ليس “الحجاب” ظاهرة أو مسألة اجتماعية أو دينية فحسب في إيران، بل يتخذ طابعا سياسيا مثيرا للجدل منذ 83 عاما، بعد أن حظره البهلوي الأول رضا شاه من خلال إقرار قانون في يناير/كانون الثاني 1936 يلزم الإيرانيات بخلع حجابهن، معتبرا أنه من معالم التخلف.
وقد أثار هذا القانون ردود فعل شعبية غاضبة آنذاك استمرت إلى أن تم إلغاؤه في عهد ابنه البهلوي الثاني محمد رضا عام 1944.
وبعد مجيء الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، عاد الحجاب إلى الواجهة السياسية مجددا، بعد صدور تعليمات من قائد الثورة آية الله الخميني بضرورة أن ترتدي النساء الحجاب الشرعي خارج بيوتهن.
فرض الحجاب
بعد الثورة لم يكن سهلا فرض الحجاب على النساء اللواتي لم يتعوّدن على ارتدائه من قبل، وبعضهنّ كنّ من أنصار الثورة على النظام البهلوي، لهذا استغرق فرض الحجاب سنوات عديدة، وجاء على مرحلتين، في عامي 1981 و1983.
في الأولى، اقتصر نطاقه على المؤسسات والدوائر الحكومية، وفي الثانية أصبح إلزاميا خارج البيوت لجميع النساء، بعدما تم إقرار قانون عقوبة عدم ارتداء الحجاب التي تتراوح بین التعزیر وغرامة مالية تصل إلى عشرين دولارا، وصولا للحبس من عشرة أيام إلى شهرين، و74 جلدة، بحسب المادة رقم 638 في قانون العقوبات الإسلامية.
أنواع الحجاب
وينص القانون على أن العقوبة تسري على جميع النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الشرعي المعروف، لكن على أرض الواقع لم يتم تطبيقه إلا على من تتخطى الحجاب العرفي المألوف في المجتمع الإيراني، والذي أصبح مقبولا إلى حد ما لدى السلطات الإيرانية بعد انتشاره الواسع.
الحجاب العرفي المذكور آنفا -والذي يُصنف على أنه حجاب غير شرعي- ينقسم في الدراسات الاجتماعية الإيرانية إلى: “الحجاب السيئ العادي”، و”الحجاب السيئ غير العادي”.
النوع الأول هو الأكثر انتشارا في إيران اليوم، فوفقا لآخر إحصائية رسمية نشرها مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني في عشرين صفحة في يوليو/تموز 2018، فإن 60-70% من الإيرانيات يرتدين الحجاب العرفي، وأكثرهنّ يلبسن النوع الأول، ومنهنّ 10-15% يُصنّف حجابهن على أنه “سيئ غير عادي” يخدش أحيانا الحياء العام.
ويؤكد المركز في تقريره أن 30-40% من الإيرانيات يلتزمن الحجاب الشرعي الذي يعتبر أفضل درجاته عند علماء الشيعة في إيران “الشادور”، وهو عباءة سوداء طويلة تغطي الرأس إلى القدمين، بحيث لا يظهر منه إلا الوجه.
أراء النساء
ويتضح من هذه المعطيات أن نسبة الملتزمات بالحجاب الشرعي -سواء الشادور أو غيره- حوالي 30% في المجتمع الإيراني، وأن ثلثي الإيرانيات لا يلتزمن به، وهنّ يرتدين الحجاب العرفي.
الجزيرة نت التقت في شوارع طهران وأسواقها فتيات ونساء من جميع الفئات المذكورة سالفا لاستطلاع آرائهن حول الحجاب وأهميته في حياتهن.
نسرين فتاة إيرانية تُنصف حجابها ضمن “العرفي السيئ العادي أو المألوف”، قالت في حديث للجزيرة نت في ميدان وليعصر وسط العاصمة طهران “لقد تعودت على هذا النوع من اللباس منذ طفولتي، ولا أرى فيه مشكلة. إنه حجاب كامل لا ينقصه شيء، فأنا حرة كيف ألبس، كما أنني أصلي، وأنا حرة في ذلك أيضا”.
خلال جولة في سوق تيراجة الراقية غربي طهران الذي ترتاده عادة نساء يُصنف حجابهنّ بأنه “حجاب سيئ غير عادي”، التقت الجزيرة نت بالسيدة زهرة قرة لو التي كانت ترتدي الشادور، وسألتها عن شعورها بالتواجد بين نساء يلبسن هذا النوع الخاص من الحجاب في السوق، فردت “نعم قد لا أشعر بارتياح تام، لكنني أتفهم دوافعهنّ. بعضهنّ يفعلن ذلك كرد فعل على سياسة فرض الحجاب، وليس الحجاب نفسه كفريضة شرعية. لذلك علينا التمييز بين الأمرين”.
من جانبها، تقول السيدة فاطمة رجبيان -المحجبة بالحجاب الشرعي من نوع الشادور- في شارع دماوند شرقي طهران، إن “النظام العالمي يستهدف قيم المجتمع الإيراني وعلى رأسها الحجاب، من خلال الغزو الثقافي بطرق مختلفة، لذلك على السلطات أن تقوم بمعالجة شاملة للموضوع، وعدم التساهل مع دعوات خلع الحجاب المدفوعة من الخارج
حملات خلع الحجاب
معارضة بعض الإيرانيات لا تقتصر على الحجاب الإسلامي فحسب، بل تتجاوزه إلى رفض الحجاب العرفي غير الشرعي أيضا، وهؤلاء يقمن بحملات نسائية يعلنّ فيها معارضتهن لقانون الحجاب الإجباري.
في العامين الماضيين، ظهرت حملة “بنات شارع انقلاب” في قلب العاصمة طهران، وبدأت أثناء احتجاجات يناير/كانون الثاني 2018 على تردي الحالة المعيشية، بعد أن قامت فيدا موحد بخلع غطاء رأسها وهي تقف على صندوق ضخم وسط جموع من المواطنين الإيرانيين.
على إثر ذلك اعتُقلت الفتاة التي عرفت بـ”بنت شارع انقلاب”، لكن بعد فترة قصيرة أفرج عنها، ثم تحول هذا العمل إلى ظاهرة وحملة في طهران ومدن كبرى، قامت خلالها فتيات إيرانيات قليلات بالفعل نفسه.
“الأربعاء الأبيض” عنوان لحملة تقودها المعارضة الإيرانية في الخارج ماسيح علي نجاد منذ 2017 عبر قنوات فضائية وشبكات التواصل ضد الحجاب الإسلامي، تدعو من خلالها الإيرانيات بخلع حجابهن (منديل الرأس) وتصويره ونشره على شبكات التواصل.
أمام هذا الواقع، يبدو أن السلطات الإيرانية وصلت إلى قناعة بأن التعامل الشرطي والقضائي مع الموضوع لم يجدِ نفعا، لذلك أعلن العميد حسين رحيمي رئيس شرطة طهران في ديسمبر/كانون الأول 2017، أن الشرطة ستنظم جلسات تعليمية لمن لا يراعين القيم الإسلامية، بدلا من اعتقالهنّ وإحالتهنّ إلى القضاء.
يأتي ذلك بعد تسيير الشرطة دوريات “الإرشاد” منذ يناير/كانون الثاني 2006 في شوارع المدن لمكافحة ظاهرة عدم الالتزام بالحجاب.
الجزيرة