حين يتحدث كل من وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين في اليوم نفسه حول موضوع كاليمن، تكون آذان العالم صاغية. ففي الثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر قدّم وزير الدفاع جيم ماتيس معلومات تفصيلية حول النوايا الأمريكية المستقبلية خلال كلمة ألقاها في “معهد الولايات المتحدة للسلام، تبعه بعد ساعات قليلة بيان رسمي عن السياسة الأمريكية أدلى به مكتب وزير الخارجية مايك بومبيو. وكان فحوى التصريحين هو أن الولايات المتحدة تبذل جهوداً إضافية – تشمل المزيد من الضغط على الحلفاء – لدفع الثوار الحوثيين على حضور الجولة المقبلة من محادثات السلام المزمع إجراؤها في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر.
والواقع أن تصريحَيْ ماتيس وبومبيو يستحقان أن يُقرآ بالكامل لما يتضمّنانه من تفاصيل معبّرة تعكس المناقشات الأساسية عن السياسة العامة جرت داخل الحكومة الأمريكية ومع مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، وبعضها عُقِد على هامش “حوار المنامة” السنوي الذي أقيم بين 26 و28 تشرين الأول/أكتوبر. بيد أن تصريح بومبيو هو أكثر أهمية كونه بيان منضبط عن السياسات كان في طور الخضوع للمراجعة الأخيرة بين الوكالات في الوقت نفسه الذي تحدث فيه ماتيس. كما أن إعلان بومبيو يرسم عملية متعددة المراحل تشمل ما يلي:
- خطوات فورية لفكّ التصعيد: أشار كل من بومبيو وماتيس إلى ضرورة أن يوقف الحوثيون أولاً هجماتهم عبر الحدود، حيث ذكر بومبيو على وجد التحديد “ضربات الصواريخ و[الطائرات بدون طيار] من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”. ثم أضاف بومبيو “وبعد ذلك، يجب وقف الغارات الجوية للتحالف على كافة المناطق اليمنية المأهولة”. إن الهدف من هذه الخطوات هو تفادي الأحداث المفسدة التي قد يتذرّع بها أحد الأطراف لتبرير عدم مشاركته في جولة محادثات السلام المقبلة التي دعا إليها غريفيث.
- مفاوضات حول اتخاذ تدابير على المدى المتوسط لبناء الثقة: أشار كل من ماتيس وبومبيو إلى أن محادثات تشرين الثاني/نوفمبر ستتناول مواضع “جوهرية” (على حد قول بومبيو) من ضمنها “تدابير بناء الثقة… ونزع السلاح من المناطق الحدودية، وحصر كافة الأسلحة الضخمة تحت الرقابة الدولية” (وذكر ماتيس أن هذه الأسلحة تشمل “كافة الصواريخ التي وفّرتها إيران للحوثيين”). إلّا أن هذه القضايا لن تكون بسيطة أو سهلة للتفاوض، ومن المستبعد جداً حلها في أسبوع واحد من المحادثات. فتدابير بناء الثقة عادة ما تمثل برنامج عمل قد يمتد على ستّ جولات حوار جوهرية على الأقل، تفصل بين الواحدة والأخرى شهوراً من الإعداد. وقد تستغرق هذه العملية عام 2019 بأكمله، على أن تبرَم اتفاقات لوقف إطلاق النار – باختلاف فعاليتها ونطاقها – بالتزامن مع برنامج المحادثات.
- وقف الأعمال العدائية وإجراء حوار وطني متعدد الأطراف: يبدو أن الولايات المتحدة تخطط لمجموعة أعمق من المحادثات اللاحقة، حيث توقّع ماتيس أن محادثات كهذه “ستهيئ الظروف للعودة إلى المناطق التقليدية في اليمن وتشكيل حكومة تسمح بنسبة الحكم الذاتي المحلي الذي يريده الحوثيون أو أبناء الجنوب”. ويبدو أن ماتيس يصف عملية ممكنة لإعادة توطين قوات الحوثيين في محافظاتهم الأصلية، بالإضافة إلى منح الحكم الذاتي لمناطق الشمال والجنوب. ورغم أن بيان بومبيو الرسمي لم يأتِ على ذكر أيٍّ من ذلك، إلّا أنه من الممكن التكهّن بأن ماتيس لم يكتفِ بالكشف عن المرحلة النهائية التي يفكر بها غريفيث، بل أيضاً عن النتيجة التي تسعى الحكومة الأمريكية إلى تحقيقها.
ووفقاً لماتيس، الذي تربطه علاقات ممتازة مع قادة دول الخليج، فإن كلاً من الرياض وأبوظبي موافقتان على البرنامج، وقد صرّح في هذا السياق: “أعتقد أن السعوديين والإماراتيين على استعداد لذلك. وفي الواقع، لو لم ينسحب الحوثيون من المسعى الأخير الذي كان مارتن غريفيث يعمل عليه، ربما كنّا الآن في طريقنا إلى تحقيق هذا الهدف”.
من المنطقي جداً أن تعمل الرياض وأبوظبي وواشنطن معاً في هذه الفترة للتخفيف من حدة التوترات المحيطة بمسألة اليمن التي تستحوذ اهتمام الكونغرس الأمريكي. فبعد الانتخابات النصفية الأمريكية التي أجريت في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، من المرجح أن يتغير موقف الكونغرس بحيث ترى فيه الأغلبية في مجلسَي النواب والشيوخ بأنه يجب توجيه اللوم إلى السعودية بسبب الأزمة المحيطة بقتل الصحفي جمال خاشقجي وحرب اليمن. وهذا أمرٌ تحاول إدارة ترامب استباقه.
إذا أبدت دول الخليج تعاونها، سيصبح الحوثيون وإيران محور تركيز شديد. ففي 30 تشرين الأول/أكتوبر، لم يتوانَ ماتيس عن انتقاد إيران بإشارته إلى أن رموز النظام الإيراني “هم الذين يستمرون في تأجيج هذا الصراع وعليهم أن يكفّوا عن ذلك” وادّعى أن الولايات المتحدة “ستحاسبهم” على أي عمليات إضافية لنقل الأسلحة. ومن الممكن أن يتراجع التعاطف الدولي مع الحوثيين إذا ما انسحب الثوار من جولة لاحقة ثانية من محادثات السلام، حتى بعد أن يبذل غريفيث كل ما بوسعه لتلبية كافة طلباتهم اللوجستية واستيفاء شروطهم المسبقة. ونتيجة لذلك، ستكون محادثات السلام المقبلة اختباراً وإنما فخّاً أيضاً إذا ما أخطأ الحوثيون التصرف مرة أخرى.
وحتى الآن، لا يُعرف كيف يسهم أيّ مما ذُكر في تحسين إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية في اليمن أو في رفع القوة الشرائية لدى الأُسر اليمنية، لا سيما وأن هذه القوة الأخيرة تشكل السبب الرئيسي لسوء التغذية الحاد الذي تشهده البلاد. لقد اكتفى العديد من المراقبين العاديين لشوؤن اليمن باعتبار الحرب السبب الوحيد للمعاناة في البلاد، ولم يدركوا أن اليمن كان متجهاً نحو فشل الدولة قبل عام 2014 وأن وقف إطلاق النار سيترك معظم مسببات الكارثة الإنسانية دون تغيير. إنّ غياب أي حديثٍ عن تدويل ميناءي الحديدة وسليف على البحر الأحمر يشير إلى إمكانية استمرار تعرّض هذين الموقعَين – اللذين يتم من خلالهما الاستيراد – إلى الاضطرابات، في حين أن وضع هذين الميناءين تحت الإشراف الدولي ونزع السلاح من المناطق المحيطة بهما، والضغط على الحكومة اليمنية لدفع رواتب الموظفين المدنيين في جميع أنحاء البلاد، لا تقل أهمية عن التدابير التي ناقشتها الولايات المتحدة حتى الآن، على أمل أن يتم إضافتها إلى برنامج واشنطن في المستقبل القريب.