تتناقض صفقة القرن مع قرارات مجلس الأمن 242 و338 و193 التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967 كوسيلة لتعزيز عملية السلام بين الجانبين. ويشكل فشل إسرائيل في تحقيق مطلب الانسحاب من الأراضي المتنازع عليها اتجاهاً ينطوي على تمرد وإهمال لقرارات السلام الدولية. كما أنه يحرم اللاجئين الفلسطينيين عملياً من ممارسة حق تقرير المصير كما هو منصوص عليه في القرارات المذكورة أعلاه.
* * *
تقترح صفقة القرن خطة تعطي جزءاً صغيراً من الضفة الغربية للفلسطينيين، وتضع استراتيجية لنقل ملكية القدس إلى إسرائيل مع وعد بإنشاء عاصمة جديدة لفلسطين في جزء من الأرض المتبقية. ولعل الجزء غير الاعتيادي من الصفقة هو الكيفية التي تحاول بها تحاول دفن قضية اللاجئين الفلسطينيين. وبالنظر إلى هذه التشوهات الكبيرة، فإن الصفقة تنطوي حتماً على مخالفات قانونية جسيمة، والتي يمكن أن تبرر رفض العرب لها. وإذا ما أُخذت من منظور القوانين الدولية، فإن هذه الصفقة غير قانونية.
تتناقض صفقة القرن مع قرارات مجلس الأمن 242 و338 و193 التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967 كوسيلة لتعزيز عملية السلام بين الجانبين.
ويشكل فشل إسرائيل في تحقيق مطلب الانسحاب من الأراضي المتنازع عليها اتجاهاً ينطوي على تمرد وإهمال لقرارات السلام الدولية. كما أنه يحرم اللاجئين الفلسطينيين عملياً من ممارسة حق تقرير المصير كما هو منصوص عليه في القرارات المذكورة أعلاه.
للتأكيد على مصداقية مثل هذه القرارات، تدعم المؤسسات الدولية والإقليمية على حد سواء الموقف الفلسطيني في هذا الصدد، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجمعية العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
مع ذلك، وبوجود الفريق الكامل المحيط به من المستشارين الأمنيين والاستخباراتيين، من الصعب تصور أن لا يتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سعيه إلى انتهاك هذه القرارات والقوانين الدولية.
من الواضح من محتويات الصفقة أن ما يريده دونالد ترامب يشكل مخالفة صريحة للقرارات الدولية المذكورة التي صدرت من أجل تحقيق التعايش السلمي. ويدعم الرئيس ترامب المؤامرة الرامية إلى تجريد الفلسطينيين من أراضي الأسلاف ومن الموارد، مثل طبقات المياه الجوفية ومخزونات الغاز، بانضمامه إلى عصابة إسرائيل وغيرها من المتعاطفين الأميركيين والصهاينة، من أجل الحصول على منافع فردية.
من خلال خرق قرارات مجلس الأمن، يأمل ترامب في القضاء على أعداء الولايات المتحدة، مثل إيران والجماعات الإرهابية، عن طريق توحيد الدول العربية ضد الطوائف الإرهابية المنظمة. وعلى الرغم من أن الأهداف النهائية لهذه الأجندة قد تكون جيدة، فإن الوسائل تبقى غير أخلاقية واستفزازية، خاصة إذا كانت تنطوي على تجريد فلسطين من السلاح، وحرمان مواطنيها من فرصة الارتباط بثقافتهم وأداء عباداتهم في القدس بحرية.
كما أن الصهاينة والمتطرفين الأميركيين الذين يدفعون في اتجاه تطبيق صفقة القرن غير العادلة يعارضون أيضاً ما نصت عليه اتفاقية أوسلو للعام 1993، والتي صادقت عليها الأمم المتحدة أيضاً.
وتنص هذه الاتفاقية على إيجاد حلول ودية وسلمية من خلال مشاركة جميع الأطراف المتنازعة حول طاولة المفاوضات. ويبدو أن صفقة القرن التي تقترحها الولايات المتحدة الآن من خلال الرئيس ترامب محكومة بقدر الفشل مسبقاً، لأن معظم المتحدثين باسم الولايات المتحدة يعلنون صراحة أن هذه الصفقة سوف تُنفذ بموافقة الفلسطينيين أو من دونها.
لكن هذا الموقف لا يجسد النوايا التي انطوت عليها اتفاقية أوسلو للعام 1993، مما يجعل الصفقة المقترحة غير قانونية، وهو ما يوفر المبررات لرفض الصفقة جملة وتفصيلاً، على أساس المظالم السياسية والتاريخية التي تنطوي عليها، بالإضافة إلى مخالفتها للاتفاقيات الدولية.
تضم الصفقة مخالفة أخرى للقانون الدولي، والتي تتعلق بحق اللاجئين في العودة إلى أرض أجدادهم. وقد عاش الفلسطينيون كلاجئين في فلسطين المحتلة وفي دول أخرى كأجانب، أو كمواطنين من الدرجة الثانية.
منذ العام 1948، استمر الفلسطينيون في التنقل بين العديد من الدول، من بينها الأردن وسورية ولبنان ومصر وفنزويلا وجنوب إفريقيا وغيرها، وهو ما زاد من تعقيد أزمة اللاجئين من حيث التعريفات القانونية. ولكن، حتى مع أن أن معظم هؤلاء الفلسطينيين يعيشون في بلدان مختلفة كلاجئين، فإنهم يظلون محميين بموجب القوانين الدولية التي تدعم حق تقرير المصير.
وهكذا، كان عملاً غير أخلاقي من جانب الولايات المتحدة أن تعمد، من خلال الرئيس ترامب، إلى سحب المساعدات الأميركية التي مولت التعليم والتشغيل والعلاج للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة. وكان هذا التحرك خطة تهدف إلى إجبار فلسطين على الاستجابة للدعوة إلى القبول بصفقة القرن المشكوك فيها على أساس الإكراه، وهو أمر غير قانوني في حد ذاته.
في حال تطبيقها، يمكن أن تكلف صفقة القرن الفلسطينيين مليارات الدولارات الأميركية في شكل الأموال السائلة والموارد والأصول المكافئة. وعلى سبيل المثال، تأمل إسرائيل في امتلاك حوالي 61 % من أراضي الضفة الغربية إذا تم فرض تطبيق الصفقة كما هي. وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تتولى القوات الإسرائيلية الجزء الأكبر من وظائف الدفاع بعد نزع سلاح الفلسطينيين، مخلفة وراءها فرص عمل أقل للسكان الأصليين.
ومن المتوقع أيضاً نقل الموارد في شكل الغاز والمياه إلى الإسرائيليين الذين سيستفيدون بالكامل من الصفقة. وإلى جانب ذلك كله، سوف تستفيد الولايات المتحدة من تطبيع العلاقات مع الدول العربية بينما تستهدف أعداءها السياسيين، بما في ذلك الجماعات الإرهابية المنظمة. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين سوف يستفيدون جزئياً من البنية التحتية الموعودة في قطاع غزة والضفة الغربية، فإن مثل هذه المنافع لن تكون مماثلة مطلقاً للخسارة في الفرص والأراضي، وكذلك رمزهم الديني المتجسد في القدس، المدينة المقدسة.
من المفارقات أن يلعب أشخاص مثل جاريد كوشنر، مع صهاينة آخرين مثل جاسون غرينبلات وديفيد فريدمان، دور صياغة هذه الصفقة، وكأن الفلسطينيين غير موجودين. وكان كوشنر ونظراؤه قد تفاخروا في وقت سابق بتمويلهم للمستوطنات غير الشرعية التي يقيمها الإسرائيليون على الأراضي الفلسطينية المتنازع عليها.
وبالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن كوشنر هو صهر الرئيس ترامب الذي يسعى إلى دفع أجندة والد زوجته بدلاً من ضمان تحقيق العدالة من خلال صفقة القرن. كما تم استخدام كوشنر لإيصال فكرة أن دور الفلسطينيين في الصفقة هو التنفيذ فحسب، وأن وجهات نظرهم باطلة ولا قيمة لها.
لا يمكن التفكير في مثل هذا الشخص لتسهيل صياغة صفقة من هذا الوزن. وكان من الممكن السماح للفلسطينيين بتقديم تصور خاص بهم للتداول حول احتياجات البلد بدلاً من السماح بالأذى المتعمد المتصوَّر الذي يدفعه كوشنر وفريقه من الصهاينة.
من خلال اقتراح صفقة القرن، أمِلت إسرائيل في الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي اللاجئين الفلسطينيين. كما كانت إسرائيل تأمل في سرقة السيادة الفلسطينية تماماً من خلال نزع السلاح بجوار حدودها والاحتفاظ بسيطرة كاملة على الدويلة الصغيرة.
ومن خلال تطبيع العلاقات مع جميع الدول العربية، أمِلت الولايات المتحدة أن تتاح لها فرصة لمحاربة الإرهاب والاحتفاظ بقوة متفوقة في المنطقة. وعلى الرغم من أن هذه الأسباب ربما تكون معقولة، فقد كانت الوسائل غير أخلاقية وغير قانونية، مما جعل صفقة القرن بأكملها خارجة على القانون في مجملها.