لقي 22 شخصاً مصرعهم بالرصاص في احتجاجات الخبز والحرية في السودان التي اندلعت منذ الأربعاء الماضي بمدينتي عطبرة «شمال» وبورتسودان «شرق»، والتي اتسعت اطراداً لتشمل 28 مدينة ومنطقة في أنحاء البلاد المختلفة.
وقال زعيم المعارضة السودانية «تحالف نداء السودان» الصادق المهدي، في لقاء إعلامي عقده بالخرطوم، اليوم (السبت)، إن الاحتجاجات انتظمت 28 مدينة في البلاد، وقُتل خلالها 22 شخصاً بالرصاص، وفقاً لرصد أعده حزبه الذي يعد أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.
ووصف المهدي التحركات الشعبية التي اجتاحت البلاد بأنها «مشروعة» بموجب دستور البلاد والاتفاقيات الدولية المصادقة عليها، ومبررة بدوافع انهيار الخدمات وأسباب المعيشة، وقال: «نؤيد التعبير السلمي عن رفض ظلم وفشل النظام».
وأدان المهدي القمع المسلح الذي واجهت به الأجهزة الأمنية المحتجين السلميين، وأشاد بمن أطلق عليها «القوى النظامية التي امتنعت عن البطش بالمواطنين»، وطلب من «كل القوى النظامية» عدم البطش «بأهلها من جياع ومظلومين».
وجرّم المهدي استخدام القوة الغاشمة والبطش بمواجهة المواطنين العزل، وقال إنه «يستدعي حتماً تحقيقاً وطنياً ودولياً»، وكشف عن وجود لجنة فنية تابعة للأمم المتحدة تراقب الموقف، وأشار إلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بفتح مكتب في الخرطوم لمراقبة حالة الحريات وحقوق الإنسان، وطالب القوى الدولية كافة بالاستجابة لـ«بوصلة صداقة الشعب السوداني المقدمة لهم» باحتجاجاته التي غطت كل أنحاء البلاد تقريباً.
ودعا المهدي إلى تسيير «موكب جامع» تشترك فيه القوى السياسية والمدنية كلها وبأعلى ممثليها، تقدم خلاله مذكرة و«مشروع النظام الجديد البديل»، للانتقال بالاحتجاجات والمظاهرات من التلقائية إلى التخطيط.
وقال إن المذكرة التي يقترحها تسعى لتحقيق مشاركة واسعة للقوى السياسية والفكرية والمدنية والنقابية والأكاديمية على أعلى مستوياتها، وتحديد البديل لتحقيق «سلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل»، لتضع النظام أمام خيارين «أن يقبل مطلب الشعب أو يواجه غضبه»، وتابع: «لقد قلنا، ونؤكد أن النظام الحاكم أمام خيارين: أن يستجيب للمطلب الشعبي ويوافق على انتقال سلمي للسلطة، أو أن يرفضه، ما يفتح الباب لمواجهة بين النظام والشعب، مواجهة خاسرة للنظام، وتصاعد إخفاقاته وانسداد آفاقه».
وسخر المهدي من حجب الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وإغلاق المدارس والجامعات، وقال إنها لا تجدي «مع دوافع الغضب الشعبي»، وأضاف: «أمام النظام تجربة الفريق الراحل إبراهيم عبود رحمه الله وتجربة العناد المايوي، ولكن الحقيقة الكبرى أمامه هي أن ما فشل في تحقيقه في ثلاثين عاماً، هو الأساس لاعتبار أن التاريخ قد قال كلمته، والعاقل من اتعظ بغيره».
ورداً على تصريحات حكومية ألمحت إلى صفقة بينه وبين النظام، قال المهدي: «حزبنا حريص على النهج القومي ولا مجال للانفراد، ولا وجود لاتفاقات سرية بينه وبين النظام… نحن شفافون ولا يوجد لدينا باب سري»، وتابع أن النظام دعاه للمشاركة في كتابة الدستور والانتخابات، بيد أنه اشترط وقف العدائيات وتهيئة مناخ الحوار بإطلاق سراح المعتقلين وكفالة الحريات، وبحث القضية الدستورية في مؤتمر قومي دستوري، وإتاحة الاستحقاقات الانتخابية الممثلة في تشريع قانون انتخابات قومي يضمن كفاءتها ونزاهتها، وإنشاء مفوضية انتخابات قومية مستقلةـ، وتابع: «حزبنا حريص على حل مشكلات البلاد بـ(اليد وليس بالسنون) وهذا معلن».
وعزا المهدي عدم دعوته مستقبليه للخروج في احتجاج إلى توخي الحكمة بقوله: «أنا أرصد كيف تعامل الكثير من القيادات التاريخية في ظروف الضرورة وكيفية اتخاذ قرار، يتخذون القرارات دون التنازل من المبادئ»، وتابع: «أنا مسرور من موقف جماهير الحزب المتحمسة، وأعضاء الحزب الذين قرروا تجميد عضويتهم أو استقالوا من الحزب لأننا لم نطلب الخروج من الشارع، لأنه يكشف للنظام أننا نواجه ضغطاً من جماهيرنا لنكون أكثر حماسة، بما قد يجعله أكثر تجاوباً مع المطالب الشعبية».
وحذر المهدي من وصول الأوضاع في البلاد إلى أوضاع شبيهة بالتي عاشها بعض بلدان «ثورات الربيع العربي»، وتحول الاحتجاجات إلى حرب أهلية، وقال: «لقد حدثت بطريقة مفاجئة واستطاعت بلوغ غايتها، لكن لأنها كانت ضاغطة فشلت في عمل الاستبدال الصحيح، لأنها كانت أشبه بالتلقائية»، مشيراً إلى ما سماه «تخندق» الأنظمة في بقية البلدان مثل سوريا واليمن وليبيا والتي تحولت فيها الثورات إلى حروب أهلية.
وأوضح المهدي أنه لا يمانع من الحديث مع نظام الرئيس البشير على أسس ثنائية، لكنه يشترط على من يتفاوض ثنائياً أن يكون تفاوضه قائماً على الأجندة القومية، وتابع: «لن نسمح لواحد منا أن يرخي الرسن ويعمل حاجة ثنائية، أو أن ننتهي في النهاية إلى اتفاق ثنائي».
الشرق الاوسط