يتساءل جان بيير فيليو في مقال بمدونته بصحيفة لوموند الفرنسية: ما الذي يجب أن نخشاه من تنظيم الدولة عام 2019؟ ويقول إن التنظيم لا يزال يحظى بتأييد عشرات الآلاف في كل من سوريا والعراق.
ويقول الكاتب -وهو مؤرخ ومدون مهتم بالشؤون العربية- إن المئات من هؤلاء المؤيدين لتنظيم الدولة من الجهاديين الفرنسيين.
ويشير إلى أنه سبق أن نشر في مدونته بالصحيفة مقالا بعنوان ما يجب أن نخشاه من تنظيم الدولة في عام 2017، وذلك بعد الهجوم على سوق الكريسماس في برلين في ديسمبر/كانون الأول 2016، قبل سنتين من الهجوم على سوق الكريسماس في ستراسبورغ، ليعيد نفس التجربة اليوم.
وقد نجح تنظيم الدولة -يقول الكاتب- في التأقلم وتجاوز صدمة سقوط “العواصم” الموصل في العراق والرقة في سوريا عام 2017، خاصة أن التنظيم الذي يقوده أبو بكر البغدادي (رغم الإعلان مرارا وتكرارا عن مقتله) يمكن أن يعتمد على ما بين عشرين وثلاثين ألف مقاتل بين سوريا والعراق.
مجندون متطوعون
ويضيف أن عدد الوافدين الأجانب (المتطوعين) إلى التنظيم انخفض بشكل كبير، ولكنه ما يزال مستقرا عند مستوى 150 في الشهر، مشيرا إلى أن حوالي 250 أو ثلاثمئة من الفرنسيين ما زالوا مع التنظيم في الشرق الأوسط.
ويرى الكاتب أن معركة استرداد معقل الجهاديين في حجين بسوريا بين الضفة الشرقية لنهر الفرات والحدود العراقية استمرت ثلاثة أشهر طويلة، قُتل فيها ما لا يقل عن تسعمئة من تنظيم الدولة مقابل قرابة خمسمئة من قوات سوريا الديمقراطية، رغم أنها كانت مدعومة بالطيران والقوات الخاصة الأميركية.
وقد اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب -يقول الكاتب- من سقوط حجين الأخير ذريعة ليعلن “النصر” على تنظيم الدولة، ويقرر سحب الألفي جندي أميركي من سوريا تاركا مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية التي ترتبط قيادتها العسكرية عضويا بحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) عرضة لرد فعل عنيف من جانب التنظيم، ومعطيا تركيا تفويضا مطلقا لإطلاق هجوم كبير في سوريا ضد حزب العمال الكردستاني، وبالتالي ضد قوات سوريا الديمقراطية وقتما شاءت.
ويضيف الكاتب: ولكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لم يربح سوى “نصر كاذب” إذ خسر التنظيم الجهادي فعلا معظم قواعده على الأرض، ولكن ذلك أعطاه أفضلية الدخول في السرية ليقود حرب عصابات في منطقة واسعة تشمل العراق وسوريا.
أطفال انتحاريون
أما فرنسا -التي وجدت نفسها أمام الأمر الواقع بانسحاب إدارة ترامب- تواصل صيد الجهاديين الخطرين في سوريا مثل الأخوين جان ميشيل وفابيان كلين اللذين كانا يخططان لإرسال أطفال انتحاريين إلى أوروبا، بحسب الكاتب.
وقد استثمرت باريس بكثافة في شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية -يقول الكاتب- حيث عهدت لها بمسؤولية الاحتفاظ بعشرات الجهاديين الفرنسيين في سوريا، بمن فيهم جهاديون أشداء من تنظيم الدولة. غير أن ضعف قوات سوريا الديمقراطية الناتج حتما عن الانسحاب الأميركي سيفتح المجال لتحرر أو هروب كل هؤلاء الجهاديين الفرنسيين.
دروس من ستراسبورغ
يقول الكاتب إن تنظيم الدولة أعلن أن أحد مقاتليه (الشريف شيخات) هو مرتكب هجمات 11 ديسمبر/كانون الأول على سوق ستراسبورغ، حيث قتل خمسة أشخاص، وهذا الإعلان وصفته السلطات الفرنسية بأنه “انتهازي” إلا أنه وجد بعض المصداقية منذ اكتشاف شريط فيديو سجله شيخات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ليثبت ولاءه للتنظيم.
ويوضح أن التنظيم الجهادي لم يتخل قط عن “حملته الأوروبية” حتى لو كان ذلك من خلال تشجيع أعمال فردية، وقد ذكرت ألمانيا في يوليو/تموز الماضي وهولندا في سبتمبر/أيلول أنهما أحبطتا هجمات واسعة النطاق تتعلق بالتنظيم.
وقد يكون الجهاديون خططوا لمرحلة قادمة من استعادة المبادرة الإرهابية خارج الشرق الأوسط، كما يرجح الكاتب الذي يرى أنهم يحضرون منذ الآن مجموعة من الخيارات ليضربوا عندما تكون الفرصة مواتية، مشيرا إلى أن هذه الإستراتيجية تم إثباتها في ثلاث قارات في شهر رمضان الماضي.
ويشير الكاتب إلى أن التنظيم يدرك أن قوته لا تكمن في قدراته الخاصة بقدر ما تكمن في التناقضات التي تفرق بين القوى المناهضة له، موضحا أن انسحاب ترامب المفاجئ من سوريا دون أي تشاور مع حلفائه المحليين والدوليين سيكون نعمة حقيقية لتنظيم البغدادي.
فقبل سنتين كاملتين، يقول المدون “كتبت أن أميركا يمكن أن تنعم بوهم عزلتها الرائعة، غير أن أوروبا لا يتوفر لها هذا الترف”.
ويختم الكاتب بأن هذه هي الملاحظة التي أثبتت صحتها في أعقاب تفجير سوق عيد الميلاد في برلين عام 2016، وبعد ستراسبورغ 2018، مؤكدا أن تعليق واشنطن الرسمي لعملياتها بسوريا سيزيد الأمر سوءا، لأن قدرة تنظيم الدولة على النجاة من جميع “الانتصارات” التي أعلنها أعداؤه المختلفون مثلت وستمثل حجته الرئيسية في تجنيد الأنصار.
الجزيرة