مجالس المحافظات تُردّد أصداء معارك الفرقاء العراقيين على السلطة

مجالس المحافظات تُردّد أصداء معارك الفرقاء العراقيين على السلطة

ملف المحافظين ومجالس المحافظات في العراق تحوّل إلى موضوع حسّاس مع اندلاع موجة احتجاجات عارمة في محافظات جنوب البلاد بسبب ضعف الخدمات وتردّي الأمن وتفشي الفقر والبطالة. وقد سلّطت تلك الموجة الضوء على الفساد المستشري في مفاصل الحكم المحلّي على غرار ما هو موجود في الدولة العراقية ككل.

كربلاء (العراق) – لا تنقطع تهم الفساد والفشل في إدارة شؤون الدولة، والتي تتسبّب بكوارث ذات أثر في حاضر العراق ومستقبله، عن ملاحقة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لتعصف بسمعة حزبه، حزب “الدعوة الإسلامية”.

وأطاحت تهم الفساد بمحافظ كربلاء عقيل الطريحي المنتمي للحزب، وذلك ضمن معركة أشمل يخوضها خصوم المالكي على أكثر من صعيد بهدف تحجيم نفوذه في أجهزة الدولة بمختلف مستوياتها.

ولا يزال هؤلاء الخصوم يتصدّون لمحاولة المعسكر الذي يضم المالكي وكبار حلفائه، للحصول على حقيبة وزارة الداخلية ضمن حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وإسنادها لفالح الفياض القيادي في الحشد الشعبي.

وبالنسبة إلى متابعين للشأن العراقي فإن المعركة على المناصب بمختلف مستوياتها، وبغض النظر عن كونها معركة مصالح ومكتسبات، فإنّها في بعض وجوهها معركة على وجهة السياسة العراقية في المرحلة المقبلة، حيث لا تخلو الساحة من أصوات منادية بالتغيير وساعية لإحداثه، وفق رؤاها وتصوّراتها.

غير أنّ مراقبين سياسيين يقلّلون من أهمية “الخصومة” داخل البيت السياسي الشيعي، ومن تأثيرها على وجهة السياسة العراقية.

ويقول برلماني عراقي سابق تحدّث لـ“العرب” طالبا عدم الكشف عن اسمه “إذا كان حزب الدعوة قد شيّد دولته عبر الثماني السنوات التي استلم فيها زعيمه نوري المالكي السلطة فإن عملية تفكيك تلك الدولة ستستغرق زمنا طويلا، في حال توفرت الإرادة الوطنية للقيام بذلك، وهو أمر مشكوك فيه في ظل خلوّ الساحة الشيعية من منافس منظم وقادر بنفوذه على شن حرب خفية على المفاصل الأساسية لتلك الدولة والتي يعتبر المحافظ الطريحي المقال واحدا منها، كونه يدير بطريقة غامضة وعنكبوتية شؤون واحدة من أكثر المحافظات العراقية ثراء بسبب ما يُسمى بـ“السياحة الدينية” التي تدر المليارات من غير أن يدخل منها شيء ولو قليل إلى الخزانة المركزية”.

ويضيف “غير أن إقالة الطريحي لا تشكل ضربة قوية لسلطة حزب الدعوة القائمة أصلا على إدارة ماكنة فساد تشمل جميع المنشآت التي يمكن من خلالها السيطرة على حركة الأموال الداخلة والخارجة كما هو حال البنك المركزي الذي يديره علي العلاق بطريقة تحوم حولها شبهات الفساد منذ سنوات، من غير أن تتمكن الحكومة أو مجلس النواب من مساءلته أو الحد من نشاطه القائم على تهريب العملة الصعبة من خلال سوق، ثبت بالوقائع أنها وجدت لغسيل الأموال والمتاجرة بالعملة في السوق السوداء”.

والثابت، بحسب نفس المتحدّث “أنه ما لم تسقط دولة حزب الدعوة فإن قيام دولة عراقية قادرة على تصريف شؤون مواطنيها بطريقة رشيدة يُعدّ هدفا صعب المنال. لذلك فإن كل حكومة ستكون محكوما عليها بالفشل بسبب عجزها عن القيام بواجباتها الخدمية. وكما هو معروف فإن خطوة من نوع إلغاء عدد من القوانين التي سنّت في زمني المالكي والعبادي ستكون بمثابة إشارة للبدء في معركة إسقاط دولة حزب الدعوة. وهو ما لم يقع بعد”.

وصّوت مجلس محافظة كربلاء الواقعة جنوبي العراق والتي تضم بعض أقدس المواقع لدى الطائفة الشيعية على إقالة الطريحي من منصبه، بسبب مخالفات مالية وإدارية في تنفيذ المشاريع الخدمية. وكان الطريحي قد تولّى منصب المحافظ في 2013.

ما لم تسقط دولة حزب الدعوة فإن قيام دولة عراقية قادرة على تصريف شؤون مواطنيها بطريقة رشيدة سيظل صعب المنال

ويتولى المحافظ، وفقا للقانون العراقي، مهام رئاسة اللجنة الأمنية العليا في المحافظة، بالإضافة إلى الإشراف المباشر على إحالة وتنفيذ جميع المشاريع الخدمية، والإشراف على عمل المؤسسات الحكومية ضمن الحدود الإدارية للمحافظة.

وتحوّل ملف المحافظين ومجالس المحافظات في العراق إلى موضوع حسّاس، خصوصا مع اندلاع موجة احتجاجات عارمة في محافظات جنوب البلاد، خلال الأشهر الماضية، بسبب ضعف الخدمات وتردّي الأمن وتفشي الفقر والبطالة، وهي مظاهر تُعزى في جانب كبير منها إلى فساد الحكومات المحلّية وعلى رأسها المحافظون الذين تحفّ بهم تهم متواترة بشأن سرقة المخصّصات المالية للمحافظات والتورّط في عمليات تلاعب كبيرة، وحتى في جرائم من قبيل غضّ النظر عن شبكات التهريب والمتاجرة بالمخدّرات.

وفي فبراير الماضي واجه محافظ النجف السابق لؤي الياسري المنتمي لحزب الدعوة فضيحة مدويّة بسبب القبض على نجله متلبسا مع عصابة تتاجر بالمخدرات في العاصمة بغداد.

ومع ذلك ظلّ الياسري في منصبه إلى أن أقاله مجلس المحافظة في ديسمبر الماضي عبر التصويت بعد توجيه استجواب له بشأن مخالفات في إدارة شؤون المحافظة.

ويقول النائب بالبرلمان العراقي علي البديري “إنّ هناك توجها لجعل مجالس المحافظات أبدية”، في إشارة إلى تأجيل الانتخابات المحلية لتجديد تلك المجالس، معتبرا أنّ “المطلب الأساسي للمتظاهرين كان إلغاء مجالس المحافظات، وأنّ المواطن لا يستفيد من تخصيصات المحافظات لأن الدوائر قسمت بين أعضاء المجالس”.

وقال محمد الطالقاني، عضو مجلس محافظة كربلاء إنّ “مجلس المحافظة صوّت على إقالة المحافظ على خلفية جلسة استجوابات سابقة وجّهت له وتضمنت جملة من المخالفات المالية والإدارية في عدد كبير من المشاريع”.

ولا تنفصل المعركة حول مناصب المحافظين في العراق عن معركة سياسية أوسع نطاقا وأبعد مدى، قطباها الرئيسيان، التيار الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وعدد من حلفائه السياسيين المشتركين معه في رفع شعارات الإصلاح واستقلالية القرار العراقي عن دوائر النفوذ الإقليمية، من جهة، ومعسكر الأحزاب والميليشيات الأكثر ولاء لإيران بقيادة نوري المالكي وزعيم ميليشيا بدر هادي العامري.

وتجدّدت مؤخّرا المعركة الحامية بين المعسكرين حول منصب محافظ بغداد ذي الأهمية الكبرى. وبدا للحظة أنّ الصدر قد وجّه “صفعة” جديدة للمالكي وحلفائه المقربين من إيران باستعادته منصب محافظ العاصمة والدفع بمرشحه فاضل الشويلي ليخلف القيادي في ائتلاف دولة القانون عطوان العطواني الذي كان قد تولى المنصب قبل سنوات بعد أن انتزعه من علي التميمي أحد المقربين من مقتدى الصدر.

غير أنّ المالكي تمكّن مع حلفائه من عكس الهجوم على الصدريين، مُظهرا احتفاظه بنفوذ كبير في مفاصل الدولة ومختلف مؤسسّاتها، وذلك بالطعن قضائيا في شرعية الشويلي والدفع بفلاح الجزائري إلى تولي منصب محافظ بغداد الذي تمّ انتخابه من مجلس المحافظة في جلسة غاب عنها ممثلو التيار الصدري والقوى المتحالفة معه.

العرب