مواجهة جيوسياسية توتر العلاقات الأميركية الروسية

مواجهة جيوسياسية توتر العلاقات الأميركية الروسية

نيويورك ـ تشير الدلائل إلى أن هناك مواجهة جيوسياسية غاضبة بين الولايات المتحدة وروسيا من الممكن أن تتحول إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولتين رغم احتمال عدم رغبة أي منهما فى حدوث ذلك.

وقد ذكر تقرير نشرته مؤخرا مجلة “ذا ناشونال انتريست” الأميركية، وشارك في كتابته كل من جيل دوجيرتى، وهى خبيرة في شؤون روسيا وعملت مراسلة للشؤون الخارجية لشبكة (سى.إن.إن.) الإخبارية الأميركية طوال 30 عاما، وهي حاليا باحثة بمركز ويلسون الأميركى للعلماء، وكذلك توماس زاموسنتى، الذي كان سابقا رئيسا لإدارة تحليل الشؤون الأوروبية الآسيوية في وكالة المخابرات المركزية، أن استراتيجية الولايات المتحدة الحالية تجاه روسيا لا تحقق نجاحا، بل على العكس فإنها تؤدي إلى زيادة قوة روسيا في الخارج، وإلى تقليص ممارستها الديمقراطية في الداخل.

ويشير التقرير إلى أن هناك تراجعا في توفر الآليات الدبلوماسية التي ساعدت في الحيلولة دون حدوث أي صراع مسلح أثناء فترة الحرب الباردة، كما أن هناك احتمالا بأن تنهار النظم الخاصة بالحد من سباق التسلح وكذلك إمكانية التحقق من ذلك. وفي الوقت نفسه فإن العقوبات الكثيرة للغاية التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا لم يكن لها أي تأثير واضح على السياسة الخارجية الروسية؛ حيث حققت روسيا تقاربا ملحوظا مع الصين، التى تعتبر المنافس الرئيسي للولايات المتحدة فى العالم. كما زادت جرأة روسيا في تحديها للولايات المتحدة وحلفائها، فى الوقت الذي تقوم فيه بتوسيع نطاق نشاطها التجاري والأمني على المستويين الإقليمي والعالمي.

وذكرت دوجيرتى وزاموسنتى في تقريرهما أن الاجتماعات الرسمية ومنتديات التفاوض بين الولايات المتحدة وروسيا لم تعد إلى حد كبير متوفرة في الوقت الحالي، كما أن الاتصالات بين المواطنين الأميركيين والروس تقلصت إلى درجة أنه لم يعد بإمكانهم فهم كل منهم الآخر، وأن هناك حاجة لمراجعة الاستراتيجية الأميركية تجاه روسيا، تحتم أولا تحديد المصالح الأميركية طويلة المدى؛ مع مراعاة أن الأمن القومي يمثل الاهتمام الرئيسي للولايات المتحدة.

وأشار الكاتبان إلى أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تمتلك القدرة على تدمير الولايات المتحدة بالأسلحة النووية، بالإضافة إلى أن موسكو تطور حاليا جيلا جديدا من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ما يمكنها من تجنب الدفاعات الأميركية.

كما أن روسيا لديها أساليب تمكنها من إحداث اضطراب في سير الحياة الأميركية الخاصة، بل أيضا تمكنها من تدمير الأسلحة الأميركية المتقدمة، وذلك من خلال القيام بهجمات سيبرانية ضد شبكات الكمبيوتر الأميركية.

فقد استطاعت روسيا على سبيل المثال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2016 لتقويض الديمقراطية الأميركية من خلال حملات التضليل. وأكد التقرير أنه من الطبيعي أن الولايات المتحدة أيضا تمتلك القدرة على إلحاق الضرر بروسيا، لكن هذا يعنى أن الدولتين سوف تنغمسان في عملية تبني للتدمير المتبادل.

وأشار التقرير إلى أن روسيا أيضا لها مصالحها الاستراتيجية التي في ضوئها يتعين- من أجل الحفاظ على الأمن الأميركي- محاولة فهم دوافع روسيا، وتحليل أهدافها بصورة موضوعية تساعد في التعرف على كيفية تحقيق الأهداف الأميركية أو مواجهة أي تصرفات روسية في المستقبل.

وذكر الكاتبان أن إعادة تقييم الاستراتيجية الأميركية تحتم الحاجة إلى المزيد من الآليات، وإلى أن تكون الاستراتيجية أكثر مرونة، من أجل توفير القدرة على التصدي للأخطار والتحديات من جانب روسيا، وأنه على الرغم من أن المواجهة قد تكون أمرا ضروريا في بعض الأحيان، فإنه يتعين مراعاة أمرين آخرين مهمين، وهما التنافس والتعاون بين الدولتين.

وفى جميع الأحوال فإن هذه الأمور الثلاثة: المواجهة، والتنافس، والتعاون خيارات سياسية مشروعة حسب ما يتطلبه الموقف، لكن يتعين دائما قياس المكاسب التي يحققها كل خيار بالمقارنة بتكاليفه وتداعياته المحتملة.

وألمح الكاتبان إلى أن الخيارات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة تمت على أساس افتراض أنها لا تسبب أي تكاليف للمواطنين ولا تلحق أي أضرار بالمصالح الأميركية المهمة، وقدما أمثلة على ذلك من بينها السماح بتقلص أو حتى انتهاء نظم الحد من التسلح، ومواصلة معاقبة الأفراد الروس والكيانات الروسية.

وأكد الكاتبان على ضرورة أن تتضمن الاستراتيجية الجديدة التأكيد على الاستقرار الاستراتيجي من خلال اتفاقيات للحد من التسلح يمكن التحقق منها، وبذل جهود مشتركة للحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية، وكذلك ضرورة امتلاك قدرة حرب سيبرانية هجومية ودفاعية إلى جانب الدخول في حوار مع روسيا وغيرها من الدول من أجل تعزيز الاستقرار الاستراتيجي فى المجال السيبرانى، بالإضافة إلى ضرورة أن تكون هناك من جديد اتصالات رسمية وكذلك اتصالات بين المواطنين الأميركيين والروس لضمان توفر قنوات حوار لإدارة التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا وتحسين التفهم المتبادل بين الدولتين.

وفى ختام تقريرهما، أكد الكاتبان أنه ليس هناك احتمال في أن تتحسن العلاقات الأميركية الروسية بدرجة كبيرة في المستقبل القريب، لكن يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات في الوقت الراهن لضمان ألا يؤدى التنافس المتزايد مع روسيا إلى تغيير المسارات بشكل يهدد المصالح الأمنية الأميركية الرئيسية؛ إذ أن جزءا من تأمين أمن الولايات المتحدة يعتمد على بناء المسارات إلى روسيا.

العرب