على وقع زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى بغداد، والاحتقان الذي تشهده العلاقات بين طهران وواشنطن، أعادت الزيارة فتح ملف العلاقات الاقتصادية بين العراق وإيران، ولا سيما بعد دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ.
وتزامن ذلك مع زيارات لملك الأردن ورئيس وزرائه وعدد من وزراء الخارجية والدبلوماسيين العرب والأجانب إلى بغداد، مما يدفع الكثيرين للاعتقاد بأن العراق سيكون ساحة للضغوط الأميركية على إيران اقتصاديا وسياسيا وربما أمنيا.
ويرى عضو مجلس النواب العراقي إبراهيم بحر العلوم أن تجارة المواد الغذائية بين البلدين لن تتأثر كثيرا، لكن ما سيناله الضرر هو قطاع الغاز والطاقة الكهربائية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة أعطت العراق “فترة سماح” لمدة تسعين يوما يستمر فيها التبادل التجاري مع إيران بشكل طبيعي.
لكنه يؤكد أن الغاز الجاف غير كاف لدى العراق، ولا يمكن توفيره محليا خلال شهرين أو ثلاثة وربما حتى نهاية 2019، لذا فإن على واشنطن أن تطرح بديلا لمستلزمات الطاقة الكهربائية وإلا فإن فمن الصعب التخلي عن استيرادها من إيران، على حد قوله.
ويصف بحر العلوم وضع الكهرباء في العراق بالجيد حاليا، لكن الصيف قادم والحاجة ستتعاظم إلى توليد مزيد من الطاقة، وعلى الولايات المتحدة أن تبحث عن بدائل أخرى للعراق من دول الجوار حتى تنتفي الحاجة للتعامل مع إيران.
ويضيف متسائلا “لماذا لم تشجع الولايات المتحدة العراق بعد عام 2003 على استثمار الغاز حتى يستغني عن إيران؟”.
علاقات وثيقة
ووفقا للخبير الاقتصادي صالح الهماشي، فإن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران بحسب ما أعلنت عنه غرفة تجارة طهران بلغ سبعة مليارات دولار خلال عام 2018، وهو تطور نسبي قياسا إلى عام 2017 الذي بلغ حجم التبادل فيه ستة مليارات دولار.
ويخطط البلدان لرفع التبادل بينهما إلى عشرين مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة، فضلا عن أن غرفة تجارة طهران اعتبرت العراق أكبر سوق للمنتجات الإيرانية، لذا فمن الصعب ضبط العقوبات ومنع العراق من استيراد السلع الإيرانية، بحسب الهماشي.
ويلفت الهماشي إلى أن الحدود طويلة جدا بين الجانبين، وحتى في حصار عام 1991 لم تستطع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي منع تدفق المواد الغذائية والسلع التجارية على العراق من دول جواره كسوريا والأردن وتركيا وإيران أيضا.
لكن قطاعي الطاقة والتعاملات المصرفية سيتضرران كثيرا، فيما ستحاول الولايات المتحدة في الفترة المقبلة أن تسيطر على هذين القطاعين من أجل ضمان سريان مفعول العقوبات، بحسب تعبيره.
ولأن العلاقات بين العراق وإيران قوية ومتينة فإن الطرفين سيجدان مخارج كثيرة من هذا التضييق، في الوقت الذي قررت فيه الحكومة الإيرانية التعامل باليورو.
وأعلن البنك المركزي الإيراني أن التعاطي المالي مع العراق سيكون بالعملتين الإيرانية والعراقية، بحسب الهماشي.
ووفقا للخبير الاقتصادي، فإن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح إيران بنسبة 90% على الأقل، كما هو الحال مع بقية الدول، حيث يقتصر التصدير العراقي على النفط وبعض المواد الأولية مثل الحديد المعاد الذي يصدر إلى تركيا ودول أخرى.
مشاريع غير مكتملة
وتداولت بعض وسائل الإعلام تسريبات تتضمن معلومات بأن سعر شراء الغاز الإيراني من قبل العراق يزيد على سعره الحقيقي بأكثر من خمسة دولارات، لكن الخبير النفطي حمزة الجواهري يصف هذه المعلومات بغير الدقيقة.
ويضيف الجواهري للجزيرة نت أنه لا توجد تسعيرة ثابتة للغاز في المنطقة، لكن بعض الفروق في السعر يمكن أن تكون في الأجور التي تتقاضاها الشركات التي تنشئ أنابيبه وتشرف على نقله، وفق قوله.
ويرى الخبير النفطي أن العراق سيتأثر كثيرا بالعقوبات على طهران، خاصة في مجال الطاقة، لأنه يأخذ الغاز من الجانب الإيراني لتشغيل محطات توليد الكهرباء، فضلا عن استيراد الكهرباء لتغذية عدة مدن في جنوب العراق.
وفي حال حُرم العراق من ذلك فربما يخسر ما بين خمسة آلاف إلى ستة آلاف ميغاواط، وهذا لا يمكن تعويضه عن طريق دول أخرى، كما أنه لا توجد منظومة ربط شبكي للكهرباء حتى يستورد العراق الكهرباء من دول الجوار.
ويشير الجواهري إلى أن العراق يحتاج إلى حوالي ثلاثة أعوام لسد حاجته من الكهرباء، كما أن محطات معالجة الغاز تحتاج إلى ما بين عامين إلى ثلاثة حتى تكتمل، وتُمَد لها الأنابيب وباقي المستلزمات والتجهيزات.
كل ذلك يجعل من الأفضل أن يبقى الحال على ما هو عليه حتى يستطيع العراق الاعتماد على نفسه، عندما ينتهي إنجاز مشاريع محطات الكهرباء عام 2022، وفق ما يرى.
العرب