تركيا.. انتصار الكرد وخيار الانتخابات المبكرة

تركيا.. انتصار الكرد وخيار الانتخابات المبكرة

مع تخطي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي العتبة الانتخابية بحصوله على نسبة 13% تقريبا من الأصوات في عموم تركيا، دخلت تركيا مرحلة سياسية جديدة، لا سيما على صعيد القضية الكردية، إذ -للمرة الأولى- سيصبح الكرد شريكا في صوغ الحياة الدستورية والسياسية للبلاد من داخل البرلمان وربما الحكومة (في حال دخوله في حكومة ائتلافية).

أسئلة كثيرة تطرح على وقع نتائج الانتخابات البرلمانية التركية التي كانت انتصارا كبيرا للحزب الكردي، وفوزا بطعم الخسارة لحزب العدالة والتنمية، ومراوحة في المكان لكل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية.

ولعل في مقدمة هذه الأسئلة: ماذا سيحل بمشروع أردوغان في الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي ووضع دستور جديد للبلاد؟ وهل البلاد مقبلة على حكومة ائتلافية أم ذاهبة إلى انتخابات مبكرة؟ وكيف ستكون تداعيات هذه النتائج على مستقبل حزب العدالة والتنمية بعد 13 عاما من حكمه للبلاد؟ وهل سيؤثر كل ما سبق على اقتصاد تركيا ولا سيما الاستثمارات التي هي معظمها خارجية؟

بداية، لا بد من القول إن هذه الانتخابات تشكل انتصارا للديمقراطية التركية، وهي ديمقراطية لا يمكن النظر إليها دون تجربة الإصلاحات التي أطلقها حزب العدالة والتنمية وانفتاحه على القضية الكردية منذ تسلمه السلطة عام 2002، إذ بفضل هذه التجربة أصبح الكرد رقما في المعادلة التركية الداخلية، واليوم وبعد فوز الحزب الكردي في الانتخابات، يمكن القول إن هذه القضية انتقلت للمرة الأولى من الصراع العسكري إلى السياسي تحت قبة البرلمان.

ربما كان لافتا مبادرة زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي صلاح الدين دميرتاش عقب إعلان النتائج مباشرة إلى القول إن الانتقال إلى نظام رئاسي أصبح من الماضي، وإنه لن يتحالف مع حزب العدالة والتنمية في تشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما يعني أنه لم يترك أمام حزب العدالة والتنمية سوى خيار التحالف مع حزب الحركة القومية بزعامة دولت باهجلي على اعتبار أن التناقض الأيديولوجي والسياسي مع حزب الشعب الجمهوري الذي هو إرث أتاتورك لن يسمح بتشكيل مثل هذه الحكومة.

وفي جميع الأحوال، فإن نتائج حزب العدالة والتنمية تفرض عليه الذهاب إلى حكومة ائتلافية ربما لن تكون سوى حكومة تصريف أعمال، في ضوء تجارب الحكومات الائتلافية السابقة في فترة التسعينيات، والتي انتهت جميعها إلى الفشل والدعوة للانتخابات المبكرة.

ولعل ما يعزز من هذه الفرضية أن أردوغان لن يستسلم للوضع الجديد ولن يتخلى عن تطلعاته طالما يشغل قصره الأبيض والذي بناه كرمز لمرحلة جديدة كان يتطلع إلى تحقيقها بحلول عام 2023 والتي أطلق عليها اسم “تركيا الجديدة”، ولعله يحس في العمق أن ثمة تحالفا سريا نشأ تحت الطاولة بين الحزب الكردي وبقية قوى المعارضة، ولا سيما جماعة فتح الله غولن لإسقاطه.

وعليه فإن السؤال أو التحدي الكبير أمام أردوغان، هو كيف سيحقق ما خطط وتطلع له؟
في محاولة للإجابة عن هذا السؤال لا بد من التوقف عن سيناريوهين:

الأول: تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الحركة القومية، خاصة أن هناك مشتركات أيديولوجية كثيرة بين الحزبين، ولكن هذا الأمر يتطلب من أردوغان التضحية بالعملية السلمية مع الكرد نظرا لأن حزب الحركة القومية يرفض أي اعتراف بوجود قضية قومية كردية، فضلا عن التفاهم على صيغة النظام الرئاسي.

مثل هذا الخيار ربما سيؤثر على العملية السلمية مع الكرد، وربما يدفع الكرد إلى العنف تمسكا بمطالبهم القومية، ومثل هذا الخيار يحمل مخاطر عودة العسكر إلى الساحة السياسية التركية بعد أن نجح أردوغان في إبعادهم عنها.

الثاني: قيام أردوغان -بعد انتهاء مدة 45 يوما الدستورية لتشكيل حكومة ائتلافية- بالدعوة إلى انتخابات مبكرة نهاية هذه السنة أو مطلع العام المقبل، لكن مثل هذا السيناريو قد يتطلب منه الاستقالة من رئاسة الجمهورية والعودة إلى زعامة حزب العدالة والتنمية ليقود الحزب بشكل مباشر، خاصة أن الحزب لن يكون بمنأى عن تداعيات نتائج الانتخابات، لا سيما في ظل تحميل البعض أردوغان-أوغلو مسؤولية ما جرى.

في جميع الأحوال، مشهد تركيا في نهاية يوم السابع من يونيو/حزيران يختلف عن 13 سنة من حكم حزب العدالة والتنمية الذي كان سلسلة من الانتصارات في الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية، أنتجت تجربة اقتصادية مميزة باتت مهددة بفعل الواقع السياسي الجديد، وهو واقع ربما يعيدنا إلى القول الدائم لرئيس الوزراء التركي الراحل بولند أجاويد عندما كان يقول “إن أزمات تركيا السياسية هي من نوع أزمات بنية النظام”، ولعل للأمر علاقة بالدستور والقوانين الانتخابية، لا سيما القانون الذي يفرض حصول أي حزب لكي يدخل البرلمان على نسبة 10% من الأصوات. في زحمة الحديث عن تركيا المستقبل.

يبقى السؤال الذي يطرح نفسه أيضا هنا، هو: لماذا أعلن زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي صلاح الدين دميرتاش رفضه تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية؟ هل هو عدم ثقته بأردوغان في التوصل إلى حل سلمي للقضية الكردية أم قناعة كردية بأن سقف السلام المطروح على طاولة حزب العدالة والتنمية لم يعد يلبي تطلعات الكرد بعد الفوز في الكبير في الانتخابات؟

والأهم ماذا سيكون موقف زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي كان يرى في أردوغان شريكا وحيدا للسلام معه؟ أسئلة كثيرة تطرح من غبار نتائج الانتخابات ربما تحتاج الإجابة عنها إلى أيام وأسابيع إلى حين اتضاح المشهد السياسي، لكن في جميع الأحوال نحن أمام تركيا جديدة في الداخل ستكون لها تداعيات على سياسة تركيا الخارجية.

خورشيد دلي

الجزيرة