات نتائجها محدودة.
عندما تنطلق النيران إلى المناطق المأهولة النائية التي يصعب الوصول إليها -مثل ضواحي لوس أنجلوس- غالبا ما تستدعى لها طواقم مدربة خصيصا، فهؤلاء يواجهون مخاطر من سقوط الأشجار والدخان الحارق للرئة.
مصور ناشيونال جيوغرافيك مارك ثيسين هو رجل إطفاء متدرب، سافر إلى مناطق ساخنة ومشهورة بالحرائق مثل أستراليا وكاليفورنيا وواشنطن، لتوثيق ما يلزم لإخماد هذه الحرائق، فهو يقول عن رجال الإطفاء إن لدى كل رجل واحد منهم حافزا مختلفا لوضع حياته في مواجهة النار، ولكن في الغالب -بحسب ثيسين- فإن “الجميع تصيبهم لسعة من هذه النيران”.
المصدر : وكالات