بعض الكتابات تتناول اسم الرئيس جمال عبد الناصر بشكل لا ينسجم مع سجله المشرف وتاريخه الوطنى المشهود، وهى كتابات تفتقد إلى الموضوعية أو القراءة المنصفة للتاريخ وهى تتعرض لسيرة القادة وتضع القرارات والنتائج فى الميزان ثم تكون الأحكام وفق قراءة المؤشرات بحيادية وتجرد بعيدا عن الهوى الشخصى أو المزاج العام، هذه الكتابات لا تكتفى بمجرد التناول المغلوط للحقائق وإنما تمارس ما هو أقسى من النقد وهو التجريح الشخصى واستخدام عبارات أقل ما يمكن وصفها بأنها خارج دائرة النقد الموضوعى وتنم عن مواقف لا علاقة لها بقراءة التاريخ او استخلاص تجاربه وتعكس سلوك هواة يرتكبون حماقة ممارسة الكتابة والحديث عن قادة كبار مروا فى تاريخ مصر وصنعوا المجد.
لا يحتاج اسم الزعيم جمال عبد الناصر إلى شهادات تحمل قدرا من المجاملة لشخصيته وزعامته فهى أمور مفروغ منها والتاريخ وضع كلمته بل هو ينتظر من الكتابات أن ترتفع إلى مكانته وهى تكتب عنه، فالقسوة تتجسد بكل ما تعنى الكلمة عندما يبحر صغير فى بحور الكبار ويحاول أن يظهر أنه يجيد عبور الشاطىء.
الزعيم كاريزما قد لا تتكرر وهو صانع الثورة الخالدة فى تاريخ الأمة العربية ومصر ثورة بيضاء لم تسقط فيها نقطة دم واحدة ونسج علاقات لمصر فى فترة وجيزة مع العالم شرقه وغربه وصنع منظمة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامى ومنظمة الوحدة الإفريقية ومنح جامعة الدول العربية الزخم وكلها كانت قوة تصويتية هائلة فى الأمم المتحدة فى مواجهة الفيتو الذى تتمتع به الدول الدائمة العضوية فى الوقت الذى كان يحتفظ بعلاقات خاصة مع الاتحاد السوفيتى والصين والهند ويوغوسلافيا، وهى من أهم الدول فى العالم.
عبد الناصر بنى السد العالى أعظم مشروع هندسى فى العصر الحديث وآلاف المصانع والمدارس، مواقفه المشهودة فى التاريخ كزعيم حكم مصر كاشفة، فى مرحلة تاريخية أنجز الكثير لبلده ووطنه واخفق فى البعض، وهذا طبيعى ومقبول. يحاول البعض أن ينفذ إلى اسمه من زاوية أن مصر قبل ثورة يوليو 1952 كانت دولة متقدمة وشوارع القاهرة افضل من باريس وقد يكون هذا الكلام يحمل جزءا من الحقيقة لكن هل غاب عن عقل هؤلاء وهم قطعا من الراجحين أن محافظات مصر بما فيها القاهرة كانت تعانى ظاهرة الأمية التى تجاوزت نسبتها 90% من عدد سكان مصر ونسبة المعدمين 76% فى عام 1937، وارتفعت إلى 89% عام 1952 وهى أرقام نشرها فى دراسة الدكتور رءوف عباس، كما أن الحياة السياسية التى كانت سائدة هى أشبه بلعبة تمارسها طبقة صغيرة فى المجتمع وان مشكلة الحفاة كانت أكبر مشكلة تواجه المجتمع قبل الثورة كما أن الدخل القومى لمصر كان يستحوذ على نسبة 61% منه شريحة محدودة من المجتمع .
آخر ميزانية للدولة المصرية قبل ثورة يوليو أظهرت عجزا يبلغ 39 مليون جنيه فى الوقت الذى كان فيه عدد سكان مصر 20 مليون نسمة وكان المشروع القومى لحكومة الوفد الأخيرة قبل الثورة هو مكافحة الحفاء.
هى مصر التى يعشقها كل مصرى قبل الثورة وبعدها ويتمنى أن تكون أهم دولة فى العالم يتفاخر بها فى كل عهد ونظام غير أن ترديد الافتراءات هو مخالفة للضمير.
فى يوم 15 يناير المقبل تحتفل مصر بذكرى ميلاد جمال عبد الناصر وهو اليوم الذى يصادف مرور 101 عام على مولده عام 1918 وهى مناسبة تاريخية مهمة تستحق كل الاهتمام والتقدير، والشهادات التى أوردها بعض من عرفوا عبد الناصر عن قرب تكشف عن شخصية نادرة فى المواقف من بينها شهادات سامى شرف مدير مكتب عبد الناصر وهو يعيش بكل الوفاء والحب له ويعتبره من اشجع واقوى الرجال ، والوزير أمين هويدى الذى بكى عندما تردد اسم عبد الناصر أمامه وقال مات بطلا شريفا مخلصا… وهنا أتوقف عند شهادة سمعتها من الدكتور الصاوى حبيب الطبيب الخاص لعبد الناصر حيث قال خلال عرض مشروع إنشاء معهد ناصر لأمراض السكر على الرئيس عبد الناصر وعندما شاهد موقع المبنى وسط جزيرة على النيل مباشرة قال هذا موقع يصلح لبناء فندق سياحى ويجب اختيار مكان آخر للمستشفى ليتم إنشاء المريديان وسط النيل.
نقطة ضعف عبد الناصر كانت فى علاقته بالمشير عبد الحكيم عامر والذى يتحمل مسئولية نكسة 1967 التى تأثر بها الرئيس حتى وفاته.