امتد تأثير العقوبات الأميركية على النظام الإيراني كما كان متوقعا إلى مجال الفن والإبداع والترفيه ليدفع بذلك المثقفون والمبدعون الإيرانيون ثمن سياسات خاطئة لم يكونوا طرفا في اتخاذها، فيما تفرض السلطات الإيرانية سياسة تقشفية صارمة أملا في تفادي قسوة العقوبات.
وحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال تغليظ العقوبات على طهران الضغط على النظام الإيراني إلا أن الشعوب في النهاية هي التي تدفع الثمن، حيث يقول مهاجر، عازف غيتار في الحادية والعشرين من عمره “أوتار الآلة أصبحت الآن من السلع الترفيهية التي يصعب علينا الحصول عليها”.
ويعتبر الفنانون من بين أكثر فئات الشعب تضررا من هذه العقوبات، حيث كان متجر “سوناتا”، بالسوق التجاري شمال طهران، متخصصا في بيع الآلات الموسيقية بأسعار زهيدة، إلا أن العقوبات الاقتصادية دمرت نشاطه، فلم تعد هذه النوعية من الأدوات في متناول أيدي الإيرانيين في الوقت الراهن.
و منذ تولي حسن روحاني الرئاسة في إيران ومع التوصل لاتفاق نووي مع القوى الكبرى عام 2015، حدثت انفراجة كبيرة في مجال الموسيقى داخل المجتمع المحافظ، كما أدت حرية إقامة الحفلات إلى أن يصبح نشاط بيع الأدوات الموسيقية مجال أعمال مربح أيضا. وفي إطار هذا الانفتاح بدأ الفنانون يخرجون إلى الشارع ليقدموا موسيقى بوب فارسية وغربية، كما تمكن فنانون أجانب أيضا من العودة لتقديم حفلات في إيران، ومنهم على سبيل المثال الفنان الألماني كريستوفر فون ديلين وفرقته شيللر، وذلك بعد ثلاثة عقود من التوقف.
متجر “سوناتا”، بالسوق التجاري شمال طهران، كان متخصصا في بيع الآلات الموسيقية بأسعار زهيدة، إلا أن العقوبات الاقتصادية دمرت نشاطه
ولكن هذا التوجه توقف فجأة، ولم يكن ذلك بسبب قواعد جديدة أقرها النظام الإيراني، بل بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب، والأزمة المالية الطاحنة التي ترتبت عليها، ومن آثارها، فقدان العملة الإيرانية المحلية أكثر من 6 بالمئة من قيمتها، والارتفاع الرهيب في الأسعار من جانب آخر، والتي من بينها سلع ضرورية مثل الغذاء والدواء، وهذا بدون ذكر الآلات الموسيقية، وقد أغلقت متاجر كبيرة لبيع هذه الآلات ومن بينها سوناتا.
ووفقا لتجار السوق، تراكمت الأتربة والغبار على الآلات على مدار فترات طويلة، لأنه لم يعد بمقدور أحد شراءها.
وكان مهاجر عازف الغيتار قد أعطى صوته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لحسن روحاني على أمل أنه في ظل حكمه يستطيع ممارسة مهنة الموسيقى التي يحبها، وكان لآماله ما يبررها، خاصة أنه بعد الاتفاق النووي، شهدت البلاد فترة رخاء، تخللها تخفيف القيود على النشاط الثقافي، مما دفع الفنان الشاب للتضحية بكل مدخراته وشراء غيتار كهربائي يصل ثمنه إلى 1000 دولار تقريبا.
ولم يتحقق حلم مهاجر في أن يصبح إيريك كليبتون إيران، إلا أنه ربح أموالا طائلة من مشاركته في حفلات والعزف في الأفراح، إلى أن حلت العقوبات على إيران، حيث يقول “منذ ذلك الحين، لم يعد بوسع الكثير من العائلات استقدام فرق موسيقية لحفلات زفاف أبنائهم لأسباب تتعلق بنقص المال، والآن بدلا من العزف على الغيتار أعمل بائعا في بازار لسد احتياجاتي الضرورية واستكمال باقي الشهر”.
ضرر العقوبات لحق بالسينما والمسرح
ضرر العقوبات لحق بالسينما والمسرح
وهذا ليس حال مهاجر فقط، هناك أيضا المطرب الإيراني الشهير كاوه يغمايي الذي تضررت أحواله بشدة بسبب عقوبات ترامب، فقبل العقوبات كان يغمايي قد جلب موسيقيين من كندا لتعزيز وضع فرقته وحفلاته في طهران، إلا أن الأزمة المالية وتدهور قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية قضيا على تجربته، لدرجة أنه في آخر حفلاته اضطر للاستعانة بشقيقته للمشاركة في الجوقة.
و يشكو مطرب البوب الشهير كاو أفاق أيضا من تأثير العقوبات، حيث يقول “مازال بوسعنا إقامة بعض الحفلات، وتنفد التذاكر دوما، لكن لا أحد يدري ماذا سيحدث خلال الشهور القليلة القادمة”.
وفقا للخبراء لن يتضح أثر العقوبات الاقتصادية الذي تصبو إليه الإدارة الأميركية قبل حلول الربيع، كما يرى المراقبون أنه في هذه الحالة، فإن عددا محدودا للغاية من الأشخاص، سيكون بوسعه سداد قيمة تذكرة حفل موسيقي، فيما لحق ضرر العقوبات بالسينما والمسرح أيضا.
و يعد علي رضا والي نجاد، واحدا من أقدم المخرجين الوثائقيين في البلاد، وقد أنجز على مدار ربع قرن الكثير من الأعمال التسجيلية للتلفزيون الرسمي الإيراني وللوزارات والعديد من الشركات الخاصة، حيث يقول المخرج /47 عاما/ “لم أتلق أي أوامر لتنفيذ أعمال منذ بداية العقوبات في أغسطس 2018، الخزينة خاوية”، مشيرا إلى أن “التلفزيون الرسمي وحده يستطيع الصمود في وجه الأزمة، ولكنه لا يقدم سوى أعمال ذات توجه سياسي”.
العرب