رغم أن استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس من منصبه، كانت متوقعة، إلا أن خبر الإعلان عنها أثار صدمة حيث جاءت بعد سويعات فقط من إعلان ترامب عن سحب قوات بلاده من الأراضي السورية. وعلق مراقبون على ذلك بالقول إن ماتيس آخر العقلاء في الإدارة الأميركية القادرين على كبح تقلبات ترامب خاصة في ما يتعلّق بسياساته الخارجية غير الواضحة والتي تكون في بعض الأحيان نتاجا لمزاجية ترامب، القادم من عالم الأعمال، والذي لا يملك خبرة في عالم السياسة وتعقيداتها وسعى إلى قيادة الولايات المتحدة، ومعها، العالم، وفق منطق البيزنس وعقد الصفقات.
واشنطن – لم تكن مغادرة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس لركب الرئيس دونالد ترامب أمرا مفاجئا مثلما كان الأمر مع مستشار الرئيس ومدير حملته الانتخابية ستيف بانون، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون والمندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، وغيرهم كثر من الأسماء التي اختارها ترامب لتكون ضمن إدارته، بدءا من كبير الموظفين وصولا إلى مستشار الأمن القومي مايكل فلين.
بعد الإعلان عن استقالة هايلي كان متوقعا أن يكون ماتيس، آخر الحكماء الذين سيغادرون سفينة ترامب، لكن ما لم يكن متوقعا هو السبب الذي سيقود وزير الدفاع المخضرم إلى ذلك، وهو الانسحاب الأميركي من سوريا، حيث تكشف العديد من المراجع السياسية أن ترامب لم يستشر أقرب مساعديه ومعاونيه في البيت الأبيض قبل المضي قدما في اتخاذ قرار الانسحاب الحاسم.
وقبل خطوة ترامب الأخيرة التي استند فيها على أن مهمة القوات الأميركية في سوريا انتهت بإلحاق هزيمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كان جيمس ماتيس أعلن في الأشهر الأخيرة أن مهمة القضاء على داعش لم تنته بعد، حيث حذر قبل أسبوع من تقديم استقالته من أن القضاء على الجهاديين في سوريا هو بمثابة القتال الصعب الذي يتطلب المزيد من الوقت.الاختلافات والتصدّعات بين ترامب وماتيس، كشفها الأخير في نص استقالته بتأكيده أن استقالته متأتية من تزايد الشقاق مع ترامب، منتقدا عدم اكتراث الرئيس الأميركي بأقرب حلفاء الولايات المتحدة، في تصريحات مشابهة لما جاء منذ أيام على لسان وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، الذي وصف في مقابلة أجرتها شبكة سي.بي.أس ترامب بأنه “غير منضبط، لا يحب القراءة، لا يقرأ تقاريره الإعلامية، ولا يحب الدخول في تفاصيل الكثير من القضايا”.
ويعد ماتيس آخر المسؤولين في إدارة ترامب التي يثق فيها السياسيون والقوى العالمية لاعتقادهم أن الرجل المتزن الذي يقود الدفاع الأميركي هو بالنهاية حصن منيع أمام نزوات رئيس أدمن الفوضى داخليا وخارجيا.
وتشدد العديد من المراجع السياسية في الولايات المتحدة على أن وزير الدفاع المستقيل، كان يحظى بإجماع من قبل الديمقراطيين والجمهوريين على حد السواء على خلفية أنه الضامن الوحيد لكبح بعض العمليات العسكرية التي يريد خوضها ترامب والتي تكون عادة نتاجا لنزواته ومزاجياته المتقلبة.وخلال توليه منصب وزير للدفاع، عارض ماتيس الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، وإنشاء قوة فضائية، وبدء حرب تجارية مع حلفاء الولايات المتحدة، لكنه فشل في إقناع ترامب بآرائه.
وأبقى ترامب ماتيس طيلة عهدته خارج دائرة الإعلانات العسكرية الرئيسية الأخرى، بما في ذلك وقف التدريبات العسكرية مع كوريا الجنوبية ومنع المتحولين جنسيا من الانضمام إلى الجيش. وقد أعلن ذلك الرئيس الأميركي بينما كان ماتيس في إجازة، وفق مجلة فوكس الأميركية. وحقق وزير الدفاع المستقيل بعض النجاحات، حيث جعل ترامب يتمسك بإتباع نهج دبلوماسي مع كوريا الشمالية بدلاً من النهج العسكري.
أثبتت موجة الاستقالات التي ضربت الإدارة الأميركية في أقل من عامين، أن جميع العقلاء الذين اقتربوا من ترامب مازالوا يتشبثون بسياسات الولايات المتحدة الكلاسيكية والمعروفة منذ عقود وذلك بعكس إرادة ترامب الطامحة لا فقط في إحداث تغيير سياسي داخلي بل حتى في تبديل النظام العالمي برمته. وبهذا المنطق، يذهب العديد من منتقدي سياسات الرئيس الأميركي، إلى أن ترامب لا يراهن عند اتخاذ خطواته على فريق معاونيه ومستشاريه المعلنين، بقدر ما يستشير جهازا استشاريا سريا ينظّر له ولسياساته الداخلية والخارجية.
ومن دون أي شك، فان استقالة ماتيس التي يرى فيها البعض توبيخا أو صفعة لترامب ستخلف العديد من الأزمات بين حلفاء الولايات المتحدة الذين أربكهم نهج ترامب. كما أن الخطوة تثير تساؤلات عن مدى التزام خليفة ماتيس بالمعاهدات الدولية بما فيها تلك المتعلقة بحلف شمال الأطلسي.
ويؤكد الكاتبان بمجلة فوكس ألكس وورد وجاين كيرني، أن مغادرة ماتيس ستزيد من فوضى إدارة ترامب. ومن المرجح أن يواجه مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو مقاومة أقل، فهما يقدمان نصائح أكثر تشدداً بشأن كوريا الشمالية وإيران.
استقالات متفاقمة
الاستقالات تتساقط على مكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ توليه مهامه في يناير 2017:
* جيم ماتيس، وزير الدفاع: أعلن استقالته الخميس وكتب في رسالته “يجب معاملة الحلفاء باحترام”.
* ريان زينك، وزير الداخلية: غادر منصبه في ديسمبر، بعد أن واجه انتقادات شديدة بسبب نفقاته العالية واحتمال وجود تضارب مصالح.
* جون كيلي، الأمين العام للبيت الأبيض: أعلن ترامب في 8 ديسمبر أن “جون كيلي سيغادر في نهاية السنة”.
* جيف سيشنز، وزير العدل: استقال بطلب من ترامب في نوفمبر بعد أن كان هدفا لانتقادات منذ أن قرر النأي بنفسه عن أي تحقيق يطال روسيا بسبب لقاءاته مع السفير الروسي في أوج الحملة الرئاسية. * نيكي هايلي، السفيرة لدى الأمم المتحدة: أعلنت في أكتوبر الاستقالة من منصبها كسفيرة لدى الأمم المتحدة في نهاية السنة.
* سكوت برويت، وزير البيئة: ارتبط اسمه بسلسلة فضائح حول استخدامه الأموال العامة. في 16 نوفمبر ألمح الرئيس إلى أنه سيعين في هذا المنصب وزير البيئة بالوكالة أندرو ويلر.
* ريكس تيلرسون، وزير الخارجية: أقيل المدير السابق لشركة إكسون موبيل من منصب وزير الخارجية في مارس بعد توتر مع ترامب .
* ستيف بانون، الخبير الاستراتيجي: لعب دورا حاسما في الحملة الانتخابية الرئاسية التي فاز فيها ترامب، لكن تعامله مع مسؤولين آخرين في البيت الأبيض لم يكن سهلا وحصلت عدة خلافات داخلية.
*مايكل فلين واتش ار ماكماستر، الأمن القومي: لم يصمد سوى 22 يوما كمستشار للأمن القومي. ودفع ثمن قضية التدخل الروسي. وحل مكانه اتش ار ماكماستر الجنرال الرفيع المستوى الذي غادر بدوره مهامه. وحل مكانه المحافظ جون بولتون.
العرب