في خطابات مخالفة للسياسة الخارجية الإسرائيلية في تعاملها ميدانيا وتكتيكيا مع الملف السوري، خرجت السلطات الإسرائيلية بطريقة قصدية لتعلن في ثلاث مرات متتالية عن تبنيها لهجمات على الأراضي السورية، حيث قالت إنها استهدفت أهدافا إيرانية. هذا التبدّل في تعديل استراتيجيات إسرائيل في سوريا، قوبل خارجيا وداخليا بالعديد من الاستفهامات الباحثة عن مردّ هذا التغيير الراديكالي المغاير لسياسة إسرائيل المنتهجة في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.
ويرى مراقبون إسرائيليون أن الأخبار المتتالية التي تعلنها الحكومة الإسرائيلية، سواء عبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو الجيش الإسرائيلي عن توجيه ضربات ضد أهداف إيرانية على الأراضي السورية، تكشف عن تحوّل إسرائيل لممارسة سياسة جديدة عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا.
ويرجع البعض من المتابعين هذه السياسة الهجومية الجديدة إلى المتغيرات التي طرأت على مستوى قيادات الجيش الإسرائيلي بتأكيدها على أن التكتيكات الإسرائيلية حيال الملف السوري توضّحت معالمها منذ أن عيّن نتنياهو أفيف كوخافي رئيسا لهيئة أركان الجيش في 15 يناير الجاري. ولدى تعيين كوخافي، أعلن نتنياهو مباشرة أن إسرائيل ستتوخى سياسة هجومية تستهدف الوجود الإيراني في سوريا، داعيا إيران إلى مغادرة المناطق السورية المتاخمة لإسرائيل.
لكن، وفق العديد من المتابعين للملف الإسرائيلي، فإن نتنياهو كان دائما يصرّح بوجود مقاومة لإيران في سوريا، لكنه كان أيضا يحرص على عدم تبني أي هجمة على منشآت طهران أو أذرعها كحزب الله في سوريا، وذلك عكس ما يقوم به برفقة فريقه الحكومي وقيادات الجيش اليوم.
ورغم أن المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي، ينفي وجود أي تغيير في التكتيك الإسرائيلي، بقوله “ليس هناك تغيير في التكتيك، هناك فرق بين الحديث عن غارات عسكرية تستهدف مواقع إيرانية داخل سوريا، وبين الهجمات الإسرائيلية التي تتم كرد فعل”، فإن مراجع سياسية إسرائيلية تشير إلى عكس ذلك تماما بتأكيدها أن العسكريين الإسرائيليين تجنبوا سابقا في العامين الأخيرين التعليق على العمليات الهجومية ضد المنشآت الإيرانية من أجل تفادي ردود فعل إيران. أما الآن فإن إسرائيل تنتهج سياسة المكاشفة .
هذه الخطوة الجديدة، أكدها الجيش الإسرائيلي بإعلانه استهداف مواقع لفيلق القدس الإيراني في سوريا فجر الاثنين. ورغم تمسّك السلطة الإسرائيلية بخطاباتها النافية لحدوث أي تغيير في سياساتها، فإن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يشير إلى عكس ذلك تماما، بتأكيده أن المتغيرات الحاصلة على الساحة السورية سرّعت من تغيير إسرائيل لسياساتها المتبعة في الشمال السوري.
ويصف المركز في دراسة له أن من أهم المتغيرات عزم الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، وكل ذلك يتضمن مخاطر كبرى قد تحد أو تقيّد حرية وأمن إسرائيل. ومن أبرز مرتكزات السياسة الإسرائيلية الجديدة التوصّل لمنع بناء قاعدة أسلحة إيرانية أو تابعة لحزب الله على مقربة من إسرائيل سواء في سوريا أو لبنان.
ويؤكّد أن هذا الهدف لم يكن قائما في 2013، ولكنه أصبح اليوم يتطلب جهدا عسكريا للدفاع عن مصلحة إسرائيل في سوريا ولبنان. وكل ذلك يفرض عمليات أكبر، أو ربما يتطلب حربا محدودة.
ويقول الخبير العسكري الإسرائيلي إيتاي برون، إن الظروف الجديدة في سوريا أدت إلى تكثيف المخاطر، مؤكدا وجوب تنفيذ استراتيجية حربية جديدة في سوريا.
وبالنسبة لأهم هدف تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذه، وفق مركز الأمن القومي الإسرائيلي، فيمكن في منع نقل الأسلحة إلى حزب الله ومنع تحصّن إيران في سوريا ومحاولات حزب الله أو إيران أو الميليشيات الشيعية إنشاء موطئ قدم لها في الأراضي السورية وتحويلها إلى مناطق “ساخنة”.
وتتوجّس إسرائيل من أهم تطور عسكري حاصل في سوريا وهو ما يسمّيه البعض انتصار نظام بشار الأسد فهذه المتغيرات السياسية وفق مسطري الاستراتيجية الجديدة ستمكن إيران من البقاء في سوريا بطريقة أو بأخرى، وهو ما يعزز المخاطر على أمن إسرائيل.
وتدعمت مخاطر إيران وفق إسرائيل، بمجرّد انسحاب القوات الأميركية حيث سيصبح متاحا لها التحرّك بسهولة عبر الممر البري مع العراق، وهو ما سيمكنها وحزب الله من نقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان.
وبدل سياسة الوقاية أو الاكتفاء برد الفعل، فإن مركز الدراسات الإسرائيلي يشير إلى أن الاستراتيجية الجديدة وجب أن ترتكز على فكرتين: الأولى إبراز قوة التصعيد الإسرائيلي عبر مواصلة الهجمات على مواقع إيرانية في سوريا. والفكرة الثانية ترى أنه يتوجب التركيز على إرباك النظام السوري بالمزيد من الهجمات المباشرة على أهداف إيرانية لأن مصلحة الطرفين واحدة، وبالتالي فإن إسرائيل ستتمكن بذلك من ضرب الطرفين معا.
ويخلص المركز إلى أن الأوضاع تغيرّت مقارنة بعام 2013 لأن بداية الاستقرار في سوريا وتعزيز قوة حزب الله قد خلقت ظروفا جديدة في المنطقة، ومن الضروري إعادة النظر في الاستراتيجية الإسرائيلية وتطبيقها. أما داخليا، فإن الأحزاب المعارضة تستهجن الإعلانات المتواترة لسلطات بلادها بشن هجمات ضد قوات إيرانية في سوريا معتبرة أن كل هذا يصب فقط لغايات انتخابية مبكرّة استعدادا لانتخابات أبريل من العام الجاري.
وفي هذا الصدد، فقد ربط وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون ما بين الإعلانات وبين الانتخابات المقبلة. وكتب يعلون حول الهجوم في سوريا “ما فائدة تحمل المسؤولية عن الهجوم في سوريا بصرف النظر عن المكاسب السياسية؟ كل الأمور متعلقة بـ9 أبريل”، في إشارة إلى موعد الانتخابات المبكرة.
ومن جهتها، انتقدت وزيرة الخارجية السابقة وزعيمة حزب “الحركة” المعارض تسيبي ليفني الإعلان عن تبني الهجمات. وقالت “تهدف سياسة الغموض إلى السماح للجانب الآخر باحتواء ضرباتنا المبررة دون تعليق، إنهم يعلمون بالضبط من هاجم، ماذا ولماذا، ولكن عندما نهرول بالحديث، فإنهم يستطيعون الرد”.
ورغم اطمئنان النظام السوري وحليفيه الأساسيين، إيران وروسيا، للنصر الذي حققه تحالفهما في سوريا، إلا أن تواصل الدعم الأميركي لتنفيذ الخطة الإسرائيلية قد يأتي بطرق أخرى عبر تزايد مطالبها من موسكو بالسماح لإسرائيل بضرب أهداف إيرانية في سوريا على الرغم من تزويد موسكو للحكومة السورية بمنظومة الدفاع الجوي “أس- 300”.
العرب