هل تغيرت السياسة الأميركية في المنطقة؟

هل تغيرت السياسة الأميركية في المنطقة؟

أثار قرار الرئيس الأميركي بسحب القوات الاميركية من سورية عاصفة سياسية في واشنطن تناثرت توابعها لتصل منطقتنا مثيرة قلق أصدقاء وأعداء وأعدقاء واشنطن.
استقال وزير الدفاع ماتيس وتبعه مبعوث الرئيس للتحالف الدولي لمحاربة داعش بريت ماكغورك احتجاجا على قرار الرئيس وسياسات أخرى اختلفوا حولها وعليها، ومن بينها التحالف المزمع انشاؤه في الشرق الأوسط كمظلة دفاعية عسكرية تستهدف مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة ومواجهة التطرف والارهاب وأهداف أخرى مثل ضمان أمن النقل البحري والسيطرة على انتشار السلاح غير التقليدي والهجرة غير الشرعية.
وعلى الرغم من عدم البدء بتنفيذ الانسحاب بعد والحاجة لوقت لوضع برنامج زمني لذلك، إلا أن القلق بدأ يخيم على المنطقة لأن الفراغ سيبحث عمن يملؤه وتجربة الولايات المتحدة بالعراق تقول إن إيران هي الوحيدة الجاهزة “فعلا” أكثر من “قولا” لملء الفراغ.
الرسائل المتضاربة من واشنطن أخافت الكثيرين. ولتبديد مخاوف أصدقاء واشنطن، وردع أعدائها، في المنطقة يبدأ وزير الخارجية بومبيو اليوم الثلاثاء زيارة لثماني دول عربية لإيصال رسالتين علنيتين على المستوى الاستراتيجي؛ الأولى أن الولايات المتحدة لم ولن تنسحب من المنطقة، والثانية أن إيران تشكل التهديد الرئيس لأمن المنطقة. وليس من المنتظر أن يتفق معه كل مستقبليه على كل شيء إلا إذا كانت إملاءات مقررة سلفاً وعلى “الشركاء” التنفيذ. نقاط الاختلاف على المستوى الاستراتيجي هي أن بعض الدول العربية المشمولة بالزيارة، مثل الأردن، ترى أن القضية الفلسطينية أهم أولوياتها ولديها تصورات بعضها واضح، وأخرى غير ناضجة بعد، حول الحلول بما يضمن مصالحها ومصالح مواطنيها من اللاجئين الفلسطينيين.
وربما ستسمع المملكة العربية السعودية ما يطربها في موضوع إيران، وما يقلقها في موضوع اليمن، وما لا تحبذ في موضوع خاشقجي. أما عُمان فستلقى الثناء على دورها في العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين ودورها التصالحي في اليمن ومن الممكن جدا أن تسلم رسائل إيرانية للوزير الضيف في عدة ملفات أهمها دور إيران في اليمن وسورية والعراق وأمن الخليج. سيسمع البحرينيون ما يطربهم في موضوع إيران وأن البحرين “دولة مواجهة”. سيسعد القطريون بالحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وبمناقشة مشاكل الطيران الناجمة عن “المقاطعة” أو “الحصار”.
المصريون سيسمعون إطراء في مكافحة الارهاب وفي دفع عملية السلام. وسيقوم جون بولتون بزيارة إسرائيل وتركيا للاتفاق على ما ينبغي عمله في سورية ومواجهة إيران هناك.
من غير المنطقي القول إن الولايات المتحدة ستغير مواقفها وسياساتها القائمة الآن بشكل مفاجئ. التغيير يحتاج لوقت وترتيب الخلفاء من اللاعبين الاقليميين. وهنا تبرز تركيا متحفزة للدخول بقوة إلى سورية لوأد الطموحات الكردية وضمان اليد العليا إلى جانب روسيا وبالتنسيق مع الدول العربية ذات العلاقة (قوى عربية تحل محل القوات الاميركية)، وسيكون الموقف الأميركي مبنيا على ضمان تحجيم إيران أساساً. ومع إعلان الادارة عن تأخير آخر، لعدة أشهر،عن إعلان “صفقة القرن” لا يبدو أنها ستقدمها لأنها تدرك سلفا انها لن تُقبل. كل هذا يعني أن الولايات المتحدة باقية جارة لجميع دول المنطقة إلى أن تتمكن الصين من منافستها بشكل جدي على المستوى الاستراتيجي.

الغد