عيد ميلاد ليس ككل الأعياد مرّ على أوكرانيا اليوم، فقد اختلط الدين مع السياسة، والمشاعر الروحانية الإيمانية مع الأحاسيس الوطنية، على غير العادة.
عيد يأتي بعد يومين من حدث تاريخي شهدته البلاد، يعرف محليا باسم “توموس”، ويعني وثيقة استقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية رسميا عن البطريركية الروسية، بعد نحو 332 سنة من التبعية، وباعتراف “بطريركية القسطنطينية الأرثوذكسية المسكونية”، التي تعد أكبر ممثل للأرثوذكسية الشرقية.
وقوبل هذا الاستقلال بغضب سياسي وشعبي وديني روسي، واعتبر “انشقاقا” و”خيانة”، وفق مختلف التعليقات والتصريحات، لكنه في المقابل لقي ترحيبا واسعا في أوكرانيا، التي بدأت تعلن فيها الكنائس تباعا ولاءها للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة، برئاسة الأسقف إيبيفاني.
وسرعان ما انضمت كنائس كاثوليكية ومعابد يهودية ومؤسسات إسلامية إلى قافلة المرحبين، التي وجدت في الحدث “استقلالا دينيا” لا بد منه عن روسيا.
الشيخ سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا (أمّة) كتب على صفحته في فيسبوك: “استقلال الكنيسة حدث تاريخي، وخطوة كبيرة نحو تطوير ليس فقط الكنيسة الأرثوذكسية المستقلة المعترف بها دوليا، بل نحو تطوير وتعزيز دولة أوكرانية مستقلة أيضا”.
استقلال حقيقي
وفي حديث مع الجزيرة نت، أوضح مفتي مسلمي أوكرانيا أن “الأمة الأوكرانية حصلت على أحد أقوى العوامل التي تضمن وتحمي الاستقلال الحقيقي لأوكرانيا”. في إشارة إلى تبعية نحو 35 مليون نسمة في أوكرانيا إلى المذهب الأرثوذكسي، أي ما يقارب نحو 70% من إجمالي عدد السكان.
وأضاف إسماعيلوف أن مسلمي أوكرانيا إلى جانب غيرهم من المواطنين، يرحبون ويدعمون كل ما يفيد المصالح الوطنية للبلاد، ويحمي حريتها، ويلبي تطلعات أبنائها.
ويربط مسلمو أوكرانيا أهمية هذا الحدث بأهمية ما يتبعه من حوار وتعاون يصب في مصلحة جميع الأوكرانيين.
وفي هذا السياق، عبر مفتي مسلمي أوكرانيا عن أمله في تعزيز الحوار بين الأديان والتعاون المثمر بين المسيحيين والمسلمين بعد استقلال الكنيسة، والرغبة في التعاون من أجل مستقبل سعيد لأوكرانيا، يضمن الحفاظ على الحريات الدينية فيها.
ويقول إن قاعدة هذا الحوار هي المصالح الوطنية، والكثير من القواسم المشتركة بين الديانتين، لا سيما في مجال القيم الروحية والأخلاقية.
حملة “أحب المسيح”
وعشية عيد الميلاد وفق المذهب الأرثوذكسي، نظم مجموعة من الشباب المسلم في العاصمة كييف حملة في ميدان الاستقلال وسط العاصمة، حملت عنوان “أحب المسيح لأنني مسلم”.
وقوبلت الحملة بترحيب لافت من قبل المارة، وبعضهم التقط الصور مع المنظمين وعبر عن شكره لهم، بحسب ما صرح به الداعية طارق سرحان للجزيرة نت.
وأشار سرحان إلى أن الحملة -التي تهدف إلى التعريف بالإسلام أصلا من خلال الحديث وتوزيع المنشورات- أخذت بعدا آخر، وأبرزت الحب والاحترام المتبادل بين أغلب المسلمين والمسيحيين الأوكرانيين.
ولفت هنا إلى الإقبال على المشاركة في الحملة من قبل مسلمين ومسيحيين أيضا، وإلى العناق وعبارات التهنئة بالاستقلال بين المسلمين والمسيحيين.
الناشطة الشابة أناستاسيا أورلوفا -ابنة لأبوين مسيحيين- اعتنقت الإسلام منذ مدة، وذهبت بمبادرة منها إلى أبعد من تلك الحملة، فنشرت صورة لها على فيسبوك من داخل إحدى الكنائس المحتفلة بالعيد والاستقلال.
وكتبت أورلوفا على فيسبوك “أمر مثير أن نشهد هذا الحدث الرائع بالنسبة لأوكرانيا. قوة أوكرانيا في الوحدة والاحترام المتبادل بين أبنائها”.
المصدر : الجزيرة