عادل عبدالمهدي يعلن تمردا أبيض على عقوبات واشنطن ضد طهران

عادل عبدالمهدي يعلن تمردا أبيض على عقوبات واشنطن ضد طهران

التحدّي الذي تشكّله العقوبات الأميركية على إيران لحكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي ليس اقتصاديا فحسب، بل هو سياسي أيضا، والضغوط المسلّطة عليها ليس فقط مصدرها الولايات المتحدة الراغبة في التزام الجميع بتنفيذ عقوباتها، لكن أيضا طهران الراغبة في انخراط بغداد في خرق العقوبات وتضغط باتجاه ذلك عبر الجهات العراقية الموالية لها.

بغداد – رفض رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، الثلاثاء، أن تكون بلاده جزءا من منظومة العقوبات الأميركية على إيران.

وأصبحت تلك العقوبات مشغلا عراقيا من الطراز الأول، وموضوعا كثير التداول بين الأوساط السياسية في البلد بما يعكس الهاجس من الضرر الكبير الذي سيلحق بالعراق جرّاءها في حال طلبت واشنطن من بغداد أن تلتزم بها بصرامة، ما سيعكّر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العراقية الهشّة أصلا، ويعقّد مهمّة حكومة عبدالمهدي في مواجهتها.

وتنتقد أوساط سياسية واقتصادية عراقية اكتفاء الحكومة بالتعويل على إمكانية استثناء العراق من العقوبات، دون طرح بدائل وإعداد حلول عملية في حال لم تحصل بغداد على الاستثناء المنشود.

وحتى الآن تمكّن العراق من الحصول على استثناء ظرفي من العقوبات على إيران حتى يضمن تدفق الطاقة الكهربائية وبعض السلع الغذائية الضرورية من جارته الشرقية، لكن المشكلة تظل قائمة حين تنقضي مهلة الاستثناء المقدّرة بشهر ونصف الشهر.

وسيواجه العراق أزمة حادة في قطاع الطاقة الكهربائية في حال أصرت الولايات المتحدة على توقفه عن استيراد الكهرباء والوقود اللازمين لتشغيل محطات الطاقة من إيران.

وجاء حديث رئيس الوزراء العراقي بعد الكشف عن تلقيه اتصالا هاتفيا من وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين تكتّمت بغداد عن تفاصيله، فيما قالت مصادر إن المسؤول الأميركي أراد التأكيد من خلاله على وجوب التزام بغداد بتطبيق العقوبات المفروضة على طهران، مشيرة إلى امتلاك وزارة الخزانة الأميركية قائمة بالأفراد والهيئات والبنوك العراقية التي تم وضعها تحت المراقبة لمنع خرقها العقوبات.

وعمليا، يعتمد العراق في توفير نحو ربع حاجته من الكهرباء على إيران. وقال مسؤول عراقي إن “عبدالمهدي شدد خلال حديثه الهاتفي مع منوشين على ضرورة تمديد مهلة الـ45 يوما حتى يجد العراق بديلا”، مضيفا “أنّ المسؤول الأميركي لم يعط ردا مباشرا على الطلب”.

ولا يحتمل العراق في مرحلته الراهنة أي مصاعب اقتصادية إضافية من شأنها أن تؤثّر على الوضع الاجتماعي لمواطنيه المتحفّزين أصلا للاحتجاج على انتشار الفقر والبطالة وسوء الخدمات ومن بينها التزوّد بالمياه الصالحة للشرب والطاقة الكهربائية.

كما أن حكومة عبدالمهدي نفسها لا تزال تواجه مصاعب في بدء عملها والشروع بإدارة شؤون البلاد، في ظلّ عجز رئيسها عن استكمال تشكيلتها المنقوصة من ثماني حقائب وزارية بسبب صراعات الفرقاء السياسيين على الفوز بتلك الحقائب.

وقال عبدالمهدي، خلال اجتماع حواري مع أكاديميين عراقيين إن “الولايات المتحدة تريد فرض عقوبات على دول أو أشخاص، هذا الأمر يخص سياستها، وهذه ليست قرارات أممية”، مضيفا “المسألة هنا ثنائية ونحن لسنا جزءا من هذه المنظومة”.

ضغط مزدوج على بغداد من قبل واشنطن الراغبة في الالتزام بالعقوبات ومن قبل طهران الراغبة في دفع العراق إلى خرقها

وتساءل مراقبون علّقوا على هذا الكلام الذي وصفوه بالقوي “إن كان رئيس الوزراء العراقي بصدد الإعلان عن تمرّد على مطالب إدارة ترامب بشأن العقوبات، أم أنّه بصدد توجيه خطاب للاستهلاك المحلّي وخصوصا من قبل كبار الشركاء في العملية السياسية وجلّهم من الموالين لإيران والرافضين للعقوبات الأميركية المفروضة عليها”.

وأضاف عادل عبدالمهدي “نحن أيضا لسنا جزءا من أي عدوان على أي دولة أخرى، هناك مثلا دول تناصب الغرب أو تناصب الولايات المتحدة العداء. ونحن لا نقف ضد دولة مع دولة أخرى. وبصورة عامة نحن لسنا جزءا من منظومة أي بلد يستهدف أي طرف”.

وأشار إلى الجهود المبذولة لشرح الموقف العراقي لكلّ من طهران وواشنطن قائلا “نحن استطعنا إفهام الجانب الأميركي وكل الأطراف ومنها إيران بأننا ندافع عن ساحة العراق وعن مصالحنا الوطنية، ولن نلحق الأذى بأي دولة”.

وقام الرئيس العراقي برهم صالح السبت الماضي بزيارة إلى إيران مثّل ملف العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بندا رئيسيا على جدول أعمالها. وسبق لصالح نفسه أن عبر عن القلق من العقوبات رافضا أن تتحمّل بلاده وزرها.

وقال عبدالمهدي “موقفنا الذي طرحناه على الجانب الأميركي هو لا تأتوا إلينا بأوامر. لديكم خطط وسياسات تناقشونها معنا. والعراق يتخذ منها موقفا. أما الإملاءات فنحن لا نقبل بها.. صحيح أن العراق بالنسبة للولايات المتحدة بلد ضعيف، لكننا استخدمنا تعبيرا للمرجعية الدينية العليا يقول العراق في وضع ضعيف لكنه غير مستسلم وهذا ما يحكم موقفنا”.

وتقول أوساط سياسية إنّ مصدر الضغط على العراق، في ما يتعلّق بموضوع العقوبات، ليس الولايات المتحدة وحدها، ولكن إيران أيضا التي تطلب من الحكومة العراقية عدم الالتزام بتنفيذ طلبات واشنطن، وأنّها تستخدم لهذا الغرض كبار الشخصيات السياسية وقادة الميليشيات النافذين.

وقد تجلّى ذلك بوضوح في مواقف أغلب تلك الشخصيات الرافضة قطعيا لأي التزام من قبل حكومة عبدالمهدي بالعقوبات الأميركية على إيران.

العرب