رغم تحوّل المنطقة المحيطة بالقصر الجمهوري في الخرطوم إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، فإن منظمي المسيرة التي خرجت الثلاثاء بدعوة من تجمع المهنيين السودانيين اعتبروا أنها حققت نجاحا مهما يمهد لإطلاق الإضراب العام ومن ثم العصيان المدني.
وهذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها مناهضون للحكومة في تنظيم مسيرة بهذا الحجم هدفها التوجه للقصر، رمز السلطة، لتسليم مذكرة تطالب الرئيس عمر البشير بالتنحي.
واتسمت المسيرة بتصميم وتنظيم واضحين، وكانت ذات طابع سلمي هدفها القصر الجمهوري لتبليغه تلك الرسالة.
وعندما كانت المواجهات حامية بين المتظاهرين والقوات الأمنية، كان البشير في زيارة لولاية الجزيرة (جنوب الخرطوم).
وليست هذه المرة الأولى التي تُطلق فيها دعوات للعصيان المدني، فقد نظم ناشطون يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 عصيانا استجابت له شوارع الخرطوم.
خطوة جريئة
وبدا هذا التحرك جريئا حيث تم تحديد مكان وتوقيت المسيرة وهدفها، بينما كانت السلطات تحشد قواتها الأمنية، وقطعت مواقع التواصل الاجتماعي، وعلقت الدراسة بالجامعات والمدارس لعرقلة الاحتجاجات المستمرة منذ أسبوع.
وهناك أيضا تدرج نحو الهدف النهائي وهو العصيان المدني، حيث بدأ تجمع المهنيين بمسيرة الخرطوم، وبعدها سيتجه لإضراب القطاعات المهنية.
ويتزامن ذلك مع إضراب بدأ الاثنين وتبنته لجنة أطباء السودان، وهو يستثني أقسام الطوارئ، كما أعلنت لجنة الصيادلة إضرابا مماثلا الثلاثاء. وتجمعُ المهنيين السودانيين هو كيان مواز لاتحاد نقابات عمال السودان الذي يسيطر عليه موالون لحزب المؤتمر الوطني الحاكم.
ويبدو أن مسيرة الثلاثاء لن تكون الأخيرة، فقد أكد الطبيب محمد ناجي، عضو سكرتارية تجمع المهنيين، أن هذا التجمع بدأ خططه بإضراب الأطباء، وتحدث عن تصعيد قادم بدخول قطاعات مهنية أخرى في إضراب مفتوح وصولا للعصيان المدني.
وقال ناجي للجزيرة نت إن مسيرة الخرطوم حققت نجاحا يفوق المتوقع منها بمشاركة آلاف السودانيين فيها، كما أنها وحّدت السودانيين بجميع تياراتهم حول مطلب إسقاط الرئيس البشير، رغم الطوق الأمني المشدد الذي حال دون وصول المتظاهرين للقصر الرئاسي.
وأبدى عضو آخر في سكرتارية تجمع المهنيين تفاؤلا أكبر بقوله إن دخول المهنيين على خط الاحتجاجات سيكون حاسما، باعتبار أن التحاق النقابات كان عاملا حاسما في ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964 وانتفاضة أبريل/نيسان 1985.
وسيكون التحدي أمام تجمع المهنيين هو دخول قطاعات مهنية في إضراب مفتوح عن العمل، خاصة منها القطاعات المؤثرة مثل الأطباء والمعلمين.
ورغم أن المسيرة لم تتمكن من تسليم المذكرة التي تطالب برحيل الرئيس وحكومته، فإن المهنيين اختبروا الشارع بقوة وجرأة نادرة لم يعهدها السودانيون منذ أن تولى البشير الحكم في يونيو/حزيران 1989.
مذكرة الرحيل
ودعت المذكرة، التي تلقت الجزيرة نت نسخة منها، الرئيس وحكومته للتنحي فورا، وإفساح المجال لحكومة انتقالية بمهام محددة وتوافقية بين كل أطياف المجتمع السوداني.
وقالت المذكرة التي كان موضوعها “ارحل”، إن “التجمع يؤكد مواصلته في كافة الخيارات الشعبية السلمية بما فيها الإضراب العام والعصيان المدني حتى إسقاط النظام”.
مواجهات
ومنذ صباح الثلاثاء تمركزت أرتال كبيرة من القوات التابعة للشرطة وجهاز الأمن حول الشوارع المؤدية للقصر الرئاسي تحسبا لدعوة تجمع المهنيين التي حظيت بمساندة قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
ودارت مواجهات بين القوات الأمنية والمتظاهرين بشارع الحرية وعند ميدان أبو جنزير المطل على شارع القصر على بعد نحو 250 مترا من أسوار القصر.
واحتشد المتظاهرون بشارع “المك نمر”، وأخذت المسيرة طريقها إلى شارع الجامعة حيث مقار الوزارات. لكن قوة كبيرة من الشرطة والأمن قطعت الطريق أمامهم عند تقاطع “المك نمر” مع شارع البلدية قبل أن تستهدفهم بقنابل الغاز وتوقف تقدمهم باتجاه شارع القصر.
وأثناء محاولتهم التقدم نحو القصر الرئاسي، كان المتظاهرون يرددون النشيد الوطني ويهتفون بسقوط الحكومة، كما هتفوا “شعب واحد جيش واحد”، محاولين التقدم صوب القيادة العامة للجيش القريبة من المكان، لكن طوقا أمنيا مشددا حال دون ذلك أيضا.
ومع حلول المساء نشطت القوات الأمنية في ملاحقات استهدفت كل من يشتبه في مشاركته في المظاهرات، وجرى اعتقال أشخاص بينهم زعيم حزب البعث علي الريح السنهوري، والشاعر محمد طه القدال، في حين تعرض صحفيون للاعتداء من قبل القوات الأمنية.
الجزيرة