لا تزال إدارة الرئيس الأمريكى ترامب تُثير دهشة العالم وعجبه من تصرفاتها المتناقضة وسلوكها غير المتوقع ومبادراتها الفجة، وافتعالها الأزمات مع الجميع، الأصدقاء والحُلفاء والمنافسين والأعداء دون تمييز، مرة تحت شعار أمريكا أولاً، ومرة أخرى انتصارا لعنصرية الرجل الأبيض!، أو استعادة عظمة الولايات المتحدة..، وكم كان غريباً ومدهشا أن يدعو الرئيس ترامب الرئيس الصينى شى جين بينج على مائدة عشاء على هامش قمة العشرين فى بوينس إيرس ليناقشا معا وقف إطلاق النار فى الحرب التجارية المستعرة بين البلدين لأكثر من عام أملاً فى الوصول إلى تسوية سلمية فى غضون 90 يوماً، فى حضور جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى، فى الوقت الذى تُرتب فيه إدارة ترامب عملية اعتقال السيدة الصينية منج فانزهو مسئولة التمويل فى أكبر شركة لتكنولوجيا المعلومات فى الصين وأكبر شركات المحمول فى العالم، وابنة البليونير الصينى مؤسس الشركة وهى تقلع من مطار فانكوفر الأمريكى إلى كندا، بدعوى خرق العقوبات المفروضة على إيران، تطبيقاً لقانون محض أمريكى يريد الرئيس ترامب أن يفرضه على العالم أجمع، عرف الرئيس الصينى الخبر بعد أن انفض حفل العشاء وعاد إلى مقر إقامته لتثور ثائرة الصين التى طالبت بالإفراج الفورى عن السيدة الصينية مُتهمة الولايات المتحدة بخرق حقوق الإنسان. والمُدهش أن تجمع تصريحات المسئولين الأمريكيين على أن الرئيس ترامب لم يكن يعرف بخبر القبض على السيدة الصينية رغم أن مستشاره للأمن القومى جون بولتون كان يعرف بقصة القبض على السيدة منج لأن إدارته كانت ضالعة فى عملية القبض، ولأنه أكد أنه كان يعرف، ومن ثم يصبح السؤال مشروعاً، هل كان الهدف من القبض على السيدة الصينية فى هذا التوقيت تخريب فرص الاتفاق على تسوية للحرب التجارية المستعرة بين الصين والولايات المتحدة، ولماذا لم يُخطر مستشار الأمن القومى بولتون سيده بخبر القبض على السيدة الصينية، أم أن الرئيس الأمريكى كان ضالعاً فى القصة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد توزيع أدوار!، والواضح الآن أن الصين التى حذرت كندا من أنها سوف تدفع ثمناً باهظا وجهت معظم ردود أفعالها القوية إلى الحكومة الكندية التى ألقت القبض على السيدة الصينية بناء على طلب من الولايات المتحدة، لكن المتحدث الرسمى باسم وزارة التجارة الصينية جاوفنج أكد بعد ساعات من القبض على السيدة الصينية أن الصين تملؤها الثقة فى إمكانية الوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول الحرب التجارية خلال 90 يوماً من التفاوض، وزاد على ذلك بأن أكد أن الصين سوف تشترى من أمريكا المواد الغذائية والسيارات والطاقة، بما يؤكد استعدادها لأن تفتح أسواقها أمام الواردات الأمريكية، وهو أمر أساسى كانت تُلح عليه واشنطن فى تفاوضها مع الصين حول تسوية الحرب التجارية، بينما أكد متحدث أمريكى يُمثل طرفاً أساسياً فى المفاوضات التجارية مع بكين، أن المباحثات بين واشنطن وبكين ينبغى ألا تتأثر بحادث القبض على السيدة الصينية، وأن تسوية الحرب التجارية بين البلدين ينبغى أن تتم فى غضون 90يوماً، فى الوقت الذى أكدت فيه افتتاحية صحيفة الشعب الصينية، أن الصين لن تكون سبباً فى خلق المزيد من المشكلات مع الولايات المتحدة ليس لأنها تخاف المشكلات، ولكن لأنها تثق فى قوتها وصلابة إرادتها، لكن المطلوب ألا يسىء أحد فهم الموقف الصينى أو حسابه، الأمر الذى عزز التكهنات بأن الصين بمناسبة مرور 40 عاماً على الإصلاحات الاقتصادية التى أعقبت وفاة الزعيم ماوتسى تونج تتجه إلى المزيد من الانفتاح وفتح أسواقها أمام البضائع القادمة من الخارج لأن الصين راغبة فى توسيع تجارتها الدولية، وفى إطار هذا التوافق الواضح لا معنى لأن نسأل أنفسنا متى يتم الإفراج عن السيدة منج ابنة البليونير الصينى والمسئولة الثانية عن كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات والمحمول الصينية والعالمية.