الغلق الجزئي للحكومة الأميركية.. أسبابه وتداعياته

الغلق الجزئي للحكومة الأميركية.. أسبابه وتداعياته

دفعت الأزمة السياسية الحالية التي تشهدها الولايات المتحدة لغلق جزئي للحكومة الفدرالية. ويُقصد بالغلق في هذه الحالة توقف مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين والمتعاقدين مع الجهات الحكومية عن العمل لحين التوصل لحل لأزمة قانون الإنفاق ضمن الميزانية.

ومرر الكونغرس خمسة مشاريع للإنفاق الحكومي قبل بدء العام المالي الجديد، وهذه التشريعات تغطي 75% من أعمال الحكومة الفدرالية حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2019.

وتشمل هذه القوانين مخصصات وزارات الدفاع والمحاربين القدامى والطاقة والعمل والتعليم والصحة والتنمية الإنسانية. ولم تحسم مناقشات قوانين التمويل الحكومي مخصصات 25% من أعمال الحكومة التي من ضمنها وزارات الزراعة والداخلية والخارجية والإسكان والأمن الداخلي والبيئة والعدل والنقل.

ويستثني من هذه الوزارات من تتعلق أعمالهم بالأمن أو أعمال حماية الممتلكات والمنشآت الخاصة والعامة. أما أكثر الجهات تأثرا بهذا الغلق فهي وزارة التجارة وإدارة الضرائب وكالة الفضاء الأميركية(ناسا).
ولن يحصل العاملون بهذه المؤسسات، الذين يقدر عددهم بـ420 ألف موظف، على أجورهم خلال مدة الغلق، وهي المدة التي تشهد مناسبتي أعياد الميلاد وبداية العام الجديد، ويرتبط بهما ارتفاع كبير في معدلات إنفاق العائلات على الهدايا وعلى الاستعداد للاحتفالات بالعام الجديد.

ويحصل العاملون بالولايات المتحدة على مرتباتهم كل أسبوعين، وقد يسبب الغلق الجزئي مآسي مالية لآلاف العائلات إذا امتدت عملية الغلق لأكثر من أسبوعين.

وتبدأ السنة المالية الفدرالية الأميركية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول وتنتهي بنهاية سبتمبر/أيلول.

ويطالب ترامب بتضمين مبلغ خمسة مليارات دولار لإنشاء جدار فاصل عند الحدود الجنوبية المتاخمة للمكسيك لوقف الهجرة غير النظامية. ويطالب الديمقراطيون بالتركيز على ضبط وتحديث عملية وأجهزة مكافحة الهجرة غير النظامية بدلا من بناء الجدار. وتقليديا يكون الحل الوسط هو تبني معدلات إنفاق العام المالي السابق 2018، وهو ما لا يلبي رغبة الرئيس ترامب في تمويل الجدار العازل مع المكسيك.

كيف يحدث الغلق؟
تتعرض الجهات الحكومية للغلق إذا لم تحصل على مخصصاتها المالية كما تظهر في مشروع قانون الإنفاق العام. وتقليديا يحدث توافق على تشريعات الإنفاق الحكومي بين الجمهوريين والديمقراطيين حيث يضطر كلاهما للتنازل عن بعض مطالبه في عملية تفاوض معقدة وطويلة.

لكن، وفي حالات قليلة جدا، تتعرض هذه العملية لعقبات خطيرة إذا تمسّك أحد الأطراف ببند أو قضية ولم يتراجع ليقبل حلا وسطا بخصوصها. وهذا هو السيناريو الذي يعطل التوصل لاتفاق حيث يصمم الرئيس ترامب على طلبه، وهو صاحب حق الفيتو الذي بمقتضاه يستطيع رفض أي تشريع للكونغرس.

وعلى الرغم من أن الكونغرس يستطيع التغلب على الفيتو بأغلبية الثلثين، فإن هذا السيناريو صعب الحدوث نظرا لاتفاق أعداد كبيرة من الجمهوريين مع موقف ترامب.

وتعد العاصمة واشنطن أكثر المناطق تأثرا بعملية الغلق. وذكر عدد من السياح الموجودين بواشنطن للجزيرة نت أن “دورات المياه العامة في منطقة المتاحف ومبنى الكونغرس والتي تكتظ بالسياح في هذا الوقت من العام أغلقت أبوابها منذ بدء عملية الإغلاق الحكومي والتي بدأت مع أول ساعات يوم السبت الماضي”.

ولا يعتقد جاستن بوجيه خبير الميزانية الحكومية بمعهد هيريتيج المحافظ بواشنطن أن الغلق الجزئي للحكومة الفدرالية شيئا سيئا. ويقول “بعدما وعد قادة الكونغرس من الحزبين في بداية العام بأن الأمور ستختلف هذا العام في إشارة إلى 2018، إلا أننا مرة أخرى نواجه غلقا للمؤسسات الفدرالية بسبب تسييس قضية الموازنة”.

ويعتقد بوجيه أن أغلبية المواطنين الأميركيين قد لا يشعرون بأن هناك غلقا جزئيا للحكومة. “الغلق الجزئي للحكومة ليس شرا مطلقا كما يعتقد البعض، لن تكون هناك فوضى في الشوارع، وسيصلك شيك مستحقات برامج الرعاية الاجتماعية كذلك. كما لن تتأثر خدمة توزيع البريد، ولن تغلق المتنزهات أو المتاحف أبوابها، فقط ستقلص عدد العاملين خلال فترة الغلق”، كما ذكر في تحليل له نشره مركز هيريتيج.

تسيس الغلق
وبغض النظر عن الأزمة الحالية، يرى جاستن بوجيه أن المستقبل لا يحمل أي أنباء جيدة، إذ “ستبقى عملية الاتفاق على الميزانية الفدرالية عاجزة ومهلهلة في انتظار الأزمة القادمة. وعلى الشعب الأميركي أن يطالب الكونغرس بتحسين طريقة إعداد الموازنة العامة للدولة لضمان استمرار العمل الحكومي بلا توقف”.

ورغم تعهد ترامب بعدم توقيع أي تشريع لا يتضمن الخمسة مليارات دولار لبناء الجدار الحدودي، لا يبدو أن الديمقراطيين سيخضعون لتهديداته. وتعتقد الباحثة مولى رينولدز من معهد بروكينغز بالعاصمة واشنطن أن “الوقت ليس في صالح الرئيس ترامب والجمهوريين”.

فبعد أيام ستؤول الأغلبية بمجلس النواب للحزب الديمقراطي وسيتم قتل فكرة تمويل بناء الجدار الحدودي الذي تدعمه أغلبية مجلس النواب الحالي الذي يتمتع بأغلبية جمهورية. وتعقد رينولدز أن موقف ترامب “سيضعف مع بداية العام الجديد خاصة مع رفض مجلس الشيوخ تغيير قواعده التصويتية على مشاريع قوانين الميزانية”.

ويتطلب تمرير قوانين الإنفاق أغلبية 60 صوتا، ويستطيع زعيم الجمهوريين بالمجلس ميتش ماكونيل تغيير قاعدة التصويت لتصبح بالأغلبية البسيطة، إلا أنه لا يستطيع ضمان موافقة أعضاء المجلس من حزبه الجمهوري على هذه الخطوة نظرا لخطورتها المستقبلية على الجميع. وصوّت مجلس النواب داعما موقف ترامب بأغلبية 217 صوتا مقابل 185 صوتا.

ولا يعد الغلق الجزئي للحكومة الأميركية الأول هذا العام، فقد أغلقت الحكومة كذلك لثلاثة أيام قبل نهاية يناير/كانون الثاني الماضي عندما رفض ترامب توقيع مشروع الإنفاق لأنه لم يتضمن بندا يتعلق بوقف تمويل برنامج يمنح وضعا قانونيا للشباب المهاجرين الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني عندما كانوا أطفالا والمعروفين باسم “الحالمين”.

وخضع ترامب لضغط الجمهوريين ووافق مضطرا على القرار مع التعهد بعدم القبول به مستقبلا. إلا أنه وبحلول سبتمبر/أيلول الماضي اضطر للتوقيع على قانون تمويل لا يتضمن مخصصات لبناء الجدار الحدودي، وتعهد الجمهوريون بالانتظار حتى انتهاء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، التي جرت في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ترمب يغرد
وحاول ترامب كسب تعاطف المواطنين الأميركيين بتغريدة يوم عيد الميلاد قال فيها “أجلس وحيدا تماما في البيت الأبيض في انتظار عودة الديمقراطيين وإبرام اتفاق بشأن أمن الحدود الذي نحن في أمسّ الحاجة إليه”.

“في مرحلة ما سيكلف الديمقراطيون الذين لا يريدون إبرام الاتفاق بلدنا أموالا أكثر من قيمة جدار الحدود الذي نتحدث عنه جميعا. هذا جنون”! .

لكن استطلاعا للرأي أجرته جامعة كوينبايك أظهر أن 62% من الأميركيين يعارضون الإغلاق الجزئي للحكومة، في حين يدعم الفكرة 34% منهم.

وعند السؤال عن الجهة التي يقع عليها اللوم بسبب الغلق، ألقى باللوم على الجمهوريين والرئيس ترامب 51% من المستطلعة آراؤهم، في حين ألقى 37% باللوم على الديمقراطيين، وعبّر 12% عن عدم تأكدهم ممن يجب أن يلقى عليه اللوم.

ولا يبدو أن هناك أفقا لحل سريع، وأكد زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ ميش ماكونيل أنه لن يطرح أي مشروع قانون للتصويت إلا إذا أظهر الجانبان مرونة وتراجعا عن موقفيهما بما يسمح بالحصول على أغلبية 60 صوتا اللازمة.

أما الرئيسة القادمة لمجلس النواب نانسي بيلوسي فقد أكدت لصحيفة “يو أس إي توادي” أن أول خطوات مجلس النواب الجديد في بداية العام الجديد ستكون التصويت على تشريع يسمح بإعادة فتح الحكومة الفدرالية أبوبها المغلقة، وهو ما تعهد ترامب باستخدام حق الفيتو تجاهه إذا لم يتضمن مخصصات بناء الحاجز الحدودي مع المكسيك.

المصدر : الجزيرة