تركيا تجني شوك التحريض على السعودية

تركيا تجني شوك التحريض على السعودية

حاول حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توظيف قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عبر شن حملات سياسية وإعلامية مغرضة ضدّ السعودية في مساع للاستثمار في القضية، بهدف أن تعيد تركيا تشكيل تموقعها وعلاقاتها الجيوسياسية مراهنةً على وجوب فرض نفسها دوليا كقائد للعالم الإسلامي. إلا أن هذا التوظيف التركي جاء بعكس ما تنتظره أنقرة حيث لم تتبعه قرارات أميركية ضد السعودية خاصة بعدما أعلنت واشنطن مؤخرا أن أي تخفيض في مستوى العلاقات الأميركية السعودية سيلحق الضرر بالأمن الأميركي.

إسطنبول – منذ ثمانية أسابيع أمعنت أنقرة في تحريك أوراق قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، محاولة حشد أهم القوى الدولية وأبرزها الولايات المتحدة الأميركية وراء رواياتها المتناقضة بُغية حصد نقاط جيوسياسية ومغانم إقليمية ودولية.

ويعتبر مراقبون أن أنقرة التي شنت حملات ضد الرياض حاولت بالأساس التودد إلى واشنطن للمزيد من فرض الضغوط على السعودية، إلا أن النتائج الحالية جاءت مخالفة لكل انتظاراتها مع دعوة الولايات المتحدة إلى التهدئة في ما يخص القضية وخاصة بتزامن ذلك مع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الأرجنتين للمشاركة في قمة العشرين التي ربما يلتقي خلالها أردوغان.

وحاولت السلطات التركية في أكثر من مرة منذ اندلاع القضية التوغل في المزيد من استفزاز السلطات السعودية خاصة عبر تعمدها نشر روايات متضاربة حول القضية.

ومنذ البداية اصطدمت أولى تحركات تركيا لفرض المزيد من الضغوط على السعودية، باستقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الرياض لبحث قضية خاشقجي التي أكدت فيها واشنطن على أهمية العلاقات مع السعودية.

وبعد مرور شهرين على القضية تجد تركيا نفسها -وفق العديد من المتابعين- في موقف صعب بسبب تأييد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحازم لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وتقول العديد من المراجع إنه كلما طالت الفترة التي تقف فيها تركيا في وجه السعودية مطالبة بمعرفة من أصدر الأمر بهذه العملية زادت احتمالات أن تبدو معزولة في ضوء صرف الدول الأخرى الأنظار عن هواجسها والعودة إلى التعامل مع أكبر دول العالم تصديرا للنفط. كما أن طول فترة مواجهة أنقرة للرياض قد تعرض للخطر أيضا تقارب تركيا الهش مع واشنطن إذا دفعت بالرئيس الأميركي ترامب لاختيار الوقوف مع أي من القوتين الإقليميتين المتنافستين.

وسيبلغ المأزق التركي ذروته هذا الأسبوع في قمة مجموعة العشرين التي ربما يلتقي فيها الرئيس رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وفق ما ذكر مسؤولون أتراك.

وكان أردوغان قد أشار مرارا إلى أنه على الأمير محمد بن سلمان أن يجيب على أسئلة عن جريمة القتل دون أن يذكره بالاسم. وتحاشى أردوغان الحديث عن مقتل خاشقجي في خطبه الأخيرة الأمر الذي أثار تساؤلات عما إذا كان بصدد التخفيف من حدة موقفه تجاه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وقال مصدر سياسي رفيع المستوى قبيل سفر أردوغان لحضور القمة في الأرجنتين “ربما يعقد اجتماع، لم يتخذ قرار نهائي بعد”. وأضاف المصدر “السعودية دولة مهمة لتركيا ولا أحد يريد إفساد العلاقات بسبب مقتل خاشقجي”.

ولأردوغان علاقات طيبة مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز غير أن هذه العلاقات توترت بفعل فرض دول خليجية ومنها السعودية حصارا على حليف أنقرة الرئيسي قطر.

ويقول محللون إن أردوغان يعتبر التأكيد السعودي للذات -خاصة بعد فرض الحصار على قطر- تحديا لنفوذ تركيا في الشرق الأوسط.

ولم تنجح أنقرة -رغم تواصل روايات الكشف عن أدلة مقتل خاشقجي- في إثارة الغضب الدولي من السعودية على الشاكلة التي تريد خاصة أن بعض هذه الدول -وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية- أكدت مرارا أنه من الصعب التخلي عن السعودية كأحد الشركاء الاستراتيجيين.

وبعد أن صرح أردوغان بأن الأوامر بتنفيذ الجريمة صدرت على أعلى المستويات في القيادة السعودية، لم تأخذ القوى الغربية إجراء يذكر بحق المملكة التي تعد مشتريا كبيرا للسلاح الغربي وحليفا استراتيجيا لواشنطن.

وأبرز خطوة أميركية ملموسة حتى الآن قرار صدر في منتصف نوفمبر لفرض العقوبات على 17 مسؤولا سعوديا من بينهم سعود القحطاني أحد كبار معاوني الأمير محمد بن سلمان.

وفي الوقت نفسه وقف ترامب إلى جانب ولي العهد وقال إنه لا يريد تعريض عقود أميركية للخطر وتحدى بذلك ضغوطا شديدة من أعضاء الكونغرس لفرض عقوبات أشمل على السعودية.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الدفاع جيم ماتيس الأربعاء الماضي إنه لا توجد أدلة مباشرة تربط الأمير محمد بقتل خاشقجي وأن أي تخفيض في مستوى العلاقات الأميركية السعودية ردا على الجريمة سيلحق الضرر بالأمن الأميركي.

ويعتبر مراقبون أن مثل هذه الرسائل الأميركية هي صنيعة الرئيس ترامب وستدفع تركيا ورئيسها أردوغان لإعادة التفكير والكف عن حملات التحريض ضد السعودية.

وقال سنان أولجن الدبلوماسي التركي السابق والمحلل بمؤسسة كارنيغي أوروبا “في البداية كان الهدف هو الضغط على ترامب للتخلي عن تلك العلاقة”. وأضاف “وعلى النقيض يبدو أن ترامب قرر تعزيز تلك العلاقة ولهذا السبب يتعين إعادة التقييم في أنقرة لكيفية إدارة الأمر”.

وقال أولجن إن أولوية أردوغان هي تأمين التحسن المتواضع في العلاقات مع واشنطن منذ أفرجت محكمة تركية الشهر الماضي عن القس الأميركي الذي تم احتجازه عامين بتهمة الإرهاب.

وتابع “تركيا لا تريد تعريض رأس المال السياسي الذي كسبته في واشنطن للخطر من خلال المبالغة في قضية خاشقجي. وهذا هو الدافع الرئيسي”.

وشجع تأييد ترامب المسؤولين السعوديين على الإصرار على أن الأمير محمد لم يكن يعلم مقدما بالعملية. وقال وزير الخارجية عادل الجبير الأسبوع الماضي إن السلطات التركية أخبرت المسؤولين السعوديين بأنها لا تتهم ولي العهد بالتورط في العملية.

وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن وزيري التجارة من البلدين اجتمعا في إسطنبول الأربعاء الماضي وسيعملان على تشجيع الاستثمارات السعودية في تركيا وأن الشركات التركية ستتولى تنفيذ مشروعات في المملكة.

وعلى الأرجح سيكون أي تغيير في النهج التركي تدريجيا. فعندما تحدث أردوغان إلى الصحافيين قبل سفره من مطار إسطنبول الأربعاء لم يأت على ذكر السعودية.

وقال إيلتر توران أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيلجي التركية “السعودية لم تصدر حتى الآن بيانا مرضيا فيما يتعلق بجريمة القتل في إسطنبول”. وأضاف “الحكومة التركية لا تزال تجري التحقيق ومن المحتمل أن تقول إن من السابق لأوانه عقد اجتماع”.

وقال مسؤول تركي آخر إن الحكومة لا تزال تدرس الطلب السعودي لعقد اجتماع. وأضاف أنه إذا قرر الاثنان إجراء محادثات في بوينس أيرس فإن الحوار سيكون بشكل عام مطابقا لما دار في مكالمة هاتفية بينهما قبل شهر.

وقال المسؤول “تركيا ستكرر موقفها الحالي في الاجتماع إذا انعقد. وتركيا تريد تقديم كل المسؤولين عن جريمة القتل للعدالة وهي لا تطلب فرض عقوبة على السعودية”. وتابع “ليس واقعيا توقع تحسن كبير من ذلك الاجتماع لكنه سيمثل اتصالا ما”.

العرب