سوريا التي تغادرها القوات الأميركية قريبا بقرار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستمثل نسخة ممزقة من سوريا قبل الحرب، وربما تصبح المعارضة السورية المسلحة والقوات الإيرانية والروسية أكثر حرية في بسط نفوذها فيها حاليا.
جاء ذلك في تقرير بصحيفة نيويورك تايمز عن وضع سوريا بعد مغادرة القوات الأميركية، مشيرة إلى أن تركيا تهدد بغزو هذه البلاد لاستئصال مقاتلي الأكراد، كما أن قوات النظام السوري تزحف نحو الأراضي التي ستغادرها القوات الأميركية، وقد بدأت إسرائيل بقصف المليشيات التي تدعمها إيران في العمق السوري، أما روسيا فمن المتوقع أن تتحرك سريعا لتدمير آخر بقايا المعارضة السورية المسلحة في محافظة إدلب شمال غرب البلاد.
الشرق الأوسط الآن
ونسب التقرير إلى الدبلوماسي الأميركي العريق رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس -في تغريدة له- قوله إن “الضربات الإسرائيلية لسوريا، واستمرار الحرب السعودية في اليمن، واستعداد تركيا للهجوم على الأكراد السوريين، واستمرار بشار الأسد في السلطة، وتنظيم الدولة الذي لم يُهزم تماما، وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وصيرورة روسيا أقوى قوة أجنبية”؛ هي الشرق الأوسط عقب الانسحاب الأميركي من سوريا.
وستكون سوريا بعد الحرب الأهلية -وفقا للتقرير- أكثر هشاشة بكثير مما كانت عليه قبل هذه الحرب، وستكون دولة قمعية تديرها روسيا وإيران ويقودها بشار الأسد.
ونقلت الصحيفة عن دانييل بينيم الباحث في شؤون الشرق الأوسط، قوله إن العائد الذي حصلت عليه روسيا وإيران نظير دعمهما لبشار الأسد هو النفوذ في المنطقة، ويمثل ذلك لكليهما “سيناريو الأحلام”، وهما سعيدتان بإبلاغ العالم أن أميركا لم تعد شريكا يوثق به في الشرق الأوسط.
وعن احتمال تجدد الحرب ضد تنظيم الدولة، قالت نيويورك تايمز إن هذا الأمر غير واضح، مشيرة إلى أن عدد مقاتلي التنظيم الموجودين في أنحاء متفرقة من سوريا ربما يصل إلى ثلاثين ألف.
توقعات حروب أخرى
ونقلت عن كثير من الخبراء أن الانسحاب المتسرع للقوات الأميركية من سوريا ربما يتسبب في حرب كبيرة أخرى، خاصة لدى تحرك تركيا لتدمير الأكراد، أو لدى استعادة قوات النظام شمال شرق البلاد، أو كليهما.
وربما يتوصل الأكراد والأسد لصفقة قبل أن تنشب بينهما معارك، وإذا لم يتوصلا فإن المعارك بينهما ستسفر عن لاجئين يفرون باتجاه العراق، في اضطراب جديد يكون حاضنة جديدة لتجدد بروز تنظيم الدولة.
وأضاف التقرير أن روسيا وإيران والمليشيات المدعومة من إيران -بما فيها حزب الله اللبناني- متموضعة في أماكن مناسبة للغاية للاستيلاء على مناطق شمال شرق سوريا كانت توجد فيها القوات الأميركية، إذ تحتل مجتمعة 29 موضعا قريبا وسبعة مواضع أخرى عبر الحدود العراقية.
شمال غرب سوريا
أما شمال غرب البلاد الذي توجد فيه المعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة، فإن روسيا ربما تساعد الأسد بالاستيلاء عليه بشكل نهائي، لكن من المتوقع أن تتباحث روسيا مع تركيا التي كانت تساعد هؤلاء المعارضين ولها مصلحة في استقرار وضع هذه المنطقة.
وتناول التقرير تأثير هذه التغيرات في سوريا على إسرائيل، ناقلا عن محللين قولهم إن إيران تستطيع حاليا ربط الشيعة في العراق وسوريا ولبنان في جبهة موحدة ضد إسرائيل. وفي سوريا تحاول إيران وحزب الله تعزيز وجودهما العسكري بالقرب من هضبة الجولان.
وقد أوضحت إسرائيل تماما أنها لا تتسامح البتة مع زيادة التهديد لها من سوريا، وهو ما أكدته تل أبيب بضربات جوية قرب دمشق أمس الأول.
وكانت روسيا -التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل- قد سمحت ضمنيا بهجمات مماثلة في الماضي، ومع ذلك فإن الكرملين اعترض أمس على هذه الضربات واصفا إياها بالانتهاك الإسرائيلي الفاضح للسيادة السورية.
كيف غيّرت إيران سوريا؟
وبحسب الصحيفة، تواجه الشراكة الشيعية التي تقودها إيران في سوريا ضعفا أساسيا وهو قلة الشيعة في بلاد أغلب سكانها من السنة، ومع ذلك استطاعت طهران إلى حد ما تمديد نفوذها وسط المقاتلين السوريين والمدنيين على حد سواء.
ووزعت إيران في بعض الأجزاء السورية أموالا للمساعدة في بناء مساكن للنازحين، وفي أخرى أنشأت أضرحة اجتذبت زوارا من إيران والعراق وسوريا.
وفي تحدٍ للعلمانية التاريخية للدولة السورية، استطاعت إيران وحزب الله أن تغرسا نزوعا نحو المذهب الشيعي وسط السكان في بعض أجزاء البلاد، ولدى الجنود الذين انشقوا من قوات النظام وانضموا للمليشيات التي تدعمها إيران.
ففي الماضي كان من النادر مشاهدة احتفالات بعاشوراء في مناطق دمشق غير الشيعية، أما الآن فإن مسيرات عاشوراء والاحتفال بها أصبحت أكثر ظهورا.
هل يجد الروس ترحيبا بسوريا؟
عززت روسيا علاقاتها بقادة سوريا وبتركيا وتفوقت على الولايات المتحدة، وأصبحت هي القوة التي يمكن التعامل معها في الشرق الأوسط.
وأثبت الروس تفهما حكيما لما يثير الحساسيات في سوريا، فقد أرسلوا لها جنودا من الشيشان الروسية السنية للتفاوض مع المعارضة حول الانسحابات المتعددة وللحفاظ على السلام في المناطق السنية التي استعاد الأسد السيطرة عليها.
وعلى العموم، قال التقرير إن السوريين -خاصة السنة منهم- يرحبون بالروس أكثر من قوات الأسد ومن مليشيات الشيعة المدعومة من إيران.
هل ينشب خلاف بين روسيا وإيران؟
هناك منافسة فعلية قد بدأت بين روسيا وإيران، مع رغبة موسكو في أن تتوقف الحكومة السورية عن الاعتماد على المساعدة العسكرية والمالية الروسية، ورغبة إيران في أن ترى حكومة بدمشق ضعيفة.
وبدأ كلا البلدين تعيين مستشارين في أجهزة الأمن السورية، لكن كليهما يواجه تحديات تتعلق بالبقاء في سوريا، فكلاهما غير قادر على تحمل تكلفة إعادة الإعمار التي تُقدر بما يتجاوز مئتي مليار دولار.
ويحاول الروس العثور على مخرج لوجودهم العسكري في سوريا مع الحفاظ على قاعدتيهم العسكريتين ومستشاريهم في أجهزة الأمن وشركاتهم المساعدة في إعادة الإعمار.
أما الإيرانيون -الذين مارسوا سياسة حاذقة حتى الآن في سوريا- فليس بمقدورهم أن يستمروا بممارستهم إلا بصعوبة بالغة، نظرا إلى الضائقة الاقتصادية التي يعانون منها.
ومضت نيويورك تايمز تقول إن إيران وروسيا ربما تجدان أن من الصعب استقرار سوريا تحت حكم الأسد، وأن السلام سيواجه الأسد بتحديات لا عهد له بها أيام الحرب.
المصدر : نيويورك تايمز