الشيعة العرب في خطر

الشيعة العرب في خطر

ما من دولة في عالمنا المعاصر تستعمل الدين باعتباره أداة سياسية مثلما تفعل إيران. وما من نظام سياسي في عالمنا المعاصر يأتمر بأوامر رجال الدين مثلما هو النظام الحاكم في إيران. لذلك فإن إيران هي الدولة الدينية الوحيدة على وجه الكرة الأرضية اليوم.

وإذا ما عرفنا أن السلطة المطلقة في إيران هي بيد رجل دين هو المرشد الأعلى، له حق الولاية الدينية والدنيوية وأوامره لا تناقش، يكون نموذج الدولة الإيرانية الذي تمثله إيران، أكثر شمولية من النظام الشيوعي الذي لا تزال كوريا الشمالية تمثل نموذجه المتحجّر القائم حتى اليوم.

ولأن إيران محكومة بشروط الدولة الدينية، فقد وضعت منذ وصول الخميني إلى الحكم نصب عينيها تصدير نموذجها “الثوري” في الحكم إلى العالم الإسلامي، بدءا من العالم العربي الذي هو من وجهة نظر رجال الدين في إيران، المنطقة الأكثر قابلية للاختراق، مستندين إلى وجود ملايين العرب هم من أتباع المذهب الشيعي، وهو المذهب الذي تزعم إيران أن لها حق الولاية عليه وبالتالي الولاية على أتباعه، من منظور ديني لا يعترف بالكيانات السياسية ولا بالأوطان.

غير أن ما لم تخفه إيران أنها دولة قومية. فالإيرانيون هم فرس أولا، وشيعة ثانيا، في الوقت الذي صار فيه المتحزبون لها من العرب يفاخرون بأنهم شيعة أولا، وعرب ثانيا. وهنا يكمن الفرق بين حقيقة الموقف الإيراني، وبين الوهم الذي أوقعت إيران أتباعها فيه. وهنا بالضبط يكمن خطر إيران على الشيعة العرب.

لقد أفقدهم غرامهم بإيران حسّهم الوطني، من غير أن تقدم لهم إيران شيئا ينفعهم. شيئا يكون بديلا لما فقدوه. الأمر الذي يعني أنها جرّدتهم من ثوابت العيش لتلقي بهم في متاهة، كل طرقها مسدودة. لا يحتاج الوضع الفوضوي الذي يعيشه شيعة العراق إلى الوصف. لقد استلموا دولة ثرية فأفقروها حين سلموها لمافيات الفساد، فعجزوا عن أن يحموها بجيش وطني، فكانت الميليشيات الموالية لإيران هي البديل الطبيعي عنه.

العراق اليوم بلد تحكمه الميليشيات التي لن تكون في أحسن أحوالها إلا ذراعا من أذرع الحرس الثوري الإيراني، تستعمله إيران في الوقت المناسب لزعزعة الأمن والاستقرار في السعودية وبلدان الخليج العربي الأخرى. أهناك شيء آخر يمكن أن يقدمه نظام ولاية الفقيه للعراقيين؟

في لبنان يجاهر حسن نصرالله، زعيم حزب الله، بولائه للولي الفقيه في إيران، وصرح غير مرة بأنه جندي لدى ذلك الولي. ماذا عن لبنانيته؟ ماذا عن عروبته؟ إنها أشياء مرجأة. وهي الفكرة عينها التي تأخذ شبابا مُغيّبي العقول، مُنومين إلى القتل في سوريا، من غير أن يفكروا في ما ستربحه لبنانيتهم أو عروبتهم من موتهم؟

في البحرين تبدو الصورة أكثر قتامة. فإيران ما فتأت تطالب باسترداد البحرين باعتبارها جزءا منها (العراق هو الآخر وفق النظرية الإيرانية جزء من الإمبراطورية الفارسية بل عاصمتها) ومع ذلك فإن جمعية الوفاق الإسلامي، التي تطرح نفسها ممثلا لشيعة البحرين، تدين بالولاء للولي الفقيه. ألا تدفع تلك الجماعة الطائفية أتباعها إلى الخيانة من خلال ذلك الموقف المتهالك؟

من المؤلم أن بعض العرب لم يفهم معنى أن يكون المرء في إيران فارسيا. لقد غرر بهم المذهب، الذي هو عنصر طارئ، وأهملوا انتماءهم القومي الذي هو عنصر ثابت لا يتغير. فبإمكان المرء أن يغير مذهبه (دينه في ظروف معينة) ولكن ليس بإمكانه أن يغير قوميته.

من وجهة نظري فإن اللعبة الإيرانية، بكل ما تنطوي عليه من دهاء، هي أسوأ ما واجهه العرب في العصر الحديث. فهي لعبة تعتمد على المخاتلة والتضليل والخداع وشراء الذمم والضمائر ومخاطبة اللاوعي بمرويّات، كان الإيرانيون عبر العصور قد اخترعوها.

لقد دمرت إيران الشيعة العرب حين أخذتهم إلى المكان الذي صار عليهم أن ينتحروا فيه، وليس في خيالهم سوى صورة الحسين شهيدا. أما صورة المفاوض الإيراني الذي يقبل بأن يقوم الشيطان الأكبر بدور الرقيب عليه، فسيتم نسيانها.

فاروق يوسف

العرب اللندنية