بيروت – أكدت مصادر سياسية لبنانية مقربة من تيار المستقبل أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري متمسك بالدستور، ولا توجد سلطة قانونية تنتزع تكليفه بتشكيل الحكومة.
وقالت المصادر في تصريح لـ”العرب”، “لا أحد بإمكانه إجبار الحريري على التخلي عن التكليف، إلا إذا اعتذر هو شخصيا”. مستبعدة أن يقدم اعتذرا لرئيس الجمهورية بشأن تكليف تشكيل الحكومة بالرغم من العراقيل التي يضعها حزب الله في طريق إعلان الحكومة.
وأثارت أوساط سياسية إمكانية ذهاب حزب الله إلى سحب تأييده لبقاء الحريري في مهمة تشكيل الحكومة. ورد الحريري، الأحد، على هذه الأنباء بقوله إنه “في نهاية المطاف يجب أن نصل إلى حلّ للأزمة الحكومية وعلى الجميع أن يعلم أن الدستور هو الذي يجمعنا”. وقال “كلنا للبنان ولبنان لنا جميعا لذلك علينا حمايته من الفساد والهدر والمخدرات ويجب أن نكافح من أجل لبنان”.
بالمقابل قال عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق، الأحد، إن “الأزمة الحكومية في لبنان تتفاقم وتتعقد، بسبب تنكر الرئيس المكلف لنتائج الانتخابات النيابية، ولحق النواب السنة المستقلين بالتمثيل الوزاري، لا سيما وأنهم يمثلون شريحة وازنة من اللبنانيين”.
وعزت المصادر السياسية تصريحات المسؤولين في حزب الله إلى رفع مستوى الضغوط التي تمارس على الحريري وطمأنة “سنة 8 آذار” المتحالفين داخل تكتل “اللقاء التشاوري” على استمرار التزام الحزب بالدفاع عن مطلب تمثيلهم داخل الحكومة المقبلة.
ويصف الحريري هذا التكتل بأنه مصطنع تم تشكيله خصيصا ليكون أداة بيد حزب الله لتعطيل تشكيل الحكومة. ويرفض الحريري حتى الآن الاجتماع بالنواب السنة المستقلين بصفتهم تكتلا، ويكرر أنه سبق أن استقبل الكتل التي كانوا ينتمون إليها. وتؤكد أوساط الحريري أن الأخير مستعد لاستقبال هؤلاء بشكل فردي وليس بصفتهم تكتلا سنيا مستقلا.
ولم يرصد المراقبون أي ليونة في مواقف حزب الله وتيار المستقبل حول العقدة المستجدة التي ظهرت بشكل مفاجئ بعد أن تمت حلحلة العقدتين، الدرزية والمسيحية، اللتين كانتا تعطلان ولادة الحكومة.
ويشترط الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، تمثيل “سنة 8 آذار” في الحكومة قبل أن يقدم الحزب (وحليفته حركة أمل ضمنا) أسماء وزرائه إلى الرئيس المكلف. إلا أن مصادر لبنانية مطلعة نفت وجود أي خطط لحزب الله لإسقاط تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.
وقالت هذه المصادر إنه رغم التوتر الحاصل بين الحزب والرئيس المكلف، ورغم تبادل الطرفين الاتهامات في شأن تحمل مسؤولية تعطيل الحكومة، إلا أن الحزب لا يطرح في الوقت الراهن الانقلاب على التسوية الرئاسية التي كان حزب الله شريكا فيها.
وكانت الصفقة التي تمت بين الحريري وفريق الرئيس اللبناني ميشال عون قد نصت على أن يبقى الحريري رئيسا للوزراء طوال فترة العهدة، واستبطن الاتفاق موافقة كاملة لحزب الله على هذا الاتفاق.
وكان الحريري قد هدد قبل أسابيع، وقبل ظهور عقدة “سنة 8 آذار”، أنه لن يعود إلى القبول بتشكيل الحكومة إذا ما اضطرته الضغوط للاعتذار عن مهمته. وقال عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل، علي حمادة، إن اعتذار الحريري لن يؤدي إلى تشكيل حكومة في لبنان، موضحا أن أي حكومة “لن تكون ميثاقية في غياب تيار المستقبل وغياب زعيم السنة في لبنان”.
ورأى حمادة أن حزب القوات اللبنانية لن يشارك في حكومة لا يرأسها سعد الحريري، ورجح عدم مشاركة تكتل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في حكومة دون تيار المستقبل والحريري.
ويلفت المراقبون إلى أن البعد الخارجي يلقي بظلاله على مفاجأة التعطيل التي فرضها حزب الله لوقف ولادة حكومة الحريري. وقال هؤلاء إن إيران التي تبحث عن سبل حماية نفوذها الإقليمي، تسعى حاليا من خلال ورقتي لبنان واليمن، إلى أن تكون لاعبا مقررا في تعطيل أو تسهيل أي حلول يتم تداولها إقليميا ودوليا.
والظاهر أن هذا البعد الخارجي هو الذي أوحى لرئيس الجمهورية ميشال عون بوصف أزمة تشكيل الحكومة بـ”العقدة الكبيرة” وهو ما جعل المراقبين يرجحون تأجيل البت في مصير الحكومة إلى السنة الجديدة.
ووصف عون، السبت، أزمة تشكيل الحكومة الجديدة في بلاده، بأنها لم تعد أزمة صغيرة. وأكدت أوساط قصر بعبدا أن الرئيس عون سعى في الأسابيع الأخيرة إلى تخفيف التوتر الذي شاب علاقته بحزب الله بعد إعلانه موقفا متضامنا مع الحريري في رفضه لتمثيل “سنة 8 آذار”.
ورغم صدور تصريحات عنه فُهم منها تراجع عن هذا الموقف، غير أن هذه الأوساط تؤكد أن عون منزعج من موقف الحزب الذي عطّل ولادة ما كان يعتبره “الحكومة الأولى” في عهده.
ورغم متانة التحالف بين حزب الله وعون، إلا أن بعض المراقبين ذكروا أن تحالفا كان موجودا بين الحزب والرئيس السابق ميشال سليمان، منذ أن كان قائدا للجيش اللبناني، انتهى في السنوات الأخيرة من عهد سليمان الرئاسي إلى فراق نتيجة تصادم منطق الدولة بمنطق الميليشيا.
ولفتت بعض المصادر العارفة إلى أن نصرالله كرر أن حزب الله يقف وراء القرار الذي يتخذه “اللقاء التشاوري”، بما فهم أنه دعم وتأييد، لكنه قد يكون مخرجا يُطلب من خلاله لاحقا إسقاط هذا اللقاء لـ”حقه” الوزاري في حال لاح ضوء أخضر من طهران يتطلب تبدلا في خيارات حزب الله لصالح تشكيل حكومة سعد الحريري الجديدة.
العرب