عودة الاهتمام الأميركي بأكراد العراق مع تضاؤل الرهان على أكراد سوريا

عودة الاهتمام الأميركي بأكراد العراق مع تضاؤل الرهان على أكراد سوريا

أكراد العراق الذين يشتكون منذ سنوات تراجع مكانتهم لدى الولايات المتحدة، ويتهمونها بإهمالهم وتركهم لمصيرهم، يجدون فرصة في التطورات الجارية بالمنطقة، وتحديدا في تراجع الرهان الأميركي على أكراد سوريا، لترميم علاقتهم بواشنطن التي يعتبرونها صاحبة الفضل الأول في ما حققه إقليمهم من مكاسب وامتيازات.

أربيل (العراق) – حثّ التحالف الدولي ضدّ داعش بقيادة الولايات المتحدة، الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية على المزيد من التعاون والتنسيق في محاربة التنظيم المتشدّد.

ومنذ الاستفتاء الذي أجراه أكراد العراق على استقلال إقليمهم في خريف سنة 2017، تراجع مستوى التنسيق بين الجيشين اللذين تعاونا كثيرا في مواجهة تنظيم داعش، بل إنّ القوات العراقية قامت إثر الاستفتاء بطرد البيشمركة من محافظة كركوك المتنازع عليها، فيما لوّح قادة سياسيون وعسكريون أكراد في أكثر من مناسبة بوقف التعاون مع بغداد في مواجهة داعش.

ومؤخرا لاحت بوادر عودة الاهتمام الأميركي بالقوات الكردية، وبإقليم كردستان العراق ككل، والذي يمكن أن يعود موضع ثقل التواجد الأميركي في المنطقة، بعد أن لاحت صعوبة رهان الولايات المتحدة على أكراد سوريا المجاورة لعدّة أسباب على رأسها الاعتراض التركي الشديد على تأسيس أي كيان عسكري أو سياسي كردي على الأراضي السورية.

وراجت في الفترة الأخيرة “أنباء” عن شروع الولايات المتحدة في نقل قوات ومعدّات عسكرية إلى إقليم كردستان العراق بعد سحبها من سوريا. ورغم أن تلك الأنباء لم تتأكّد، إلاّ أنّ خيار التعويض عن الانسحاب من سوريا بزيادة القوات في كردستان العراق يبدو خيارا مناسبا سياسيا ولوجستيا.

وتعترض قوى سياسية وميليشيات عراقية مسلّحة معروفة بولائها لإيران، على أي زيادة لأعداد القوات الأميركية على الأراضي العراقية.

وقال محمود الربيعي المتحدث باسم حركة صادقون، إحدى الكتل السياسية المنضوية في ائتلاف الفتح البرلماني، إنّه يجب التصويت على جدولة انسحاب القوات الأجنبية من العراق خلال الفترة المقبلة.

وفي حال عملت الولايات المتحدة على زيادة تركيز وجودها العسكري في كردستان العراق، فإنّ الأمر سيكون أيسر عليها، إذ لن يكون هناك اعتراض يذكر داخل الإقليم. ورغم أنّ الإقليم جزء من الدولة العراقية، إلاّ أنّه يتمتّع بقدر كبير من استقلالية القرار، كما أنّ حلفاء إيران قليلي التأثير في داخل كردستان قياسا بتأثيرهم في باقي العراق.

وخلال لقاء جمع قائد غرفة عمليات قوات التحالف في بغداد الجنرال أوستن رينفورد ومستشار مجلس أمن إقليم كردستان مسرور البارزاني في أربيل مركز الإقليم، عبّر الضابط الأميركي عن دعم التحالف للتنسيق والتعاون بين قوات البيشمركة وقواته والقوات العراقية، مؤكّدا التزام التحالف بمواصلة الدعم والتدريب لقوات البيشمركة.

ونقل بيان صادر عن مكتب البارزاني إشارة الأخير إلى ضرورة زيادة الدعم والمساعدة لقوات البيشمركة من أجل قطع الطريق على تحركات وتهديدات الإرهابيين في المناطق المتنازع عليها بين بغداد والإقليم.

وشدّد على أهمية “الاستعجال في تهيئة الأرضية المناسبة لتطبيع أوضاع تلك المناطق بالتعاون بين جميع الأطراف، والقضاء على أسباب عودة ظهور العنف عبر معالجة المشاكل السياسية والإدارية والدستورية”.

ويجد أكراد العراق في التطورات الجارية بسوريا فرصة لترميم علاقتهم مع الولايات المتحدة واستعادة مكانتهم لدى واشنطن التي لمسوا خلال السنوات القليلة الماضية تراجعا في اهتمامها بهم، حتّى اتّهمها بعضهم بالتخلّي عنهم وتركهم لمصيرهم إثر استفتاء الاستقلال الذي تعاونت تركيا وإيران مع بغداد في الردّ عليه بقوّة بإجراءات سياسية واقتصادية وأيضا عسكرية، لم تُبد الإدارة الأميركية أي اعتراض عليها.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخّرا نيته سحب قوات بلاده من شمال وشرق سوريا، حيث تنتشر هناك بأعداد محدودة إلى جانب قوات كردية ساهمت واشنطن في تسليحها وتدريبها بهدف معلن هو التصدّي لتنظيم داعش.

ويعتبر محلّلون سياسيون، أن قرار ترامب، هو في أحد وجوهه انعكاس لصعوبة خلق ورقة كردية في سوريا يمكن استغلالها بنجاعة في صراع النفوذ ولتأمين موطئ قدم على الأراضي السورية إلى جانب كلّ من روسيا وإيران، إذ أنّ مثل تلك الورقة لا تخلو من أعباء مادية وعسكرية، ومشاكل سياسية خصوصا مع تركيا الحليف القديم لواشنطن، والعضو في حلف شمال الأطلسي.

وربط بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي ضد داعش، بشكل صريح بين الوجود العسكري الأميركي في سوريا وصراع النفوذ الذي تخوضه بلاده.

وقال ماكغورك الذي استقال مؤخرا من منصبه بسبب قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات من سوريا، إنّ القرار “يُضعف موقف الولايات المتحدة أمام روسيا”، مضيفا في حديث لشبكة سي.أن.أن “ما أعطانا نفوذا على الطاولة هو حقيقة أننا موجودون على الأرض، وأننا نملك نفوذا على جزء كبير من سوريا، وأننا رسمنا خطوطا على الخريطة توضّح للروس أن لا تعبروها أو سيكون لديكم يوم سيّئ للغاية”.

وتابع “هذا كان سيعطينا النفوذ مع الروس.. نصل إلى نقطة أنه مع هزيمة داعش سنكون قادرين على الجلوس مع معهم، وإجراء محادثة جادة حول مستقبل سوريا. وعندما نعلن للعالم أننا مغادرون، فإن كل هذا النفوذ يتبخر تماما”.

وأكّد أن “الرأي المتفق عليه بالإجماع هو أن داعش لم يهزم، والمهمة لم تنته بعد”، مستدركا “لن يكون هناك خبير واحد يذهب إلى المكتب البيضاوي ويخبر الرئيس بأن هذا قد انتهى”.

وكان للحرب على تنظيم داعش، والتي دارت أهم فصولها على الأراضي العراقية “فوائد” على أكراد العراق الذين أتاحت لهم مشاركتهم الفاعلة في تلك الحرب تطويرَ قدرات قواتهم، والسيطرة على عدد من المناطق المتنازع عليها حتى أن الزعيم الكردي مسعود البارزاني قال حينها إنّ الحدود الجديدة للإقليم رسمت بالدمّ، لكنّ البيشمركة اضطرت لاحقا للانسحاب من أهم المناطق التي سيطرت عليها تحت ضغط القوات العراقية في ظلّ صمت أميركي وصفه أكراد عراقيون بـ“المريب”.

العرب