تشهد الساحة السياسية الماليزية هجرة جماعية غير مسبوقة لأعضاء البرلمان من أحزاب المعارضة إلى أحزاب السلطة، وهو ما أثار جدلا في كل من الحكومة والمعارضة.
وتبدو أبرز حوادث “القفز” إثارة -كما يطلق عليه في ماليزيا- من المنظمة الملاوية القومية المتحدة (أمنو) -الحزب الحاكم سابقا- إلى حزب “أبناء الأرض الموحد” (برساتو بومي بوترا) الذي يقوده رئيس الوزراء مهاتير محمد.
ويرى المحلل السياسي والأستاذ بالجامعة الوطنية الماليزية عزمي حسن أن تغيير الولاء من حزب لآخر غير معتاد في تاريخ السياسة الماليزية، ويذهب إلى أن الهجرة الجماعية سابقة تاريخية من حزب “أمنو” الذي كان يقود تحالف الحكم على مدى أكثر من ستة عقود.
ويعزو حسن الهجرة الجماعية لأعضاء “أمنو” في البرلمان باتجاه حزب مهاتير إلى أسباب عدة، أبرزها: حاجة مهاتير الماسة إلى تعزيز قوته في التحالف الحاكم، حيث إن حصة حزب أبناء الأرض في البرلمان كانت 13 عضوا فقط غداة الانتخابات، مقابل نحو 90 عضوا لحزبي أنور إبراهيم والعمل الديمقراطي.
صبغة الفساد
يضاف إلى ذلك وجود رغبة لدى أعضاء كثيرين في التخلص من صبغة الفساد التي لصقت بحزب “أمنو”، لا سيما بعد خسارته في انتخابات 9 مايو/أيار الماضي، وظهور انطباع بأن حزب أبناء الأرض هو “أمنو” بشكله الجديد، ورئيسه مهاتير رجل أمنو السابق، وأن الانتقال إليه أو إلى الأمانة الوطنية لا يتناقض مع الحفاظ على حقوق الملاويين المسلمين.
لكن عمليات القفز لم تخلُ من انتقادات رغم خلاف معارضي حزب “أمنو” وحلفائه في تحالف الجبهة الوطنية الحاكم سابقا، فقد حذرت منظمات حقوقية من أن استقطاب أعضاء “أمنو” المتهمين بالفساد لا يصب في صالح الإصلاح، وإنما هو استمرار في نهج الفساد.
وترى هذه المنظمات أن عملية الإصلاح يجب أن تكون شاملة ونزيهة، وأن استقطاب أعضاء فاسدين لأسباب سياسية يضر بالعملية ويخلق عيوبا فيها.
أما حزب “عدالة الشعب” الذي يقوده أنور إبراهيم ففضل الانتقاد المبطن لعمليات الانتقال من حزب “أمنو” وأحزاب المعارضة الأخرى إلى أحزاب السلطة، فنظرا لقوته في البرلمان (47 عضوا) فإنه لا يرى حاجة لانضمام أعضاء جدد قد يتسببون في إرباك التوازنات الداخلية في الحزب، لا سيما أن الحزب يرفع شعار التنوع العرقي والثقافي، ويضم نحو 27 عضوا غير مسلم.
وواضح من تصريحات قيادات في حزب “أمنو” وجود توجه للتنسيق مع حزب أنور إبراهيم لمواجهة تغيير الولاءات، وكان ذلك واضحا في دعم الأخير في الانتخابات الفرعية بعدم تقديم منافس له.
بل إن وزير الإعلام السابق نظري عزيز -وهو أحد قادة “أمنو” البارزين- دعا علانية إلى حكومة وحدة وطنية تستثني مهاتير، والتنسيق مع حزبي عدالة الشعب والعمل الديمقراطي. ويرى مراقبون أن ذلك ممكن بلغة الأرقام، حيث يمكن أن تشكل الأحزاب الثلاثة غالبية الثلثين في البرلمان.
مفارقة واضحة
أما المفارقة فتبدو واضحة في الأحزاب الصغيرة أو الولايات التي لم تكن تعرف بأنها ذات ثقل في تشكيلة الحكومة المركزية، وأصبحت “بيضة القبان” في البرلمان الماليزي الرابع عشر.
ففي ولاية “صباح” في القسم الشرقي من الاتحاد الماليزي، أصبح لحزب “التراث” (واريثان) المنشق عن “أمنو” دور مهم في المعادلة داخل حكومة الولاية وفي الحكومة المركزية، جعله مصدر استقطاب من قبل الأحزاب الكبرى.
كما فاجأ لو ينغ بينغ -الصيني الأصل والقيادي في حزب حركة الشعب الماليزي “غاراكان”- المراقبين في انضمامه إلى حزب “الأمانة الوطنية” الإسلامي أحد الشركاء الأربعة في “تحالف الأمل” الحاكم، بينما قال عبد الرزاق السقاف نائب رئيس الحزب السابق إنه بصدد الانتقال إلى حزب العمل الديمقراطي الذي تهيمن عليه الأقلية الصينية.
وفسر بينغ سبب انضمامه إلى “الأمانة الوطنية” الإسلامي خلال مؤتمر الحزب المنعقد حاليا في مدينة إيبو، بأن دستور الحزب وأهدافه يدعوان إلى الحداثة والانفتاح والوحدة. أما السقاف فقال إن حزب العمل الديمقراطي يفتقر إلى العنصر الملاوي المسلم، وإن فرصته في لعب دور بهذا الحزب قد تكون أكبر من أي حزب آخر.
المصدر : الجزيرة