عادة ما يحيل التحالف بين مجموعة من القوى أو الدول إلى فكرة تكريس القوة واستثمار مميزات كل جهة في بناء خارطة تكتل مؤثر، إلا أن هذه الحالة لا تنطبق كثيرا على التحالف، الذي تتطلع إليه تركيا وإيران وقطر، حيث يكرّس حالة من الضعف أكثر منها حالة قوة، نتيجة الضغوط الخارجية والداخلية التي تواجهها الدول الثلاث، بشكل منفرد، كما الضغوط المشتركة بسبب أجنداتها السياسية وتدخلها في شؤون دول في المنطقة، وأيضا نتيجة تقاطع في المصالح الخاصة بكل دولة بعيدا عن الأخرى.
أنقرة – تشعر إيران وتركيا وقطر بتضييق الخناق عليها، مع تواتر الأزمات السياسية والدبلوماسية وتأثيرات ذلك على الاقتصاد، ومن ثمة على الوضع الاجتماعي. وفي مسعى للبحث عن نافذة تسمح لها بالتنفس في ظل هذه الاحتقان الذي يحيط بها من كل جانب تتحدث عن إرهاصات تشكل تحالف ما زال غير معلن بين تركيا وإيران وقطر لمواجهة ما تعتبره الدول الثلاث تحديات مشتركة وفي مواجهة مزاج دولي متحوّل حيال أنقرة وطهران والدوحة.
واعتبرت المصادر أن استحقاقات العام الجاري أظهرت وجود تقاطع في المصالح بين الدول الثلاث على خلفية التوتر في العلاقة الأميركية التركية، والمواجهة التي تخوضها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران، ومحاولة قطر الاستقواء بتركيا وإيران، في مواجهة الرباعية العربية التي تقاطعها، وإن كان ذلك لا يخفي أيضا أن هناك مصالح خاصة بكل دولة، فعلاقة قطر مثلا بالولايات المتحدة تختلف عن علاقة إيران بها.
ويتمحور التوتر التركي الأميركي حول تناقض خيارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع استراتيجية الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، لا سيما في ما يتعلق بسوريا.
وعلى الرغم من مسعى واشنطن وأنقرة إلى ترطيب الأجواء بينهما بعد أن أخلت السلطات التركية سراح القس الأميركي أندرو برونسون، إلا أن المسؤولين الأتراك والأميركيين ما زالوا يعبرون عن حالة فقدان ثقة بين واشنطن وحليفها التركي القديم داخل الحلف الأطلسي.
وتطالب أنقرة بتسليمها الداعية التركي فتح الله غولن المقيم اختياريا في بنسلفانيا في الولايات المتحدة. وتتهم تركيا غولن بأنه يقود ما تطلق عليه اسم “الكيان الموازي” الذي تتهمه بمحاولة الانقلاب التي جرت في يوليو 2016.
الأكراد في شمال سوريا
يتركز الخلاف الأميركي التركي أيضا على مسألة موقف الطرفين من التواجد الكردي في شمال وشمال شرق سوريا. ففيما تعتبر واشنطن أن القوات الكردية المنضوية داخل منظومة “قوات سوريا الديمقراطية” هي حليفة لها وإحدى الركائز الأساسية في الحرب ضد تنظيم داعش، ترفض أنقرة هذا التواجد وتعتبره خطراً على الأمن التركي الاستراتيجي، وتعتبر هذه الفصائل الكردية إرهابية وتمثل امتدادا سوريا لحزب العمال الكردستاني في تركيا والمصنف في أنقرة حزبا إرهابيا. ويضاف إلى هذه الملفات قضية داخلية تناقشها الأجهزة القضائية الأميركية.
وتستعد هيئة المحلفين الكبرى الأميركية إلى الاستماع لأدلة تتعلق بعمل مستشار الأمن القومي السابق بالبيت الأبيض مايكل فلين ممثلا لتركيا، وذلك بعد أيام من قول مكتب المحقق الخاص روبرت مولر إن فلين لن يودع السجن بعد تعاونه في قضية التنسيق بين الحكومة الروسية وحملة ترامب الانتخابية.
سعيد ليلاز: جزء رئيسي من العلاقات بين إيران وتركيا يكمن في العوامل الاقتصادية
سعيد ليلاز: جزء رئيسي من العلاقات بين إيران وتركيا يكمن في العوامل الاقتصادية
وتنظر واشنطن بعين الريبة إلى التقارب الجاري منذ سنوات بين تركيا وروسيا، لا سيما لجهة شراء أنقرة لمنظومة الصواريخ الروسية أس 400 للدفاع الجوي. وترى واشنطن أن اقتناء أنقرة لسلاح استراتيجي روسي دفاعي جوي يتناقض مع اقتنائها لطائرات هجومية أميركية، لا سيما تلك الحديثة من طراز أف 35.
وتستفيد طهران من هذه البرودة وهذا الحذر في علاقات تركيا والولايات المتحدة من أجل ضمان موقف تركي متضامن وربما متحالف في معركتها الحالية ضد إدارة الرئيس ترامب.
وكانت تركيا لعبت دورا حيويا نشطا في ازدهار اقتصاد مواز للالتفاف على العقوبات الأميركية والدولية التي فرضت على إيران خلال العقود الأخيرة. وشكّلت الأسواق التركية ملاذا آمنا للبضائع الإيرانية إضافة إلى استيراد تركيا تقليديا للنفط والغاز من إيران.
ويقول المحلل السياسي والاقتصادي الإيراني، سعيد ليلاز “إن جزءا رئيسيا من العلاقات بين إيران وتركيا يكمن في العوامل الاقتصادية، لأن اقتصاد البلدين مكمّل للآخر، وهو ما لا ينطبق على اقتصاد إيران والسعودية بوصفهما اقتصادين متنافسين”.
وأضاف أن “عدم التزام تركيا بالعقوبات لا يرجع بالطبع إلى حرص أردوغان الشخصي على مصالح طهران”، ولكن، وكما أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، فإنه “ينبع من حاجة أنقرة إلى النفط والغاز وإلى ارتفاع حجم التجارة الاقتصادية بين البلدين”.
وعلى الرغم من ضراوة العقوبات التي تفرضها واشنطن على إيران والتي توصف بغير المسبوقة، إلا أن موقف روسيا في إدانة العقوبات والتمسك بالاتفاق النووي المبرم مع إيران في فيينا عام 2015 يضاف إلى موقف تركيا المشابه، مع ترجيح أن يبقى السوق التركي نشطا في تأمين متنفس يساهم في الالتفاف على عقوبات واشنطن ضد إيران.
تقية سياسية قطرية
من جهتها، تسعى قطر لتموضع رسمي في المنطقة يبعدها عن المنظومات التي انخرطت بها في السابق. ولطالما مارست الدوحة تقية سياسية داخل المنظمات الإقليمية، ذاهبة إلى كشف خياراتها. ويرى المحللون أن تموضع قطر في حلف يجمعها مع إيران وتركيا بات احتمالا راجحا، وأن كافة الأعراض السابقة والراهنة توحي بذلك.
وأكّد أردوغان مؤخرا على أن “تركيا وقطر أظهرتا مرارا أنهما أصدقاء في وقت الضيق” وأن “قطر كانت واحدة من الدول التي قدمت أقوى دعم لتركيا على الساحة الدولية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، كما وقفت إلى جانب تركيا في مواجهة مبادرات المضاربة التي استهدفت اقتصادنا”.
وتشعر تركيا وقطر، اللتان تتشاركان انتهاج الإسلام السياسي قاعدة لأنظمتهما السياسية، وفي دعم وتمويل كافة أشكال الجماعات الإسلامية في العالم، أن المزاج الإقليمي والدولي المنقلب ضد التطرف الإسلامي وتنظيماته مقلق لهما ويستدرج تحالفا بات حقيقيا منذ إرسال تركيا قوات عسكرية للمرابطة في قاعدتها في قطر كرد فعل على قرار السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر.
ويرى مراقبون أن إعلان قطر عن انسحابها من منظمة الأوبك يمثل أعراضا أولى لتموضع سياسي مقبل داخل المشهد الدولي. ودعا هؤلاء إلى مراقبة الضجيج الذي أثارته وسائل الإعلام الممولة من الدوحة حول إمكانية انسحاب قطر من عضوية مجلس التعاون الخليجي.
لا يتوقع أن تأخذ مسألة التحالف بين تركيا وإيران وقطر بالضرورة أشكالا رسمية معلنة، إلا أن الأمر سيجري وفق خارطة طريق واضحة تربط مصير أنظمة الإسلام السياسي في المنطقة بعضها ببعض.
ودعا الخبراء إلى تأمل التحولات المقبلة داخل ملفات مشتركة عديدة، لا سيما في سوريا والعراق واليمن ولبنان، والتي بدا في الأشهر الأخيرة أن إعلام الدول الثلاث كما مواقفها تكاد تكون واحدة وتصدر وفق تنسيق مسبق مدروس.
العرب