شذى خليل*
صدر قرار الحكم للمحكمة الاتحادية بخصوص قانون شركة النفط الوطنية العراقية ، استنادا الى احكام المادة (94) من الدستور ، والمادة (5/ ثانيا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 ، وافهم علناً في 23/1/2019 ، برئاسة القاضي مدحت المحمود ومجموعة من الأعضاء المأذونين بالقضاء لإصدار قرارها باسم الشعب ، ان إيراد أي نص في قانون يؤدي الى نزع اختصاص من اختصاصات السلطات الاتحادية الحصرية او الاختصاصات المشتركة بينها وبين سلطات الإقليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز ، وهذا يعد مخالفا لأحكام الدستور ، ويلزم الحكم بعدم دستوريته ، وان النقاط المطعون بها غير قابلة للنقض ، إذ قررت المحكمة الاتحادية العليا ما يلي:
أولاً: الحكم بعدم دستورية المواد التالية:
1. عدم دستورية المادة (3) من القانون لإنهاء المهام التي حملتها أهدافها ، تتعارض مع احكام المادة 112 بفقرتيها الأولى والثانية ، والمادة (114) من الدستور ، ذلك ان المهام التي ذكرتها المادة (3) موضوع الطعن يلزم ان تكون الحكومة الاتحادية مع حكومات الإقليم والمحافظات المنتجة للنفط .
2. الطعن في الفقرة (ثالثا و خامسا) من المادة (4) من القانون ، كونهما يتعلقان بعمليات تسويق النفط ، والتي تعد من مهام وزارة النفط والشركة المرتبطة بها ، ولتعارضهما مع المادة (112) من الدستور .
3. عدم دستورية المادة (7/اولاً/1) من القانون التي نصت على (يترأس الشركة موظف بدرجة وزير …..) لتعارضها مع احكام المادة (62/ ثانيا) جاء مخالف للمشروع الحكومي رغم انه متضمن جنبه مالية .
4. عدم دستورية البند (ح) من الفقرة (ثانيا) من المادة (7) المتعلقة بجعل شركة نفط (سومو) من التشكيلات المرتبطة بمركز الشركة ، لتعارضها مع احكام المادة (110/أولا وثالثا) من الدستور .
5. عدم دستورية المادة (8) من القانون ، والتي نصت على مهام مجلس الإدارة ، وان غالبيتها من اختصاص الحكومة الاتحادية مع الإقليم والمحافظات المنتجة للنفط ، استنادا للمواد 78، 80، 112 من الدستور .
6. عدم دستورية المادة (11) من القانون والتي نصت على: اولاً استقطاع الشركة مبلغا يغطي جميع الكلف الاستثمارية والتشغيلية ، ولا يقل عن معدل الكلف في الحقول المستثمرة عن كل برميل من النفط الخام والغاز المنتج ، مضافا إلية نسبة من الربح ويتم ذلك بالاتفاق بين الشركة ووزارات المالية والنفط والتخطيط ، ويصادق عليه مجلس الوزراء ، ومراجعته كل 3 سنوات ، ويستقطع المباشرة من حساب وزارة المالية لدى البنك المركزي عن عوائد النفط والغاز .
قرار المحكمة الاتحادية (التسويات):
يتم تسوية الحسابات بين الشركة ووزارة المالية بعد نهاية السنة المالية للشركة وبعد اكتمال الحسابات النهائية لها ومصادقة ديوان الرقابة المالية عليها ،لتعارضها مع مواد الدستور 78/ 80/ 111/ 112 .
7. عدم دستورية المادة (12) من القانون والتي بينت الإيرادات المالية للشركة وارباحها واوجه توزيعها ، وذلك لتعارضها مع احكام المواد (78 / 80 أولا وثانيا/ 106 / 111/ 112) من الدستور .
8. عدم دستورية المادة (13 / ثانيا) من القانون ، والتي نصت على استثناء حوافز العاملين في الشركة من احكام قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 ويحدد بنظام يصدره مجلس الوزراء ، وذلك لتعارضه مع احكام المادة (62 / ثانيا) من الدستور ، حيث تضمن جنبة مالية ولم يأخذ راي مجلس الوزراء .
9. عدم دستورية المادة (16) من القانون ، الفقرة (أولا) الخاصة باستثناء الشركة والشركات المملوكة لها من قانون الإدارة المالية وقانون الشركات العامة وقانون الجمارك وقانون إقامة الأجانب ، وقانون تنفيذ العقود الحكومية ، وتعليمات تسهيل تنفيذه ، وقانون بيع وايجار أموال الدولة ، وتسهيل تنفيذه ، ونصت الفقرة (ثانيا) على أن يصدر مجلس الوزراء وباقتراح من الشركة نظاما يحل محل القوانين المستثناة والمنصوص عليها في الفقرة (أولا) من هذه المادة كل على حده ، بما يضمن حقوق الخزينة العامة ، وذلك لتعارضها مع احكام المادة (5) من الدستور التي لا تجيز الغاء قانون ما بنظام او تعليمات .
10. عدم دستورية المادة (18/سادسا) من القانون ، والتي نصت على (للشركة ان تساهم في تنمية القطاعات الزراعي والخدمي والصناعي ،……. ، وذلك لتعارضها مع احكام المادتين( 78) و(80) من الدستور.
ثانيا بقية الطعون الواردة في الدعاوى , ردتها المحكمة الاتحادية لعدم تعارضها مع احكام الدستور ، ومع السياسة العامة للدولة المنصوص عليها في المادة (80) من الدستور ، ولأنها جاءت خياراً تشريعيا لمجلس النواب وفق صلاحياته المنصوص عليها في المادة (61/أولا) من الدستور .
ماذا تعرف عن “شركة النفط الوطنية”؟
في عام 1964 أسست منشأة عراقية وطنية سميت (شركة النفط الوطنية) وكان الهدف منها البحث عن حقول جديدة واستثمارها وطنيا.
والشركة حسب قانون تأسيسها ، “تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري” و“ترتبط بمجلس الوزراء” ومن صلاحياتها “إبرام عقود الاستكشاف والإنتاج والتصدير وفق سياسة الدولة ، بما لا يتعارض مع احكام الدستور” و “للشركة حق الاقتراض من أية جهة داخل العراق وخارجه ، لتمويل استثماراتها بموافقة مجلس الوزراء”.
أسباب معارضة البعض لقانون “شركة النفط الوطنية”:
في يوم 5/3/2018 ، تم وبشكل مفاجئ ، وبعجالة ، تصويت مجلس النواب العراقي بشكل نهائي بجلسته (الرابعة) على تمرير قانون “شركة النفط الوطنية العراقية” ، رغم أهميته وأهمية المواضيع الخطيرة التي تضمنها ، إذ سارعت رئاسة الجمهورية العراقية بالمصادقة عليه رغم حملة الاعتراضات التي أثارها بعض الخبراء النفطيين.
ومن المفاهيم الاقتصادية والسياسية والنفطية التي تثير التساؤلات التي نشرها مصممو “القانون” ، واعتبروا تمريره انتصارا نهائيا لمفاهيمهم وجهدهم الكبير في هذه العملية.
اما أسباب معارضة القانون من قبل العديد من خبراء الاقتصاد فللأسباب التالية:
1. اعتبر بعض الخبراء ان فكرة القانون “مؤامرة” ، فأن يتم تمليك النفط العراقي إلى “شركة” حكومية – مستقلة ، وان تعطى هذه “الشركة” صلاحيات مهولة لم يسمع بها من قبل: فيتم تمليكها كل الثروة النفطية العراقية التي تستخرجها ، وعلى الحكومة أن تتفاوض معها لتعرف كم ستمنح الشركة الحكومة من اجل موازنتها السنوية ، وأن تكون معفية من معظم القوانين العراقية .
2. ان الايرادات المتأتية من تصدير وبيع النفط والغاز هي ايرادات سيادية ، ولا يمكن ان تكون ” ايرادات مالية للشركة ” حسب ما ذكره القانون ، لأن هذا يشكل مخالفة للدستور الذي حدد ان النفط والغاز ملك للشعب العراقي وليس عائدا ماليا لشركة عامة.
3. ان اعتبار عوائد الصادرات النفطية ايرادات مالية لشركة عامة يجرد تلك العوائد من الصفة السيادية التي يوفر لها القانون الدولي الحماية ، وبالتالي يعرض تلك العوائد لكل اشكال الحجز والمصادرة تنفيذا لأي اجراء قضائي في اي مكان توجد فيه العوائد ، ما يعرض عوائد صادرات النفط الى مخاطر عديدة.
4. يعطي القانون شركة النفط صلاحيات تمكنها من الناحية الفعلية تحديد حجم الواردات النفطية في الموازنة العامة السنوية ، وبالتالي تكون قرارات الشركة هي المحدد الاساس للنشاط الاقتصادي ، وهذا يعني ان الشركة تصبح اكثر اهمية من وزارة المالية ومجلس الوزراء في تحديد حجم النفقات .
5. خول القانون شركة النفط انشاء وتمويل وادارة كيانات مالية ليست لها علاقة بطبيعة نشاطاتها كشركة نفطية استخراجية ، وهذه الكيانات هي: (صندوق المواطن) و(صندوق الأجيال) و (صندوق الإعمار) ، ومن الغريب ان هذه الكيانات التي تكون عادة من مهام وصلاحيات الحكومة وخاصة مجلس الوزراء ووزارات المالية والتخطيط المالية وغيرها ، فإن القانون جعلها من صلاحياته !
6. المادة تعني التلاعب بما لا يقل عن 10% من عوائد صادرات النفط ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى سيعمل بالتأكيد على حرف شركة النفط الوطنية عن مهامها الأساسية كشركة نفطية معنية بتطوير القطاع النفطي الاستخراجية.
وينتقد الخبراء ذاتهم المادة (13) من قانون شركة النفط الوطنية العراقية المتعلقة بملكية النفط وواردات الشركة المالية ، وكيفية توزيع أرباح الشركة ، ولأهمية هذه المادة نورد بعض موادها :
أولاً: تتكون الإيرادات المالية للشركة من الإيرادات المتأتية من بيع النفط الخام والغاز وأية منتجات أخرى ، يضاف إليها أية إيرادات قد تحصل عليها الشركة.
ثانياً: تتكون أرباح الشركة من الإيرادات الإجمالية مطروحا منها النفقات كما وردت في المادة (12).
ثالثاً: توزيع أرباح الشركة على الوجه التالي:
• خزينة الدولة: تؤول نسبة لا تتجاوز الـ90% من أرباح الشركة إلى خزينة الدولة وتحدد نسبتها في قانون الموازنة الاتحادية.
• توزيع باقي أرباح الشركة بعد استقطاع النسبة المخصصة في (1) من هذا البند على الشكل التالي:
1) نسبة من الأرباح لاحتياطي رأسمال الشركة ، ولمجلس الإدارة تحديد آليات ومجالات التصرف بالاحتياطي لتحقيق مصالح وأهداف الشركة.
2) نسبة من الأرباح لـ(صندوق المواطن) حيث توزع على أسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق ، وحسب الأولوية لشرائح المجتمع ، ولا يجوز بيع وشراء أو توريث الأسهم وتسقط عند الوفاة.
3) أسهم العراقيين المقيمين في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم التي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز المنتج إلى الشركة تحرم من الأرباح ويضاف استحقاقها إلى باقي المساهمين.
4) نسبة من الأرباح لـ(صندوق الأجيال) ، وبهدف الاستثمار لصالح الأجيال.
5) نسبة من الأرباح تخصص لـ(صندوق الإعمار) ، بهدف تنفيذ مشاريع استراتيجية في المحافظات التي يمارس فها نشاط نفطي للشركة .
6) يرى الخبير الاقتصادي احمد موسى جياد ان القانون الذي يصفه بالغريب يكلفها بتوزيع مردود النفط ، الذي صار ملكاً لها ، بحيث لا تحول أكثر من 90% منها إلى خزينة الدولة ، وتوزع الشركة الباقي على “صناديق” ، خصص أولها لرشوة المواطن ليتقبل هذا الخطر على ثروة بلاده ، اسمه “صندوق المواطن” الذي يقدم لكل مواطن ، وفق حسابات الخبير الاقتصادي حمزة الجواهري ، ما لا يزيد على 50 دولاراً في العام.
ويرى الخبراء بعد عرض فقرات المادة الـ(13) ان القانون نصب شركة النفط الوطنية جهة قيمة على العراق فوق الدولة ، تستلم عمليا كل عوائد العراق المالية المتأتية من تصدير النفط والغاز ، وتعود ملكيتها جميعها إليها ، في حين كانت جميع العوائد تعود إلى وزارة المالية.
ويشيرون الى تناقض الدستور ، إذ ان النفط والغاز (وعوائدهما) ملك للشعب العراقي ، وليس عائدا ماليا لشركة عامة تشغيلية ، بالرغم من ان القانون جعل رئيس الشركة بمنصب وزير وعضو في مجلس الوزراء ، ولكن الشركة في كل الاعتبارات تعد شركة / وزارة تشغيلية تجارية وغير سيادية ، وهي في كل الأحوال شركة عامة ، وإن اعتبار عوائد الصادرات النفطية والغازية إيرادات لها ، يجرد هذه العائدات من الصفة السيادية ، وقد تتعرض للحجز او المصادرة خارج العراق ، نتيجة أية مشكلة قضائية تتعرض لها الشركة.
ويقولون ان القانون أعطى الشركة حق توزيع أرباحها للدولة وخلق صناديق مختلفة ، وتحديد حجم المبالغ المصروفة لخزينة الدولة ، وأصبحت الشركة كيانا يتجاوز بكل المقاييس الوزارات السيادية كوزارات النفط والمالية والتخطيط مجتمعة.
ومن جانب آخر ، يرى الاقتصادي والسياسي العراقي عدنان الجنابي ، إيجابية بالقرار ، فإن من صمموا “القانون” واعتبروا تمريره انتصارا نهائيا لمفاهيمهم وجهدهم الكبير في هذه العملية.
كونه يحارب الاقتصاد الريعي حسب قوله ، إذ ان تفعيل المادة (111) من الدستور ، والتي نصت على ان النفط والغاز ملك للشعب العراقي ، والمادة (12/ثالثاً) على جعل نسبة ارباح الشركة تقرر بموجب الموازنة السنوية ، وتوزع على اسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق ، ولا يجوز بيع وشراء او توريث الاسهم ، وتسقط عند الوفاة وتقرر هذه النسب على ضوء ما تحدده الموازنة الاتحادية لحصة خزينة الدولة .
ويرى الجنابي ان المادة (111) تعد انقلابا على المعادلة للدولة الريعية ، بأن تجعل الريع لا يذهب مباشرة الى حساب وزارة المالية ، بل للمواطن ! وللمواطن من خلال ممثليه في مجلس النواب القبول بنسبة ” ضريبة” على دخله من ريع النفط .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية